قبل ثماني و عشرون عامًا ...
أصاب أعصابه انهيارًا قاسٍ، منذ ورده ذلك الاتصال بمكتب شركته من حارس العقار الذي يضع به زوجته الثانية، و الذي كان مفاده أن زوجته الشابة عثرت عليها امرأة الحارس فاقدة الوعي بشقتها بعد أن تلقّت منها استدعاءًا عاجلًا، لم تستجيب "رحمة" للطرق على باب الشقة، مِمّا اضطر الحارس في الأخير لكسر الباب و السماح لزوجته بالدخول، لتجدها على هذه الحالة الخطيرة
لم يعرف الحارس ماذا يصنع سوى أن يهاتف السيد، و بدوره طلب "يحيى" في ارسال طبيب العائلة إلى شقة الزوجية السريّة، بينما يترك كل شيء من يديه و ينطلق من فوره إلى هناك ...
-رحمــة ! .. صاح "يحيى" و هو يلج إلى الشقة عبر الباب ذي القفل المكسور
أخذ يبحث هنا و هناك مثل المجنون، و برزت أمامه زوجة الحارس فجأة هاتفة :
-الست رحمة هنا في أوضتها يا بيه ...
و تنحت جانبًا مبتعدة عن رواق الغرف تمامًا، ليتوجه "يحيى" إلى حيث أشارت الأخيرة لمكان زوجته، اقتحم غرفة النوم و المشاعر المتضاربة تعصف به، اختلج قلبه بنبضةٍ زائدة ما إن رآها تجلس فوق السرير، بآخره، تضم ساقيها إلى صدرها و كتفاها يهتزان بينما تدفن وجهها بين مرفقيها
انتفضت لسماع صوته، و ضربته الصدمة حين رفعت وجهها و شاهد تعبير هزّه في الصميم، ذعر خالص لم يسبق له رؤيته قط، و لاحظ جلدها الشاحب و شعرها المتشابك، كانت في حالة من الفوضى ...
-رحمة ! .. كرر "يحيى" بصوتٍ اهدأ و هو يخطو للداخل نحوها
لكنها تستوقفه مهاجمة بعدائيةٍ :
-خليك مكانك.. اوعى.. اوعى تقرب مني.. ماتقربش مني !!!
تسمّر "يحيى" بمكانه ملتزمًا بأمرها المرتعب، نظر في عينيها الحمراوين المللتين، و قميص نومها القطني المجعّد، يبدو أنها كانت تعاني لساعاتٍ.. و لكن مِمّا ؟
لماذا !؟؟
-طيب إهدي بس ! .. تمتم برفقٍ رافعًا يداه في بادرة مسالمة
و أخذ يقترب صوبها مستطردًا :
-مالك ؟ إيه إللي حصل ؟ أنا آخر مرة ماشي و كنتي كويسة. آه كنتي لسا رافضة تتلكمي معايا. بس ماشوفتكيش في الحالة دي !!
بات قريبًا جدًا منها الآن، فتوترت أكثر و هي تتطلّع إليه كغزالٍ عالقة في شركٍ و هو الوحش الذي سيفترسها، كتمت شهقتها حين أخفض جسده و جلس قبالتهاعلى طرف السرير، لم يحاول أن يلمسها، حافظ على المسافة بينهما و هو يقول بهدوءٍ :
-قوليلي حاسة بإيه ؟ أنا كلمت الدكتور و جاي في الطريق !
اتسعت عيناها بمزيدٍ من الهلع عندما صرّح بذلك، نبتت الدموع من عينيها في هذه اللحظة و هي تقول من بين نحيبها المرير :
أنت تقرأ
وما أدراكِ بالعشق
Storie d'amore"لا يوجد مكانٌ للكراهية في عينيكِ تجاهي ؛ أنظري إلى وجهي جيدًا، أقرّي بانتمائك إلى سيدك.. أنتِ ملك يميني.. أنتِ طوع إشارةً منّي... هل تريدين إثبات !" _ عثمان البحيري