{فـتـاة الـعشرون ربـيـعـاً}
هي كانت فتاة العشرون ربيعاً و أنا أكبرها سناً عشرون ربيعاً ، كانت تلاحقني بنظراتها دوما و أنا ما كنت أتلافى عيناها ، فأنا كنتُ أُسعدُ لرؤية محياها . في بداية الأمر كنتُ أستلطف نظراتها و حركاتها و لكن مع مرور الوقت بدأتُ أعجب بها و أنا أكبرها عشرون ربيعاً ، حتى أمسيتُ أفكر جزيلاً بأفكارٍ جمة منها المليئ في السرور ومنها من يكسوه الشجى و البؤس . و أقولُ في سري ما حالي أنا إن صارحتها بوجدي لها و ما حال فؤادي إن لاقى هيامه بالصدد و النأي و النكران . و ذات يوماً لمحتها تمرُّ جانب مرج أخضر يعجُ بزهور البيلسان و كانت تنظر مبتسمة للورود و كأن تلك الأزهار تتكلم لغة الإنسان ، تحدثهم حبيبة القلب عن سعادة تسكن حنايا جسدها و عن شخص كلما رأته أحست بالإطمئنان ، ما كنتُ أحسبها تتحدث عني فهي إبنة العشرون ربيعاً و أنا أكبرها بعشرون ربيعاً . و مرة أخرى صادفتها تجلس في مقهى بجوار منزلي مع رُفقائها ، تجلس على إحدى كراسي المقهى كأميرة تربعت على عرشها و تمسك فنجان من القهوة بيديها الصغيرتين ضاحكةً مستبشرة و على وهلة رمقتني أراقبها و ظننت بأن الغضب سيجتاحها و تأتيني لتعاتبني غاضبة ، وكم كنت أتحرى قدومها لقربي ، حتى ولو سأجزى منها بالشتائم ولكنها حينما لمعتني إبتسمت كما المعتاد و أدارت وجهها بعكس الباب كي لا أشرد بها أكثر ، فأحزنني فعلها هذا و لكنني لم أستسلم ، كيف لكل هذا أن يحصل وهي إبنة العشرون ربيعاً و أنا أكبرها بعشرون ربيعاً . في إحدى الليالي الهادئة رن جرس منزلي و أنا رجل الأربعون ربيعاً لا طفل يزعجني و لا زوجة تؤنسني ، فتحت باب البيت و إذ بحبيبة قلبي تزورني ، لوهلة أصابني الإنبلاج ، و أضحيت ألوم نفسي على فعلها و شعرتُ أمامها بالإحراج، إبتسمت لي فاتنتي هذه المرة دون مسافة بيننا أو إختلاس و همست في أُذني قائلة أحبك جداً و أراك جنة و نعيم و لا أراك تفوقني عشرون ربيعاً ككل الناس ، أريدك عشقاً أزلي لا يشاركني فيك إنسي و أبغي أن أكون عروسك البتول و لو كنت ابنة العشرون ربيعاً و لكنني أعرف الغرام و أوصاله و أن وصالي بوصلك اتصل ، فلا تردني ولا تصدني خوفاً من الكون ، فنحن أهل الجوى لن نرضخ لمن لا يعرف قيمة الهوى و كثير من الناس يجهلون الوصب في الحب و الصبو و لا يرعون عن بلاهة التفكير في الحب و النجوى، لبرهة كنت سأصدق قولها و للحظة كنت سأقبل صبوها و صفوها و لكن بغتة أتاني أحد المقربين و رأى فتاة العشرين تخاطبني ، فزمجر فيها و قال : ماذا تفعلين هنا يا ابنة العشرون عاماً يا فتاة تبيع الهوى و تضل طريق كل فتى أو رجلاً يأتي أمام عينيها ألرفيقي توصلتي ، لماذا هكذا تفعلين ، ألا تكترثين لأهلك و الأقارب والمحبين ، لماذا لي هكذا تنظرين ، أحقت عليكي التوبة لهذا تصمتين أما أنكِ ما زلت مخادعة ولكنك تجهلي كيف تجيبين ، في هذه الأثناء ذرفت الفتاة دموع عينيها كمياه جفت منذ زمن و عادت إلى مجاريها في حقبة من الزمن ، نظرت لي إبنة العشرون ربيعاً. وأودعت في يداي زهرة حمراء متفتحة بشكل عجيب و رائحة عبقها تفوح ملئ الأرجاء و بجانب هذه الوردة ورقة بيضاء طياتها كثيرة كما لو إن في هذه الورقة سراً لا شعوراً و بعد ذلك غادرت فتاة العشرون ربيعاً مكان اللقا ، و منذ ذلك الحين لم أعد أرى مطلعها و لا في اي الميداين و في يوم من الايام انتابني الفضول لأفتح تلك الورقة الصغيرة لأرى ما الذي رقشته تلك الصغيرة بين سطور الصفحة البيضاء لأجدها قائلة : أنا ابنةُ العشرون ربيعاً قد ضللت طريق الهدى و غويت الكثير و لكن قبل ذلك أنا كنت قد إنغويت ، و هويت شاب في مقتبل الثلاثين و وثقت به كما يثق طفل مسكين في عهد قطعه عليه أحد الحاضرين ، كهدية إن أحسن الفعل والعمل و لكن ذاك الضغين أنكر حبي وجازى قلبي بالهجران و تركني حائرة أحملق في ساعة الوقت متى تتوقف ويجئ أمر رحيلي عن هذه الدنيا لأريح نفسي من ذلك العذاب ، وأنا الحبيبة التي منحت خليل فؤادها مالا عين رأت و لا أذن سمعت أنا الذي أسلمت روح لمن لا يدرك معنى الوله والحنين و من بعد كل ما مررت به قطعت على نفسي ميثاقاً بأن أزعج كل رجل أرعن يمر بدربي انتقاماً لغروري و إن أتصيده كما الفريسة وحينما أوقعه بشباك الهيام أذرهُ كالمعلقة ، إن الكلام الذي نطقت به أثر بي و إستعطفني ، جعلني أُشفق عليها ولكن رغم ذلك أنا كرجل شرقي لا أقبل على نفسي محبتها فهي إبنة العشرون ربيعاً و فتاة هوى رغم صغر سنها أما أنا فأكبرها عشرون ربيعاً و لا اعلم أي محطة في حياتي تنتظرني بعد ما مررت به ، فبعد الذي جرى و بعدما عرفت الذي مالم يكن بالحسبان عن فتاة العشرون ربيعاً أصابني الكمد و غضضت البصر عن الذي كان بيني وبين صاحبة العشرون ربيعاً و اعتبرتها محطة من محطات الحياة و استمرت الحياة في الدوران و استمررت أنا في كتمان حبي لفتاة الهوى حتى جئ بيوم الفنى ....
أنت تقرأ
خواطر وعبر
Poesíaالنصوص تتكلم عن بعض البيوت النثرية الشعرية والعبر الذين أكتبهم على دفتر ملاحظاتي و ارسخهم بعد ذلك في برنامج الواتباد لمشاركة كتاباتي وكلماتي المتناثرة مع جميع الراغبون في قراءة هذه الابيات 🌸