قبل عشرون عامًا ...تركا الصغيرة في المنزل برفقة المربية الأسيوية التي اختارها "يحيى" من أجل ابنته بعد تدقيق و تمحيص.. أحسّت "رحمة" بأن تلك الأمسية مميزة.. إذ قام زوجها بشراء ثوبًا أنيق و ثمين لترتديه.. و لم يكن مجرد شراء بل إنه انتقى لونه و تصميمه بعد رحلة بحثٍ طويلة بمجلات الموضة و الأزياء.. ليقع اختياره بالنهاية على أكثر أثوابها روعةً.. جميل.. أبيض و رقيق بقصّة أنثوية أبرزت قدّها المنحوت و رشاقتها التي لطالما حافظت عليها بكل ما تملك من قوة إرادة و إمكانات أمددها زوجها بها ..
حرص "يحيى" على أن يخرجا في ساعةٍ مُحددة من المساء ..
أخذها في سيارته الخاصة.. و كان متأنقًا بدوره في حلّةٍ سوداء رسمية.. بدا أكثر شبابًا و حيوية رغم بلوغه الخامسة و الأربعين.. و رغم الشيب الخفيف الذي خطّ منابت شعره المثالي شديد النعومة ..
جلست إلى جواره متحاشية النظر إليه.. و تشعر بنظراته من حينٍ لأخر.. الصمت بينهما لم يبدده شيء.. حتى وصلا أخيرًا إلى الوجهة المنشودة ..
ترجل "يحيى" من خلف المقود أولًا.. دار حول السيارة ليفتح لها الباب.. ثم مد يده نحوها ..
تطلّعت "رحمة" إليه أخيرًا.. و لوهلةٍ حبست أنفاسها و هي تراه يبتسم لها بملائكيته المعهودة.. و هي تراه يرمقها بهذه الطريقة التي تتدغدغ أنوثتها.. لا تصدق.. ما زالت مشاعرها تجاهه بِكر كما كانت بأول علاقتهما.. لم تتغيّر أبدًا.. مطلقًا ...
-مش عايزة تديني إيدك ؟
رمشت بأهدابها المطلية بطبقةٍ ثقيلة من المسكارا.. بقيت ساكنة لبضع لحظاتٍ.. لكنها نفضت رأسها بغتةً منتشلة نفسها من حالة الركود تلك.. منحته يدها و تركته يسحبها صوبه حتى وقفت على قدميها قبالته ..
و من جديد راح يشملها بنظرات الإعجاب.. زوجته الشابة الجميلة.. لا تزال في ريّعان شبابها.. في أواسط العشرينيات.. يانعة مثل زهرةٍ ربيعية.. و يخاف.. يخاف عليها من كل شيء.. باتت إدمانًا و هوسًا لا علاج له منها ...
-هو احنا فين ؟ .. تمتمت "رحمة" متسائلة و هي تتلفت حولها
كانا يقفان بباحةٍ على شكل هلال.. أمام صرحٍ معماري مهيب.. مضاء بالكامل بواجهات زجاجية برّاقة ..
أمسك "يحيى" بيدها الأخرى و تريّث حتى عاودت النظر إليه.. علّق نظراتها بنظراته و قال بصوته الهادئ الجذّاب :
-انتي واقفة قدام أكبر و أشهر مول تجاري في لندن كلها.. و إللي بقيتي مُساهمة فيه بشكل رسمي من إنهاردة !
نظرت له ببلاهةٍ غير مستوعبة كلمة واحدة من كلماته.. ابتسم "يحيى" حتى بانت نواجذه و قال باسهابٍ أكثر :
-انا كنت مستني لما تتعلمي لغة أهل البلد كويس و تعرفي تتكلمي بلسانهم.. بصراحة لينا بذلت معاكي مجهود في وقت قياسي و لازم أبقى أشكرها إنها ساعدتك لحد ما وصلتي للنتيجة دي ..
أنت تقرأ
وما أدراكِ بالعشق
Romantizm"لا يوجد مكانٌ للكراهية في عينيكِ تجاهي ؛ أنظري إلى وجهي جيدًا، أقرّي بانتمائك إلى سيدك.. أنتِ ملك يميني.. أنتِ طوع إشارةً منّي... هل تريدين إثبات !" _ عثمان البحيري