الفصل الخامس عشر ( مشفى المجاذيب )

394 37 6
                                    

بسم الله الرحمن الرحيم

" اللهم بسطوة جبروت قهرك، وبسرعة إغاثة نصرك، وبغيرتك لانتهاك حُرماتك، أنصرنا ووحد صفوف المُسلمين "

لا تنسوا الدُعاء لأهالي فلسطين 🤲

___________________________

كذب من قال أن البشر يفهمون بعضهم، فتلك الكلمات التي نتواصل بها سويًا، ما هي سوى جرامًا صغيرًا مما تكنيه أفئدتنا، ولو استطعنا قراءة ما بجحرونا، ربما تقل الانقسامات بيننا، أو تتزايد...

فقد اتصاله بالواقع ولم يجد أمامه سوى الماضي الذي أضحى غارقًا به، تعود ذكرياته إلى كونه مراهقًا بالرابعة عشر من عُمره يتدثر خلف الستار بقلبٍ مكلومٍ وغصة مريرة تتكوٌن بصدره، يرمق والده بعينينٍ تشتعلان لهبًا عازمًا على الفتك به، لكنه كالعادة، يبقى ضعيفًا مذلولًا، يرى تلك اليد المُدللة الوقحة بالنسبة له وهي تعبث بعُنق والده وتلتصق بجسدها العاهر على صدر ما رسم نفسه والدًا عليه، من يحمل اسمه ببطاقته ويرغب بتغييره دائمًا، فوالده ما هو سوى زيرٌ نساءٍ حقير.

تزداد نظراته اشتعالًا حتى انقبض صدره وبدأت دموع الحسرة تترقرق على عينيه خاصة وهو يُتابع والدته المُنهارة أمام والده وزوجته الراقصة، فكان صوتها مبحوحًا امتزج بدموعها الحارقة وهي تقول :

- بعد كُل إللي عملته معاك يا محمد ... عايز ترميني أنا وابنك في الشارع ؟

كذب والده حديثها بوضاعة :

- وأنا قولت إن حد فيكم يمشي ... أنا بقولك إن تيتي بقت مراتي، وليها حق في البيت ده زي ما ليكي ...

استمر الجدال بينهما وصوت تلك العاهرة يخترق أذنه ويجعل الرغبة بقتلها وقتل والده تتغلغل بداخله أكثر، انتهى جدال والديه بكلمات محمد القاسية التي أخبر بها زوجته أنه سجل جميع ممتلكاته باسم زوجته الجديدة حتى يستطيع تزوجها، ممُتلكاته التي كانت والدته سببًا بها....

تلك الحقائق كانت ثقيلة على والدته المسكينة والتي سقطت مغشيًا عليها بعد أن داهمها قلبها الضعيف بسكتة قلبية لعدم تحملها ما حدث؛ هرول مُعتز نحوها بصدرٍ مكلوم وجوفه يصرخ باسم والدته تارة ودموعه تنهمر تارة أخرى...

بقي شريط الذكريات يُعرض أمام عينيه حتى انتقل إلى بضعة أيامٍ بعد تلك الواقعة، أيامًا كانت سوداء بالنسبة له، فبعد وفاة والدته وهو يقبع بحُجرته مُحتضنًا ركبتيه مُتذكرًا كلماتها الحنونة، ومُتذكرًا أيضًا السبب فيما حدث لها، اشتعلت النيران بعينيه مما جعله يثب عن الفراش بنيرانٍ مُتقدة ورغبة عارمة بالصُراخ، فلم يعد يتحمل الصمت أكثر، خاصة وهو يرى والده يتصرف بطبيعية ويُداعب زوجته الجديدة دون أن يكترث لتلك التي أفقدها حياتها بدمٍ بارد.

أرواح ضائعة " أرواح متنقلة 2 " ( مكتملة )حيث تعيش القصص. اكتشف الآن