الجزء الثاني 2

784 12 0
                                    

طبعاً قعدنا فتره في قرية أهل أبوي في الرهد ، بعدها مشينا الرهد المدينه ، أبوي كان مخطط يسفرنا برا السودان بسبب إنو الدعم السريع بدا ينتشر في القرى و المدن المجاوره بس انا القرار دا ما كان عاجبني ، قلبي كان بنزف من شدة الوجع و ماف زول حاسي بي ، أيوه كلهم لاحظوا ذبولي ، و تدهور صحتي ، و أكلي البقى قليل بس افتكروا إنو دا بسبب نفسيات الحرب ، هو فعلاً الحرب كانت مؤثره علي و ما قادره استوعب إنو دا كلو حقيقه و حصل ، بس سبب حزني و اكتئابي الأساسي و الحقيقي هو إني ما كنت عارفه حاجه عن ناصر ، يعني من آخر مكالمه كانت بيناتنا لمن انتقلنا من القريه للمدينه ما إتواصلنا تاني ، ما قدرت أصل ليهو و اتطمن عليهو ، حتى إيهاب خالي و ناس حبوبه في الأبيض ما قدرنا نتواصل معاهم بشكل مستمر بسبب الشبكه ، كنت عايشه في جحيم و نار الخوف و القلق على ناصر كانت بتحرق فيني من جوهـ حرق و ما عارفه اسأل عنو منو أو أصل ليهو كيف ، وصلت مرحله كعبه شديد من الإكتئاب لدرجة اني خفت على نفسي ، و كنت بحاول أفرغ الشعور دا عن طريق البكى بس بدون فايده ، روحي كانت محرقاني شديد و كل يوم بسأل نفسي ناصر وين و حالو كيف ، كنت بدعي ليهو على طول و كل مره بمسك التلفون و بتصل بس الشبكه ما بتساعدني 💔
في يوم 6 مايو جا طيران و قصف تمركزات للدعم السريع ، كان في قصف في الرهد و أم روابه من ساعات الصباح الأولى ، داك كان يوم من أصعب الأيام المرت علينا ، و يوم 31 مايو عرفنا إنو الدعم السريع حرقوا قرية أم حميره و القريه دي قريبه شديد من قرية أهل أبوي الكنا قاعدين فيها ، طبعاً رشا خافت خوف شديد و قالت خلااااص معناها الدعامه حـ يجونا هنا كمان ، أمي و زيدان تعبوا شديد عشان يهدوها ، هي بتخاف شديد من حاجه إسمها دعامه ، تاني يوم طوالي حبوبتي أم أبوي و بنات أعمامي و عماتي و نسوانهم جونا مع واحد قريبنا ، اعمامي رسلوهم هنا و هم قعدوا في القريه يحرسوا بيوتهم ، طبعاً دخلت فينا حالة خوف و هلع كدا ما عاديه و حسينا اننا محاصرين من كل الإتجاهات ، يعني إحساس إنو المكان النزحت ليهو على أساس إنو مكان أمان فجأه كدا يبقى غير آمن ، كل واحد حس إنو راسو إنقطع ، و كل واحد جاهو إحساس إنو خلاص دي نهاية السودان ، و إنو الحرب حـ تعم ، بس بعد تلات أيام أعمامي جوا و ساقوا نسوانهم و بناتهم و رجعوا لـ بيوتهم ، و دا بعد ما إتحالفوا مع القرى و القبائل القريبه منهم و اتفقوا كلهم انو يتسلحوا و يحموا بيوتهم و مناطقهم من الدعم السريع ، أبوي قال لينا طوالي بعد بكرا نمشي بورتسودان و منها نسافر خارج السودان ، المره دي كان جادي شديد و قال لينا جهزوا نفسكم ، طبعاً ما قدرت أمسك نفسي من الإعتراض و ما قدرت أمنع دموعي ، قلت ليهو أبوي أنا ما ماشه أي مكان ، عايزا أرجع الخرطوم ، زيدان قال لي شوفي كلنا ما عاجبنا الوضع دا و كل الناس إنجبرت تخلي بيوتها و تمشي الولايات أو تسافر برا السودان ، أبوي قال لي الحرب دي ما معروف تقيف متين يا بتي و أنا معظم شغلي كان في الخرطوم و هسي مجبور أشوف مكان تاني أدير منو الشغل ، قلت ليهو بصوت مبحوح ما عايزا أسافر يا أبوي و بعد الجمله دي دموعي بدت تتساقط ، و ما أفلحت في إسكات نفسي ، زيدان قال لي مالك انتِ ممكن نفهم !! أمي جات ضمتني عليها و قالت لي ان شاء الله اول ما الحرب دي تقيف حـ نجي راجعين ، بس هسي مجبورين نسافر ، والله انا ما بقدر اتحمل الضغط دا كلو ولا بقدر على حرب الأعصاب دي ، والله لو سمعت صوت الباب دا ساي بقول ديل دعامه جوا داخلين علينا ، و بليل ما بنوم زي الناس ، الزمن كلو اتقلب و اتخلع لو سمعت صوت حركه ، والله خوفي كلو عليك انتِ و أختك ، رشا قالت لي أحسن نسافر يا مها ، والله انا خايفه شديد ، ما سامعه بعمايل الدعامه ، السودان بقى ما أمان ، انتفضت و قلت ليهم بزهج : ما عايزا أسافر يعني ما عايزا أسافر !! ...
