قبل ثماني و عشرون عامًا ...مضى أربعة أشهر على زواجها من "يحيى البحيري"، و بالكاد تعتاد المكوث لأيامٍ طويلة بدونه، إذ إنه كان حريصًا كل الحرص على أن يقضي أكثر الأوقات في منزل عائلته، لم يبيت معها ليلة واحدة بعد شهر العسل، بل كان يأتي لزيارتها مرة أو مرتان بالاسبوع في الصباح الباكر أو في المساء ثم يتركها و يعود لأحضان زوجته الأولى و عائلته.. عائلته الحقيقية !
إنه كريم جدًا، لا يبخل عليها بشيء، و كل طلباتها مجابة و حتى ما لم تطلبه يوفره لها، و لكن ليته يُدرك بأنها لا تهتم للماديات، إنها تتوق لعائلة مثل التي يكافح للحفاظ عليها، تريده هو، تريد أطفالًا منه، ما زالت لم تقطع الأمل في أن يسمح لها قريبًا بالإنجاب، إنها و إن وافقته مستسلمة لسحره الطاغي عليها، إلا إنها لم تقمع صوت غريزتها القوي كما يظنّها، ستعود لتفتتح معه حديثًا في أسرع وقتٍ، و عندما تفعل ذلك فإن قراره سيُحدد مصير هذا الزواج، إذا وافق سيكون من دواعي سرورها أن تبقى في عصمته، و إذا رفض فهي ستتركه مهما كلّفها الأمر.. لن يستطيع أن يرغمها على البقاء ...
اليوم أخيرًا قرر أن يبيت معها، اتصل بها قبل أن يحضر في المساء و أبلغها بأنه اختلق كذبة أمام عائلته و أنهم يظنونه مسافرًا لبضعة أيام، و لكنه في الحقيقة باقيًا و سيقضي معها كل هذا الوقت، معها وحدها
لم تستطع "رحمة" إلا أن ترحب به طبعًا، و مثل العادة جعلها حضوره تنسى أيّ وحشة تستشعرها بعيدًا عنه، و ظلّت قدماها لا تلمسان الأرض منذ جاء و بقي بجوارها ...
-خلاص مش قادر يا رحمة !
يُعلن "يحيى" للمرة الثانية بصرامةٍ أشد و هو يحاول درء يد زوجته الشابة عن فمه، بينما كانت الأخيرة تجثو أمامه فوق الفراش حاملة صحن من شرائح الفاكهة، أصرت عليه و هي تمد يدها من جديد بقطعةٍ من التفاح :
-عشان خاطري.. انت ماقربتش من الفطار خالص و شربت قهوة بس.. كُل دي من إيدي على الأقل.. عشان خاطري كُلها !!
رمقها بنظرته الصافية مطوّلًا، ثم تنهد و فتح فمه ملتقطًا قطعة التفاح بأسنانه، راقبته مبتسمة و هو يلوّكها ببطءٍ، كان آسرًا لعينيها هذا الصباح، مظهره عفوي و نادر ؛ شعره الناعم المتشابك، ملامحه التي لم تزول عنها آثار النوم بعد، جزعه العاري
لم تسمح بمغادرة السرير و صممت أن تأتي له بالفطور هنا، أرادت أن تدللـه كثيرًا، فقد بدا عليه الإرهاق منذ قدومه عندها، و كما ترى إن جهدوها قد أثمرت، الآن يبدو مشرقًا و وسامته الملائكية عادت تزلزلها من جديد ...
-انتي مبتسمة أوي كده ليه ؟ .. سألها "يحيى" مبتسمًا بدوره
لتتحول ابتسامتها لضحكةٍ مجلجلة فتبدو كطفلة بهجة لنظره و هي تقع عرضيًا فوق صدره، فيحاوطها بذراعيه و لا يزال مبتسمًا في انتظار جوابها، تهدأ "رحمة" قليلًا و هي تخبره رافعة رأسها لتلاقي نظراته :
أنت تقرأ
وما أدراكِ بالعشق
Romance"لا يوجد مكانٌ للكراهية في عينيكِ تجاهي ؛ أنظري إلى وجهي جيدًا، أقرّي بانتمائك إلى سيدك.. أنتِ ملك يميني.. أنتِ طوع إشارةً منّي... هل تريدين إثبات !" _ عثمان البحيري