الجزء الثاني 15

742 13 1
                                    

في لحظات لقيت كل المواقف و الذكريات بتهاجمني من كل الإتجاهات ، ما كنت مصدقه ، ما كنت قادره استوعب ، كيف زول عشت معاهو عُشرة عمر و لمن غبت منو فتره يجوا و يقولوا ليك مات !... العقل البشري بخلياهو الكتيره و قدرتو الفائقه على الإستعاب و التحليل و التركيز ما بقدر يستوعب خبر موت ، بقيف عاجز عن تحليل الموت ، و تفسير كلمة وفاة  !
أحياناً كتيره الواحد حتى لو شاف جنازة أحبابو طالعه قدامو ما بقدر يصدق فكيف تصدق خبر وفاة زول بعيد منك جوا و قالوا ليك مات ! كيف تقدر تصدق إنو هو فعلاً إتوفى و ما بقى ليهو وجود في الدنيا دي و انت ما شفت جنازتو ! ما حضنتو و شميت ريحتو ، ما ودعتو قبل ما يندفن !
كيف بس في لحظات ممكن يختفي إنسان كامل إلى الأبد و يخلف وراهو ذكريات و آلام و دموع !

قعدت على الأرض و ختيت راسي على رجلين أمي القاعده على الكرسي و بقيت أبكي فيها و اقول ليها ماتت كيف يا أمي ، واي ما قادره اصدق ، رتاج مالا يا أمي ، مالا رتاج ماتت كيف ، ضمتني عليها و قالت لي والله واجعانا كلنا ، رتاج بتي والله و ماف فرق بينك و بينها ، يا حليلها خبرها شين والله ، ربنا يرحمها و يوسع مرقدها و يربط على قلوب أمها و أخواتها ، لا حول ولا قوة إلا بالله ... أبوي قال لينا كتروا ليها من الدعوات ، ربنا يرحمها و يثبت قلب أمها ... طبعاً هم بقوا يتكلموا معاي و أنا أزيد في البكى ، رشا قالت لي اتصلنا عليك كتير لمن شفنا الخبر منتشر في الفيس بس ما كنتِ تردي فـ قلنا يمكن عرفتي بخبرها ، قالوا إتوفت قبل ساعه كدا ، وقعت دانه في بيتهم ، هي اتوفت طوالي و واحده من أخواتها إتصابت 💔
بعد مسافه قمت منهم و مشيت دخلت جوه و قفلت الباب علي ، طلعت تلفوني من الشنطه و فتحت الفيس و أول بوست لاقاني لـ واحد بعزي فيها في صفحتها ، دخلت حسابها فـ لقيت كل الناس منزله فيهو بوستات و بدعي ليها ، فيهم الما مصدق و فيهم المخلوع و فيهم اللسه بسأل و عايز يتأكد من صحة الخبر ، خبر وفاتها ملى الفيس كلو ، كل البوستات بقت تتكلم عنها ... "أنا لله و إنا إليه راجعون ،قبل ساعه من الآن رحلت عن دنيانا الفانيه الإعلامية رتاج علي نتيجة لسقوط دانه بمنزلها في شرق النيل نسأل الله لها الرحمه والمغفره  "
بقيت أقرا البوستات و أنا خاته يدي على خشمي ! ايوه شايفه بعيوني و عارفه انها خلاص ماتت بس برضو ما قادره أتقبل الخبر ! ما قادره استوعب إنو خلاص بقى ماف حاجه اسمها رتاج في حياتي ! رتاج صحبتي و حبيبتي ماتت ! ابكيها كيف أنا ! ... كيف اتصل على أمها و أخواتها و أعزيهم فيها و اقبل تعازي الناس لي فيها ! أنا يا رتاج والله قلبي مات من شدة الوجع و جا خبرك تم المقصر ! موتك فتح جرحي الما شفى بسبب وفاة حبوبه ! أنا يا رتاج لا شفتك قبل ما تموتي لا حضرت جنازتك ، اصدق كيف ! مشيتي قبل ما أشوفك و أبل شوقي ليك ، مشيتي قبل ما اتكلم معاك و اسمع صوتك ! والله ، والله الواحد لو بحس أو بعرف إنو فلان حـ يموت كان لو يطير طير حـ يمشي ليهو و يضمو و يبكي فيهو و يحاول يشبع من صوتو ، مشكلتنا ضامنين الحياة لدرجة إنو الواحد لو اتصل أو رسل لزول و ما رد عليهو بسبب الشبكه أو غيرها ما برسل ليهو تاني ! ما بسأل عنو تاني و في الآخر يجي و يتفاجأ بخبر موتو و يعرف قدر شنو هو كان بعيد من الشخص دا ! لو بس الواحد بكون خاتي الموت في حساباتو ما حـ يوقف سؤال عن أهلو و أصحابو و أحبابو و معارفو !