أبوي إنزعج بسبب أسلوبي ، قال لأمي جهزوا شنطكم بكرا حـ نتحرك على بورتسودان ... قال كدا و مشى طوالي و زيدان وراهو و أنا دخلت في دوامة بكى ، قعدت على الأرض و بكيت كأنو مات لي زول ، أمي قالت لي يا بتي دا شنو الجن القام عليك فجأه دا ! قايله الموضوع صعب عليك براك ؟؟ قايله ساهل إنو الزول يطلع و يخلي بيتو و بلدو ؟!
كل الناس دي طلعت من بيوتها مجبوره و خلت وراها عمارات و عربات و قروش ، خلوهم و طلعوا لأنو الأمان زيو ماف ، فايدة قعادك في بيتك شنو إذا أنت ما حاسي فيهو بالأمان ، فايدة القعاد شنو إذا أنت لو جوا داخلين عليك الدعامه و أسرتك معاك ما حـ تقدر تحمي عرضك و تقيف في وش العواليق ديل ! حـ ينتهكوا أعراضك قدامك و يذلوك و يهينوك ، فايدة حراستك للبيت شنو إذا بصاروخ واحد انت و البيت حـ تتفرتكوا ! الأثاثات و العربات و حتى البيوت بتتعوض بس الروح ما بتتعوض يا بتي و الأمان ما بشترى بقروش ، الناس طالعه تفتش ليها حياة ، طالعه تلقى ليها لقمة أكل تقدر تعيل بيها نفسها و أسرها ، دي حرب ما لعب عشان الواحد يقوي راس و يقعد يحرس الدعامه و المصايب البتجي معاهم ، الله ما أمر بالهلاك !... بقيت أبكي ليها بس ، قالت لي مالك في شنو رافضه فكرة السفر دي كدا ؟!
قلت ليها ماف زول حاسي بالنار الجواي ، ماف زول فيكم ملاحظ إنو ماف أي أخبار عن ناصر ، أنا يا ماما ما بقدر أسافر و هو ما معروف قاعد وين و الحاصل عليهو شنو ... قلت كلامي دا بصوت عالي و رجعت أبكي تاني ، طبعاً على حس صوتي و بكاي أبوي و زيدان جوا راجعين و سمعوا الكلام القلتو ! ياداب هم كدا فهموا أنا مالي ! يعني كأنو ناصر دا كانو شايلنوا من حساباتهم ! ايوه كنا على وشك الطلاق بس دا برضو ما بمنعني أخاف و أقلق عليهو ، دا كلو ما خلاني أبطل أحبو و أمشي أخليهو وراي بكل بساطه ، ناصر دا حتى لو كان طلقني ما كنت حـ أقدر أنزعو من جواي و أديهو ضهري و أمشي... المره دي ما خجلت أبكي قدامهم و قلتها ليهم عديل إنو طول ما ناصر دا قاعد هناك مستحيل أسافر و أخليهو ، قلت الجمله دي و ما كان هاميني أهلي حـ يقولوا عني شنو ، لو عايزين يقولوا علي هبله خليهم يقولوا و لو عايزين يقولوا ما عندها رأيي و شخصيه خليهم يقولوا و لو عايزين يقولوا جاريه ورا واحد خطب بالدس و كان مفكر يعرس فيها برضو خليهم يقولوا ، ما كان هاميني شي غير أرجع الخرطوم و أشوف ناصر ، ما عايزا شي غير أكون معاهو ، طبعاً بعد عزيت كوووويس و أمي و رشا دخلوني جوه و سكتوني رشا قالت لي بالله البكى دا كلو عشان ناصر ؟ اتاريك داخله في حالة إكتئاب بسببو و نحنا قايلنها نفسيات الحرب ، يحليلك كنتي كاتمه جواك 😂
