الفصل الأول ( عد تنازلي )

784 71 13
                                    

بسم الله الرحمن الرحيم

" استودع الله الذي لا تضيع ودائعه ديني ونفسي وأمانتي وخواتيم عقلي وبيتي وأهلي وأحبتي ومالي وجميع ما أنعم الله به علي "

_____________________________

تثب أمام المرآة المتهالكة عاجزة عن تفسير ما أمامها، فكأنها أمام وهمٍ يختلقه عقلها ويقنعها به، وما الوهم إلا حقائق يقنع بها الانسان نفسه بأنها مُجرد أكاذيب لا صلة لها بالواقع، لكنه يسقط من أعلى ارتفاعٍ ما إن تُداهمه تلك الأوهام وتجعله يفقد صوابه، فلو كان صدقها منذ البداية لما أوصله عقله إلى تلك المرحلة.

اختفت ألوان وجهها وهي تُحدق بذاك الوجه الغريب ويدها تتحرك على خصلات شعرها التي أضحت قصيرة للغاية، تحسست بعدها وجهها وبشرتها الخشنة المائلة للسُمرة وتلك الندبة التي تتكون على رقبتها، بل وهذه الملابس البالية التي تدل على الفقر، فهي الآن داخل جسد رجلٍ غريب، وعلى الأغلب ينحدر مستواه الاجتماعي إلى القاع وربما أسفله.

بقيت ضربات قلبها تتصاعد في خوفٍ وداخلها يسب حظها وانتقالها الدائم إلى أجساد الرجال، فلو كانت روحها تتبدل بالعديد من الأجساد، لمَ لا تتبدل مع الفتيات ؟ ولمَ تتبدل بالأساس رغمًا عنها ؟

كادت على وشك الانهيار حتى اكتشفت أنها تستطيع التحكم بقُدرتها ويُمكنها العودة إلى جسدها مجددًا؛ لهذا السبب أغلقت عينيها وسرقت نفسًا عميقًا تغلغل قفصها الصدري ثم أخرجته لتواصل التركيز على تلك الطاقة وتضغط على عقلها بقوة كي تجعل روحها تستجيب لتعليماتها.

أطلقت الهواء من جوفها مجددًا مع هالة من خيبة الأمل بدأت تجتاحها لعدم مقدرتها على العودة، فعلى الأغلب أن صاحب هذا الجسد هو من بدأ التبديل وهو الذي يجب أن يستعيد جسده مجددًا، تتسآل حقًا إذا كان صاحب هذا الجسد سيستطيع التحكم بتلك الطاقة أم أنه لا يعلم عنها شيئًا، لكنها متيقنة أنها في جميع الأحوال ستعود إلى جسدها مع مرور أربعة وعشرين ساعة، هذا ما يجعلها تتحلٌى ببعض العزيمة لتواصل اليوم بذاك الجسد على أن تعود مجددًا إلى حياتها الطبيعية.

هكذا انتهت قرارتها لتتحرك بعيدًا عن المرحاض وتبدأ السير داخل تلك البناية التي يبدو أنها ليست صالحة للعيش بداخلها، فلا يوجد سوى أثاث بالٍ غير متناسق مترامٍ في الأطراف مع العديد من الأدوات القديمة والعشوائية مما جعلها تجول ببصرها في كل مكانٍ كي تستكشفه وكأنها تكتشف أحد المتاحف.

- جابر ... تعالى كُل معانا عيش وملح

اخترق أذنها هذا الصوت من مجموعة من الرجال المتجمعين في حلقة بأحد الأطراف وأمامهم طاولة خشبية صغيرة ومستديرة وُضع عليها مجموعة من الصحون المعدنية التي احتوت على أكلاتٍ شعبية مُتعارف عليها، فكان أول صحنٍ يحتوي على الباذنجان المقلي والآخر يحتوي على أقراص الطعمية الصغيرة والآخر يحتوي على بطاطا مقلية وآخر صحنٍ يحتوي على الفول، والخُبز موٌزع بينهم على الطاولة فوق إحدى الجرائد.

أرواح ضائعة " أرواح متنقلة 2 " ( مكتملة )حيث تعيش القصص. اكتشف الآن