هي كـانت طفلة

36 2 0
                                    


هي كانت طفلة تتراقص على ألحان المطر ، و تركض بين الأزقة معلنةً حبورها للحياة.
هي كانت طفلة تجذب كل من رأى طلعة أديمها و إنسياب قدها و تمايله .
و أنا كنت ذلك العجوز الذي يراقبها خلسةً كي لا تراه .
هي كانت طفلة تعشق قراءة الكتب و أنا كنت ذلك الرهط الذي يعشق رؤيتها عن كثب و لكن خوفاً من صدودها قررت الإختباء .
هي كانت طفلة تتجول في المروج الخضراء تهوى الورد الأحمر و تعشقه و أنا كنت ذلك المتهور الذي إن رآها تشتم الزهور أجتاحته غيرة كادت أن تبدي سوءته ، وتعلن عن صبابته أمام الملأ .
هي كانت طفلة تراني و تبتسم كما لو أنها تمنحني تعاطفاً و إحساناً لانني طاعن في السن و هي لا تعلم بأن بإبتسامتها الآسرة تلك تسحرني و تقتلني و تدميني ، و أزداد في غرامها تيمناً و هياماً .
هي كانت طفلة ترسم طموحاً و آمالاً و أنا كنت ذلك الرجل الذي أوشك عمره على الفني و على الرغم من كل أولئك الفوارق وددتها و مال الفؤاد لنجواها كل الميل .
هي كانت طفلة لا تكترث لما يجول حولها و أنا كنت أتجرع من كأس الهلاك كل يوم داعياً ربي بألا أموت و أفارق ظلها .
هي كانت طفلة لا تدرك معاني الشوق و الوله و أنا كنت هَرِماً ناضجاً أقتبس و ألتمس من معالم صبيحها وميضاً من أمل .
هي كانت طفلة كل ما قابلتني ألقت على روحي السلام و مضت في سبيلها و أنا كنت ذلك المسن الذي يبقى جالساً على كرسيه صباحاً ومساءاً كل يوم منتظراً مرورها لأعلن عن ابتداء يومي .
هي لم تعد طفلة و كبرت وباتت صبيةً تفتن قلوب كل البشر و أنا أتاني موتي واقفاً لي منتظر على أعتاب القدر .
هي قد أتت لتزورني مرةً أخيرة قبل الرحيل وكان الدمع من جوف عينيها السوداء يسيل و أنا كنت ذلك العجوز الذي يفارق حياته بعد وقت ضئيل .
هي كانت تمسك يداي و كأنما تقول لي لا ترحل و كأنني والدها أو شخص عزيز على خلدها و أنا أبتسم بكل ما أوتيت من قوة فقد نلت مرادي بعدما أنهكني التعب ناطقاً آخر كلماتي لها قائلاً : أنـتِ دائماً كنت الأمل .. الدافع الوحيد لأبقى وأستمر... و بعد ثواني معدودة على حديثنا إرتحلت

خواطر وعبر حيث تعيش القصص. اكتشف الآن