الفصل الحادي و العشرون _ وعدتكِ _ :

7.6K 480 41
                                    


قبل أربعة و خمسون عامًا ...

إنها ليلة مميزة.. ذكرى ميلادها.. بعد سويعاتٍ قليلة سوف تتم الثانية عشر من عمرها ..

من هي ؟

إنها أكثر الفتيات حظًا.. أكثرهن جمالًا.. أعلاهن شأنًا و مقامًا ..

إنها "فريال عثمان المهدي".. ابنة "عثمان باشا المهدي".. رجلٌ في العقد الخامس من عمره.. سياسيًا و دبلوماسيًا تركيًا.. شغل عدة مناصب دبلوماسية في القنصليات و السفارات التركية كما عمل في عدة مناصب وزارية بحكومة الدولة ..

من المعروف أن"فريال" هي الفتاة الوحيدة التي أنجبها الباشا بعد ميلاد أخيها البِكر بخمس سنوات.. و إنها أيضًا المقرّبة لأبيها و مُدللته الوحيدة.. هي فقط من تحظى بعطف و حنان الرجل الصلب القاسٍ مع الجميع.. إلا معها هي.. يتحول من جبارٍ إلى حملٍ وديع.. و لا يرد لها طلبًا مطلقًا ..

فوق هذا كله لم يكن سحر "فريال" حِكرًا على أبيها فقط.. بل إن الجميع قد أغرموا بها.. لا أحد بإمكانه مقاومتها.. لا رجال و لا نساء و لا حتى تلك الحيوانات الأليفة التي ترعاها بالمنزل و قد رضخ والدها لطلبها بتبني أكثر كائناتٍ يبغضها.. و هي الهِررة.. غير ذلك كان الجرو اختيار لا بأس به و لم يمانع إنضمامه إلى المنزل ..

كانت رقيقة كالنسمة.. كانت هِبة و غنيمة لأسرتها.. و كانت تُشكل هوسًا للجميع.. كانت حالة فريدة و خاصة جدًا.. و لم تعلم الصغيرة منذ البداية بأن كل يميّزها ما هو إلا لعنات حاقت بها بمرور السنين.. لعنات قد نالت منها و دمرتها عن آخرها ...

-دوم جانن كوتلو أولسن تاتلم ( عيد ميلاد سعيد يا حلوتي ) !

أشرق وجه "فريال" بابتسامةٍ كبيرة و هي ترمق هدية أبيها بسعادةٍ.. و قد كانت عبارة عن مُهرة أصيلة أبدت اعجابًا بها خلال نزهتها الأخيرة بنادي السبق للخيول ..

عاودت النظر إلى الأب الخمسيني ذو الشارب المنبعج.. و ارتمت بين أحضانه مُهللة :

-ساول بابا ( شكرًا بابا ).. سيني جارچـكتان سيفيوروم ( أنا أحبك كثيرًا ).

قهقه "عثمان" بوقاره المعهود و هو يربّت على كتف صغيرته.. و سحبها لتجلس فوق قدمه ساحبًا غليونه من فمه.. ضمها إلى صدره بحنانٍ و هو يقول بصوته القوي بلغته الأم :

-لا يوجد شيء لا أستطيع تقديمه لأميرتي الصغيرة.. هل ترين هذا القصر و من فيه ؟ إنه ملكًا لكِ بالكامل.. و أيّ شيء تريدينه.

رمقت "فريال" أبيها مبتسمة و هي تقول بسجيتها الطفولية :

-ألم تخبرني بأننا سنذهب إلى مصر لأجل تولّيك المنصب الجديد ؟ كيف تهديني القصر و ما هي فائدته عندما أغادر !؟

رفع حاجبه قائلًا :

-هل تظنين بأننا سنذهب إلى الأبد يا عزيزتي.. حتمًا سنعود.. إن هي إلا بضعة سنوات قليلة و نرجع إلى الوطن.. هنا حياتك.. هنا عائلتك.. هنا بيت أبيكِ.. ثم إنكِ لن تفارقينني أبدًا هل فهمتِ ؟

وما أدراكِ بالعشقحيث تعيش القصص. اكتشف الآن