بقيت قافله نفسي في غرفتي و عايشه وسط ذكرياتي مع رتاج ، رتاج الما حصل احتجتها و ما لقيتها ، الما حصل رفضت لي طلب ، رتاج الدائماً واقفه معاي و سانداني ، البشاورها في الكبيره و الصغيره و بسمع نصايحها ، البجيها زعلانه و بمشي منها فرحانه ، البجيها مهمومه و بمشي منها و أنا حاسه نفسي ريشه من شدة الخفه ، رتاج صحبتي المقربه و العزيزه البيها اتجاوزت حاجات كتيره ، رتاج اختي التانيه الما ولدتها أمي ، اختي و صحبتي البحبها شديد ، خبرها ولع نار جوه قلبي ما قادره أطفيها ، اتمنيت لو كان عندي أجنحه اطير و اهاجر بيها للسودان و أشوفها ... اشوفها حتى لو كانت جنازه ، حتى لو كانت جوه قبرها ، حتى لو أشيل التراب الهي مدفونه تحتو و أشم ريحتو ، حتى لو بس حـ اقرا اسمها المكتوب على لوح قبرها ، حتى لو بس حـ أجي ماره بالمقابر الإندفنت فيها ، المهم أشوف حاجه وحده بس تخليني اتيقن انها ماتت ، حاجه واحده بس تزيل الشك الجواي و تطلعني من الوهم الدخلت فيهو ، حاجه واحده بس تخليني أقول خلاص رتاج دي اتوفت ولازم اتقبل الواقع مهما كانت مرارتو!.... كانت دائماً بسمع كتير من الناس بقولوا انهم من شدة الوجع ما قادرين يبكوا فـ ما كنت فاهمه كيف يعني انسان يكون متوجع و ما يبكي ! كان بالنسبه لي عدم التصديق هو الحاجه الوحيده الما بتخلي الواحد يبكي ، بس بما انك اتوجعت معناها صدقت و بما انك صدقت معناها حـ تبكي بس لأول مره اكتشف إني غلطانه و إنو عادي الواحد يصدق و يقتنع و يتوجع بس مع ذلك ما يبكي !... بكيت اليوم الأول بس و تاني يوم ما نزلت دمعه مني و تالت يوم حسيت قلبي بقى رماد و في اليوم التامن حسيت نفسي فارقت الحياة و أنا عايشه ! كل الحاجات السيئه المرت علي ، كل الناس الفارقتهم ، كل الناس الماتوا و رحلوا عن الدنيا بكيتهم في رتاج ! جرح فتح ألف جرح و وجع ضاعف الأوجاع و نبش الآلام و الآهات الكانت مدفونه ، موت الأصحاب وجع من نوع آخر 💔
في اليوم التاسع أمي جات داخله و معاها خالتو فريده ، قالوا لي إلا تطلعي و تقعدي معانا برا كفاك بكى ، قلت ليهم عايزا أقعد هنا ، خالتو فريده والله كلنا حنموت ، كلنا جنازات مؤجله لو جا يومنا لا حـ يتقدم لا حـ يتأخر ساعه ، كلنا عندنا دور و عمر معين في الحياة دي ، لمن يخلص بتنتهي معاهو حياتنا ، الموت حقيقة مُره بس لا بد منو ، والله مهما أبيناهو مهما خفنا منو جاينا جاينا و أنا بقول ليك الكلام دا بعد ما قلبي إنكوى بسبب ولدي ، بعد ما قلبي دا اتفحم و إترمد عديل ، بتشوفيني بتكلم معاكم و واقفه على حيلي و ماشه و جايه بس والله الجواي ما بعلم بيهو إلا رب العالمين ، قاعده و منتظره في أي لحظه يقولوا لي ولدك مات عشان قلبي يقيف و أموت و أرتاح من الوجع دا ، قلتها ليكم ناصر دا أنا خلاص قنعت منو و حاساهو ما برجع لي تاني و مع ذلك بقول ربنا يرجعو لي سالم ، عارفه ليه قلت ليك كدا ؟؟ عشان تعرفي إنو الموت ما حاجه غريبه ولا جديده رغم إنو كل مره يجي فيها كأنها اول مره ، الموت و بالذات في الوضع الصعب دا محاوط الناس من كل الإتجاهات ، والله شدة ما بكينا و اتحسرنا على ناسنا الماتوا في الحرب دي لمن بقينا نفتر من البكى ، الواحد بقى مجهز نفسو عشان في أي لحظه يسمع خبر وفاة فلان قريبو أو صديقو ، ما بيدنا شي غير نصبر و ندعي ربنا يثبتنا و يربط على قلوبنا و يقدر الناس تواصل رغم الوجع ، رغم الفراق ، نحنا الحمدلله مسلمين فـ لازم نرضى بقضاء