بعدها أبوي جا و قال إنو حـ يحاول يتصل على ناسو اللسه قاعدين في الخرطوم و إذا في طريقه يمشوا أركويت و يتأكدوا إذا ناصر موجود في بيتو ولا لا ، زيدان قال لي اول ما نتأكد إنو كويس حـ نسافر بورتسودان على طول ، طبعاً هنا قلبي وجعني ! تاني يوم زيدان شال تلفونو و طلع قال حـ يمشي يلف و يشوف مكان يلقط فيهو شبكه ، طلع و ما جا إلا قريب للمغرب ، أبوي كان موصيهو يتصل على ناس معينين موجودين هناك إذا لقط شبكه ، المهم لمن رجع قال كل الأرقام ما خشت معاهو حتى رقم ناصر ، إلا رقمين قدر يتواصل مع أصحابهم ، فـ المهم كلمهم و طلب منهم يصلوا لـ ناصر ، طبعاً أنا بقيت عايشه على أعصابي و منتظره متين زيدان أو أبوي يجوا و يقولوا حاجه عن ناصر ، انتظرنا اليوم الأول و التاني و التالت بس ماف خبر ! زيدان كان بشيل تلفونو و بمشي مسافات بعيده عشان الشبكه ، في اليوم الرابع زيدان جا داخل و هو وشو مضلم ، كنا قاعدين في المظله و بابها فاتح على باب الشارع ، أنا من شفت زيدان جا داخل قلبي قبضني و حسيت إنو في شي ، لمن وصلنا و دخل المظله أنا وقفت على حيلي و قلبي مرتعش من شدة الخوف ! أبوي قال ليهو خير يا زيدان في شنو !؟
عاين لي و نزل راسو ، أمي قالت اللهم اجعلو خير ! في شنو يا ولد وشك دا مضلم كدا ! أخد نفس و قال :
مبارك عمل زي ما طلبت منو و مشى لحد أركويت .... هنا سكت و عاين لي ، طبعاً أنا الوقت داك جسمي كلو كان برجف حتى قبل ما يتم كلامو !... المره دي واصل كلامو و هو بعاين لي : مبارم مشى و شاف بيتك و قال إنو في بيت جنبكم اتقصف ، و ماتوا 6 أنفار ، منهم واحد ولد جيرانكم المقاصدنكم و .... و ناصر منهم ! أبوي قال ليهو لا حول ولا قوة إلا بالله !! دا كلام شنو ! أمي ختت يدها على صدرها و قالت ما بصدق والله و رشا دموعها نزلت طوالي ، أما أنا فـ مع نهاية جملتو دي هبطت و قعدت على الأرض و مخي حسيتو بقى زي الخلاط ! انفاسي اتسرعت و دقات قلبي زادت ، بقيت أصرخ و أقول ليهم لاااا لاااا ناصر ما مات ، ما مات متأكدة أنا ، دا كلو كذب ، والله كذب ناصر ما مات 💔 أمي قعدت معاي على الأرض و ضمتني و بقت تبكي و هي شغاله لي ربنا يرحمو أدعي ليهو بس يا بتي ... انتفضت و زحيت منها و قلت ليها ناصر ما ماااات يعني ما مات ، قالت لي حاره والله عارفاها حاره لكن دي إرادة ربنا ... قمت منهم و مشيت دخلت جوه و قفلت الباب علي و هم برا بضربوا لي في الباب عشان أفتح ، زيدان قال لي افتحي الباب عايزا اتكلم معاك ، بقيت أبكي بصوت عالي و أنا بردد ناصر ما مات ، بقوا يضربوا في الباب كدا لحد ما أبوي قال ليهم خلوها براها شويه....
