اليوم ذكرى ميلادها، خلال السنوات الأخيرة لم تعد تهتم حقًا لهذا التاريخ المميز، في مرحلة طفولتها و صباها كانت تسعد كثيرًا به، حتى لو لم يحتفل بها أحد، كانت ترتدي أجمل ثوب لديها و تتأنق كثيرًا، إذا عجزت عن الخروج تقضي الأمسية بغرفتها و ترقص و تتغونج بجسدها صارخ الأنوثة حتى الصباح
و لكن، منذ صار تاريخ ميلادها هو نفسه تاريخ زواجها إنقلب كل شيء رأسًا على عقب، و لم يعد له ذات البريق و الحماسة، زواجها الذي بدا سعيدًا خلال الأشهر الأولى منه، إستحال إلى مادة خام من التعاسة، لولا وجود صغيرتها لوضعت حدًا لحياتها منذ فترة طويلة، و السخرية إنها بقدر عشقها لزوجها، بقدر مقتها لحياتها معه، إنه عدوها و سيد قلبها في آنٍ
فماذا عساها تفعل ؟
لا مخرج لها، في جميع الأحوال كل الطرق تُفضي إليه، كلها ...
تجلس "رحمة" بالجهة الأخرى من الصالون، تستمتع بمذاق قهوتها الساخنة اللذيذة، بينما تراقب صغيرتها أثناء تلقّيها درس اللغات على يد معلمًا شابًا شديد المهارة، و الوسامة أيضًا، كانت تبتسم برضا و هي ترى و تسمع ابنتها الوحيدة التي حتمًا ورثت ذكاء و فطنة والدها و منها هي سرعة البديهة
كانت تتعلم بسرعة، رغم حداثة سنّها، و عدم إرتيادها الروضة حتى الآن، لكنها كانت قابلة للتعلم، و حصّلت معلومات سابقة لعمرها و هذا بشهادة معلمها نفسه
دقت الساعة السادسة مساءً، و أعلن المعلم عن إنتهاء الدرس، فقامت "رحمة" متجهة نحوهما غير منتهبة لتأثيرها الأنثوي على أيّ رجل، و بالأخص ذاك الذي وقف متأهبًا لها، يطالعها بنظرات الإعجاب، بدءًا من حذائها العاري الذي كشف عن قدم ناصعة و كعب أحمر كلون الدماء، و ثوبها الصيفي القصير عاري الكتفين، أسود اللون مزخرف بزنابق حمراء بارزة، وجهها الخالِ من مساحيق التجميل باستثناء طلاء الشفاه فاقع الحُمرة، و تحديد العين الذي أبرز ما تمتلكه من سعّة عينين، و شعرها، شعرها الطويل المجعّد بنعومةٍ مغرية
كانت من وجهة نظره امرأة كما يقول الكتاب، ثروة يطمع كل رجل بامتلاكها، فكيف إنها متزوجة و كلّما أتى إلى هنا يجدها بمفردها ؟
أين زوجها ؟ كيف يترك امرأة بجمالها و أنوثتها المتفجّرة أمام عينيه دون أن ينعم بكل دقيقة بجوارها ؟ لو كان هو نفسه بمكان الأحمق المحظوظ زوجها لما تركها ثانية واحدة قدر استطاعته ...
-ها إيه أخبار شمس معاك يا مستر خالد ؟
تلقّى المدعو "خالد" سؤال الأم الفاتنة بابتسامةٍ هادئة و جاوبها على الفور :
-شمس ممتازة يا مدام رحمة. نبيهة جدًا ما شاء الله. و الإنلجش بتاعها هايبقى بيرفكت في وقت قصير.
إلتمعت عينا "رحمة" بدموع الفخر و هي تنظر إلى ابنتها المشغولة بجمع أدواتها الدراسية، ثم نظرت إلى المعلم من جديد و قالت بسعادة حقيقية :
أنت تقرأ
وما أدراكِ بالعشق
Romance"لا يوجد مكانٌ للكراهية في عينيكِ تجاهي ؛ أنظري إلى وجهي جيدًا، أقرّي بانتمائك إلى سيدك.. أنتِ ملك يميني.. أنتِ طوع إشارةً منّي... هل تريدين إثبات !" _ عثمان البحيري