قبل ثماني و عشرون عامًا ...مرّ يومان و قد ساورته مشاعر القلق حيالها بالفعل، إنها محبوسة في شقته السريّة كما توّعدها، معاقبة على سلاطة لسانها و قلّة أدبها، صحيح لا ينقصها شيء هناك و هو متأكدًا من هذا، حتى إنه سبق و تركها لفتراتٍ أطول من ذلك، لكنه لا يستطيع تجاهل مشاعره تجاهه.. مسؤولية.. إهتمام.. و لا زال عقله يرفض الصوت الذي يتردد بشدة بأعماقه بشعور آخر يفزع من الإقرار به
لأن مجرد الإقرار به يعني أن حبه لم يكن بالقوة و من المسلّمات غير القابلة للتغيّير كما كان يظن، و أن بإمكانه أن يحب عليها أخرى.. "فريال" التي أختارها بقلبه في مطلع شبابه... و "رحمة" التي وافق عليها بعقله و هو رجلًا ناضجًا.. ثم ها هي قد تسلّلت لتحتلّ مكانًا بقلبه !!!
هذا و بدون أيّ جهدٍ منها، إنها طبيعية، مثيرة للإهتمام، لا يمل من رفقتها أبدًا، و الحال الآن أنه يفقتدها حقًا !
يزفر "يحيى" بضيقٍ شديد و هو يقف أمام المرآة يضبط من هِندامه المنمق، يريد لو يلغي الحفل اللعين الذي يقيمه لأجل صفقة عمل كبيرة و يذهب إليها هي، يراضيها و يعقد معها صلحًا جديدًا، تظن بأنها زوجة في الخفاء، الآن و قد عرف "رفعت" فهو ينوي أن يعرفها به، لتعلم بأن زواجهما ليس مجرد ورقة من أجل شرعية علاقتهما، إنها زوجته، و هو يريدها أن تكون كذلك طالما هو على قيد الحياة ...
وصل كلًا من الأخان "رفعت" و "يحيى البحيري" كلٌ مع زوجته إلى أبرز و أفخم فندق بالمدينة، فور أن دخلوا صالة الإحتفال المفتوحة بقمة البناء الشاهق استقطبوا الأنظار، كانوا محطّ إعجاب الجميع، الأخوين يشبهان بعضهما إلى حد كبير، و لكن "رفعت" وسامته خشنة و أضخم قليلًا، أما "يحيى" الذي يمتاز بطابعٍ ملائكي واضح يجعله يبدو مثل أميرًا من الحكايات الخرافية، و كان وصفًا ملائمًا لأن زوجته "فريال المهدي" بدت و هي تتأبط ذراعه هكذا كملكة، بثوبها الأزرق اللامع الذي احتوى قدّها مبرزًا مفاتنها دون الكشف الصريح عنها، تسريحة شعرها الكلاسيكية و زينتها الرقيقة
استطاع "يحيى" أن يرى نظرات الحسد بأعين الرجال علانيةً، ما جعله ملاصقًا لها منذ بدء السهرة، حتى طلبها منه أخيه للرقص، فلم يمانع "يحيى" و هو يأخذ بيد "رضوى" بدوره ليؤدي معها نفس الرقصة ...
-رضوى ! .. هتف "يحيى" للمرة الثانية منتشلًا زوجة أخيه من شرودها
انتبهت الأخيرة إليه، وجهّت نظراتها الحزينة إلى عينيه و هي تقول بابتسامةٍ متكلّفة :
-نعم يا يحيى.. كنت بتقول حاجة ؟
يحيى بتعجبٍ : كنت بقول حاجة ؟ انتي باين مش هنا خالص. إيه يا رضوى مالك ؟ الحفلة مش عجباكي و لا إيه !؟
هزت رأسها نفيًا، ثم نظرت صوب زوجها الذي يراقص زوجة أخيه بمرحٍ لا يخطؤه النظر، تنهدت بثقلٍ مرددة :
أنت تقرأ
وما أدراكِ بالعشق
Romance"لا يوجد مكانٌ للكراهية في عينيكِ تجاهي ؛ أنظري إلى وجهي جيدًا، أقرّي بانتمائك إلى سيدك.. أنتِ ملك يميني.. أنتِ طوع إشارةً منّي... هل تريدين إثبات !" _ عثمان البحيري