صح إني قعدت أبكي و حسيت قلبي دا إنقسم نصين بس كان جواي إحساس قوي بقول إنو ناصر ما مات ، من الناحيه التانيه كنت سامعه أبوي قال لـ زيدان الكلام دا حصل متين !! زيدان قال ليهو أول أمبارح و قالوا دفنوهم في الحي نفسو لأنو ما قدروا يطلعوا بالجثامين عشان يدفنوها في المقابر ، قال ليهو إنا لله و إنا إليه راجعون ! لا حول ولا قوة إلا بالله ! ربنا يتغمدو بواسع رحمتو ! خبر صادم والله .. قدرت تتواصل مع عمك مدثر ؟؟ زيدان قال ليهو لسه ما اتصلت عليهم و ما اظن يكونوا عارفين ، قال ليهو فعلاً ما اظن يكون الخبر وصلهم و إلا كان حـ يصلنا قبليهم و مع إنو خبر الموت كان طلع ما بكون كذب لكن برضو اتأكد تاني يا زيدان من صحة الخبر دا عشان ما تخلع أهل الولد ساي ....
لغاية الساعه 8 أنا كنت قافله باب الغرفه علي و أمي و رشا برا بكوا قدرتهم و بعدها سكتوا و بقوا كل مره يجوا يدقوا لي الباب و يحاولوا يتكلموا معاي ، بس خالص ما فتحت لـ زول و ما دخلت شي في خشمي لا أكل لا شراب ، بعد قعدت مع نفسي ساعات طويله فتحت الباب و طلعت ليهم و أنا حالتي بطاله شديد ، لقيتهم متمحنين و كل واحد بعاين في إتجاهـ ، من دون مقدمات قلت ليهم بكرا أنا عايزا أرجع الخرطوم ... كلهم إتلفتوا علي ، أبوي وقف على حيلو و جاني و ساقني و قعدني و قعد و قال لي عايزا ترجعي عشان شنو ؟؟ سألنا تاني و اتأكدنا إنو ناصر دا فعلاً إتوفى ... دموعي جات نازله قلت ليهو ما اتوفى يااااخ ما تقول كدا يا أبوي ، ضماني عليهو و قال لي أهلو ذاتهم ما كانوا عارفين ، الخبر دا انتشر اليوم ، زحيت منو و وقفت على حيلي و بقيت أصرخ زي المجنونه و اقول ليهم ناصر مااا مات ما ماااات أفهمو يا عالم ، بقيت أبكي بأعلى حس عندي لحد ما كل الجيران جوا جاارين و لمن عرفوا قلبوهو بيت بكى ، قدر ما حاولوا يقنعوني إنو ناصر مات أبيت أقتنع ليهم ، أصريت أرجع الخرطوم و قلت لأبوي لو ما مشيت بنفسي و شفت قبرو و اتأكدت إنو بالجد مات ما حـ اصدق زول فيكم يا أبوي ، يا أرجع الخرطوم يا أموت هنا و ما حـ اسافر معاكم ، اتجننت فيهم و حلفت إلا أرجع الخرطوم و قلت ليهم لو انتوا ما عايزين ترجعوا ماف مشكله برجع براي ، زيدان قال لي لو جنيتي قولي لينا ! كيف يعني نخليك ترجعي براك ! قلت ليهم خلاص انا و زيدان نرجع الخرطوم و انتوا أمشوا بورتسودان و ممكن تسافروا و تسبقونا ، طبعاً أبوي كان ساكت سااااي و ما قال أي كلمه بس بعد يومين من الكلام دا قال لي جهزي نفسك بكرا أنا و انتي حـ نمشي الخرطوم و زيدان و أمك و رشا حـ يسافروا بورتسودان طوالي ، أمي قالت ليهو برري والله ما بسافر أخليكم ، رجلي برجلكم ، زيدان قال ليهو خليني أمشي معاها أنا يا أبوي ، أبوي قال ليهو لا بمشي أنا ... المهم قعدوا يتجادلوا كدا لحد ما في الآخر رسوا على بر و قرروا إنو نرجع كلنا سوا ، عشان ماف واحد بقدر يسافر و يخلي الباقين ، قالوا يا نمشي سوا يا نقعد سوا ... لمن لقيتهم جادين و مستعدين يرجعوا الخرطوم عشاني ، حسيت بالذنب و جاني إحساس إنو لو حصل أي شي لأي واحد من أهلي أنا الحـ أكون السبب ، المهم أهلي خاطروا و قرروا يرجعوا الخرطوم معاي ، تاني يوم طوالي إتحركنا و وصلنا كوستي و نمنا هناك ، طبعاً كنا مفكرين نمشي بطريق بارا عشان ندخل أمدرمان طوالي بس الطريق ما كان آمن و قالوا فيهو دعامه ، عشان كدا اخترنا نرجع بشارع الجبل رغم إنو حيكون لينا طويل لحد أمدرمان ، طبعاً معظم الشوارع كانت إرتكازات دعامه بس من النيل الأبيض و لحد الجبل كان في جيش فقط ، لمن عبرنا بوابة الجبل حسينا إنو الحرب دي خلاص على وشك الإنتهاء ، لأنو الأسواق كانت شغاله و الناس ماشه و جايه ، للحظات الأمل سكن جوانا ، نزلنا في سوق الجبل و من هناك ركبنا مواصلات الكلاكله اللفه الواقعه شمال الجبل ، و نحنا راكبين المواصلات كنا كل ما نمر بمنطقه يزداد الأمل جوانا ، رغم وجود دعامه إلا إنو شوفة الناس في الشوارع و الشباب بلعبوا كوره في الميدان طمنتنا ، أبوي قال ما شاء الله الحرب دي شكلها وقفت خلاص ولا المناطق دي الحرب ما وصلتها !؟ واحد من الركاب قال ليهو والله الحرب دي لسه مدوره و كل يوم في اشتباك و الطيران حايم فوق الناس لكن مع ذلك قاعدين ، واحد تاني قال ليهو هنا الضرب ما طوالي و لو حصل بحصل في الجبل أو المدرعات ، و المناطق الواقعه في نصهم دي الطيران صح بجي ماري بيها بس ما بضرب هنا لأنو ماف دعامه ، و نحنا بنتكلم كدا جينا مارين بمعسكر ، واحد قال لأبوي دا معسكر قوات أبو طيره كل يوم بحصل اشتباكات بينهم و بين تاتشرات الدعم السريع لمن يحاولوا يمروا من هنا عشان يمشوا بشارع الهواء أو شارع اللفه ، طبعاً مرورنا بمناطق الكلاكله بث روح الأمل و التفاؤل جوانا ، و أنا بشوف في شباب الأحياء بلعبوا كوره في الميادين جاني إحساس إنو لمن نصل بيتنا حـ نلقى كل الجيران جوا راجعين و حياتنا حـ ترجع طبيعيه ، المهم المواصلات نزلتنا في الكلاكله اللفه و ما شاء الله السوق كان عامر و الناس ماشه و جايه ، عشان الزمن اتأخر قررنا نبيت في الكلاكله و الصباح نواصل طريقنا لحد أمدرمان ، لقينا بتاع بوكسي من ناس المنطقه كان ماشي لـ قدام شويه فـ ركبنا معاهو لحد القلعه ، نزلنا هناك و مشينا بيت حبوبه ، طبعاً متذكره و عارفه وين خالي إيهاب خت المفاتيح آخر مره ، حفرنا أكتر من حفره لحد ما لقينا المفاتيح ، شلناهم و فتحنا البيت ، طبعاً جيران ناس حبوبه المشوا جوا راجعين و نحنا أول ما دخلنا بيتها ناس الحي جوا سلموا علينا و إستقبلونا و ضيفونا ، كانوا مفتكرين إنو دي حبوبه و خالتي سارا جوا راجعين بس لقونا ديل نحنا ، طبعاً لقينا بيت حبوبه زي ما هو ما فيهو حاجه ناقصه ، نمنا هناك و تاني يوم طوالي قفلنا البيت و إتحركنا على أمدرمان لحد ما وصلنا البيت ، طبعاً الحي كان فاااضي و معظم الناس المشت ما جات راجعه تاني ، يعني حصل عكس الكنا متوقعنوا ، جيرانا الفاتحين علينا و الجنبنا كانوا موجودين و باقي البيوت فاضيه بس الشارع الورانا و الشارع البعدو ناسو قاعدين و دا الثبتنا و خلانا نتوقع إنو شويه شويه الناس حـ تجي راجعه و دا الخلى أبوي يأجل فكرة السفر دي شويه ، بعد 4 أيام من جيتنا اكتشفنا إنو ناصر حي و طبعاً دا بعد ما أهلو اتواصلوا مع أصحابو ، تلفون من هنا و تلفون من هناك لحد ما اتأكدوا إنو حي و إنو خبر موتو كان مجرد سوء فهم و وصلوا الخبر دا لـ أبوي ، الحصل إنو ناصر و كم نفر كدا من شباب الحي كانوا بقعدوا في بيت واحد من شباب الحي و كل واحد بدفع العندو أو بجيب حاجه متوفره في بيتو  بفطروا بيها و بتغدوا هناك ، في اليوم داك كان في ضرب شديد بس مع ذلك ناصر طلع من الشباب و مشى يشوف ليهو طريقه يصل بيها بحري و فعلاً لقاها و مشى طوالي بحري ، ما عارفه الخلاهو يطلع في الزمن داك تحديداً و يمشي بحري شنو ، بس الحمدلله إنو طلع ، بعد طلوعو بربع ساعه أو أكتر جا طيران و ضرب البيت الكان قاعد فيهو مع الشباب ، فـ الناس ظنت إنو ناصر مات معاهم ،  في الآخر قالوا إنو الشباب ديل كانوا دعامه ، طبعاً بعد اتطمنت و عرفت إنو ناصر حي و ما كان موجود في البيت الإتقصف بديت أسأل نفسي لمن اتذكرت انهم قالوا واحد من الناس الماتوا ديل ولد جيرانا المقاصدننا ! منو المات في أولاد خالتو ماجده ! معقوله يكون منذر !! بس منذر جياشي ما دعامي !  طبعاً ناس خالتو ماجده ديل الفاتحين علينا و نفسهم الكان دخلوني بيتهم لمن زعلت من ناصر و قررت أمشي بيت أهلي في نص الليل ، رغم اني ارتحت راحه ما عاديه و فرحت لمن عرفت إنو ناصر حي ، بس برضو حزنت على موت ولد خالتو  ماجده ، ما عارفه المات أي واحد فيهم و ما متأكده إذا هو دعامي زي ما قالوا ولا في سوء تفاهم بس على كلٍ زعلت عليها ....
حالياً من جينا راجعين لينا أسبوعين .... المهم في اليوم البعدو كالعاده قاعدين زهجانين و الدنيا مسخنه ، فجأه كدا جات خالتو مسره مرت عمو عبد العزيز جارنا و معاها بناتها الإتنين ، جوا داخلين براااحه براحه و قفلوا الباب بهدوء ، طبعاً الشارع فاضي و الصمت فارض نفسو في الحي ، ماف زول بقطع يمين أو شمال ، جوا قعدوا معانا و شربنا الجبنه سوا و اتونسنا مسافه و فرقنا على بعض و حاولنا نتناسى الحرب ، بعدها بيومين كنت مقرره أقول لـ أبوي إني عايزا أمشي أركويت و أشوف بيتي بس خجلت والله ! يعني أنا و ناصر كنا على وشك الطلاق فكيف اقول لأبوي ماشه أشوف بيتي !!
فكرت كدا بعدها قلت ليهو أبوي مفروض بكرا أطلع و أصور ، قال لي هنا ولا وين !؟ قلت ليهو لا لا حـ نضطر نبعد شويه عشان نشوف باقي المناطق ، قال لي وين تحديداً ؟؟
بتردد قلت ليهو مثلاً حـ نمشي على الثورات و كل ما الأوضاع تهدأ نمشي أبعد شويه عشان التغطيه تكون شامله ، لمن قعد يعاين لي قلت ليهو خلاص ممكن نصور هنا و طوالي إتحركت من جنبو ، وقفت لمن قال لي تعاليني من الآخر و قولي لي ماشه أركويت ! إتلفت عليهو و أنا محرجه ! 😅
قال لي لمن الأوضاع دي تهدى شويه ، قلت ليهو يعني انت ما عندك مانع ؟؟ بتسمح لي أمشي ؟؟
قال لي عارفك عنيده و راسك ناشف و بتعملي الفي بالك ، لو حاولت أمنعك متأكد يوم من الأيام حـ تغفليني و تخاطري و تمشي أركويت براك ، قلت ليهو لا لا مستحييل يا بابا ! قال لي بتي و بعرفك ! أنا ما عايزك تعملي شي من وراي ، عايزك تكوني صريحه معاي و تجيني عديل و تحكي لي ... شربكت أصابعي و قلت ليهو والله خجلت أقول ليك ، ما عرفت حتقول عني شنو ، خاصة إنو أنا و ناصر كنا على وشك الطلاق !!
ضحك و قال لي بعد البكى البكيتيهو داك كلو ما بقدر اقول ليك شي تاني !!
طبعاً كلامو دا خجلني و في نفس الوقت حسسني بالإمتنان لأنو اتفهمني و حسسني براحه كبيره جداً ، مشيت بستو على راسو و قلت ليهو ربنا يحفظك لينا يا بابا ، قال لي بكرا لو في مشي بمشي معاك أنا ، قلت ليهو طيب...
المهم في اليوم التالي ما لقينا طريقه الوضع ما سمح و الشارع كان كعب شديد ، طلعنا اليوم البعدو و إتحركنا على أركويت ، أبوي هو المشى معاي رغم إعتراض زيدان و اصرارو إنو يمشي هو بس ما خليناهو لأنو من جينا من البلد و هو عيان ، طبعاً معظم البيوت مفتوحه و أثاثها مرمي برا البيت ! محلات منهوبه و مباني مكسره و شوارع وسخانه و حالها كان بالبلى ، البشوفها و هي خاليه بقول مهجوره ليها مية سنه ، سبحان الله الشوارع الكانت زحمه بقت خلا ! و الناس و العربات الكانت ماشه و جايه إختفت ! و الشجر ذاتو بقى باهت و ناشف ، تعاين في الظلط ما بتشوف زول بالغلط ! حتى الحيوانات ذاتا إختفت !
طبعاً الطريق ما كان ساهل ، مشاعر الخوف و القلق و الحزن كلها كانت ساكنه جوه قلوبنا ، يعني و العربيه متحركه بينا الواحد في نفسو بدأ يتخيل إنو فجأه كدا يظهروا لينا تاتشرات دعامه ، أو يضربوا العربيه رصاص أو دانه ، أو يجي طيران و يقصف العربيه الراكبين فيها ، كانوا معانا زي 5 أنفار في العربيه ، على بال ما نصل عشنا لحظات عصيبه و كل واحد خاتي يدو على قلبو و هو بدعي إنو ربنا يحفظو و يستر علينا ، المهم في الآخر وصلنا و بعدها لقينا بتاع كارو دخلنا معاهو لـ جوه لأنو ماف مواصلات ، بقيت أعاين في البيوت الخاليه و الشوارع الوسخانه ، كان في هدوء حذر و مخيف ، مشينا كدا لحد ما جينا مارين بالبيت الإتقصف ! شوفتو ساي خلتني أخاف و أحمد الله إنو ناصر طلع منها ! البيت كان عباره عن ركام طوب !
أبوي قال لي دي سلامه والله و الحمدلله إنو ناصر طلع قبل ما البيت ينضرب لكن هو المقعدو مع ناس مشبوهه أو دعامه عديل شنو !! قلت ليهو ما عارفه والله ، بس يمكن هو ما عارف انهم دعامه أو فيهم زول دعامي !!
لمن وصلت باب بيتي إتلفت و عاينت لـ بيت ناس خالتو ماجده ، بابهم كان فاتح بس ماف حركه ! خفت يكون سكنوا فيهو دعامه !
أبوي قال لي اها حـ ندخل البيت كيف ! قبل ما أرد عليهو سمعنا صوت صريخ جاي من بيت ناس خالتو ماجده !! قلبي إنقبض وقتها! مسكت ذراع أبوي و بقيت أعاين ليهو بنظره مليانه خوف !

"لم يُبكينا الألم ... أبكتنا الغصة التي حملناها في صدورنا ، أبكتنا تلعثُم ألسِنتنا بحثاً عن منفذ للكلمات ، لم يبكينا الألم ، أبكتنا الوحدة وشفقة جدران غرفتنا علينا ، أبكانا الهدوء الذي وصلنا إليه بشَق الأنفس ، أبكانا حالنا الذي نحنُ عليه وشعورنا بالعجز اتجاه كل شيء..لم يُبكينا الألم ، أبكتنا تلك التنهيدة التي تخنقنا ، أبكتنا السعادة التي لم نجد إليها سبيلاً "💔

يتبع....

زهرة فؤاديحيث تعيش القصص. اكتشف الآن