ربنا و قدروا حتى لو كان واجعنا ، ربنا ما بظلم زول و البموت نحنا ما أرحم عليهو من رب العالمين ... رميت نفسي في حضنها و بكيت زي أول يوم ، بكيت بعد 7 أيام من الجمود و قلت ليها أنا بس حاسه بغرابه و رغم إني خلاص صدقت و اقتنعت إنها ماتت بس مرات بجيني احساس انها عايشه ، بحس إنو هسي لو رجعت السودان حـ ألقاها قاعده في بيتهم ، قالت لي الموت أصلو حار لكن حقيقه مجبورين نتقبلها ، أمي قالت لي خلاص كفايه بكى أرح اطلعي معانا برا ، قلت ليها لا يا أمي عايزا أقعد هنا ، خالتو فريده قالت ليها خلاص خليها على راحتها يا سهام ، هي كويسه بس عايزا شوية وقت ، أمي قالت لي نحنا قدرنا نصل لأهل رتاج و عزينا أمها و سألتنا عنك ، والله رغم الوجع الحسيتو من خلال نبرة صوتها إلا انها كانت صابره و محتسبه ، فـ عشان كدا انتِ ذاتك اتصبري و ما تسلمي نفسك  لأي زعل أو حزن ... هزيت ليها راسي بس ، بعد ما طلعوا ما تموا دقيقه رشا جات داخله و هي شايله التلفون و كانت بتقول ثواني و طوالي ناولتني التلفون ، كنت مفتكره إنو دي سارا خالتي لأنها بعد خبر وفاة رتاج كانت بتتصل و بترسل طوالي عشاني ، شلت التلفون من دون ما أعاين للإسم لأني كنت متأكدة إنو دي خالتي ، أول ما ختيت التلفون على أضاني و قلت : سارا ... جاني صوتو و هو بقول لي كيفك ؟؟
قلبي كان حـ يطلع من مكانو ! بقى يدق بسرعه ! زحيت التلفون و عاينت للشاشه لقيت الإسم ناصر !... طبعاً رشا أول ما أدتني التلفون طلعت و قفلت وراها الباب !
طبعاً لمن سمعت صوتو حسيت نفسي زي البحلم ، غمضت عيوني شديد و دموعي جات نازله زي الماسوره ، اتمنيت لو أنا اسكت و دموعي هي التحكي ليهو عن الوجع الجواي و تقدر تصف ليهو حالي ، اتمنيتو لو كان موجود معاي ، لو ما حصل دا كلو ، لو ما وصلنا للنقطه دي !... واصل كلامو و عزاني ، و في الختام قال لي الموت علينا حق ، و رتاج عزيزه عليك لكن دي إرادة ربنا ، كل ما تبكي عليها أدعي ليها ، كل ما تشتاقي ليها برضو أدعي ليها ، و ربنا يتولاها برحمتو و يجعلها من أصحاب اليمين ... طبعاً بسمع فيهو و أنا قلبي بتقطع من الوجع ، لمن حسيتو خلاص حـ يقفل قلت ليهو بصوت مبحوح : ناصر .. ما تقفل ... هنا هو سكت ما قال لي شي ... واصلت كلامي و قلت ليهو أنا حأموت من شدة الوجع ، كل الناس البحبهم مشوا خلوني ، كل الناس الما اتخيلت إنو يجي يوم الأيام و افارقهم ، فارقتهم ، كل القريبين مني بدوا يختفوا شويه شويه و أنا مع اختفاء كل واحد منهم بموت ألف موته ، حبوبه إتوفت و خلتنا و رتاج لحقتها و انت ... و انت كمان مشيت و خليتني !... أنا ما كنت قاصده اكذب عليك ، كلامك استفزاني و خلاني اكذب عليك و أقول القلتو في اليوم داك ، عارفاك مشيت بسببي ، ما قدرت أوقفك ، ما قدرت أمنعك لأنك ما حـ تسمع مني خاصة بعد الكلام القلتو ليك و لأنك فقدتني كل حقوقي عليك ، ما عايزا أفقد زول تاني ، أنا الفيني مكفيني ، وفاة حبوبه كسرتني و هسي وفاة رتاج تمت الناقصه ، ما عايز و ما عندي أي طاقه استحمل بيها سماع خبر زول تاني ، بالذات انت يا ناصر ، بعد الوجع الضقتو دا كلو ، بتمنى اموت ولا اسمع خبر وفاة زول تاني ... ما بعرف كيف و متين بس تعال ... تعال يا ناصر ، ما بعرف شي تاني غير انك لازم تكون معاي ، حتى لو زعلان مني ، حتى لو بتكرهني تعال ، ما عندي مشكله بستحمل كرهك لي و ما عايزا منك شي غير تجي راجع تاني لو ما عشاني عشان أمك ... عارفاك ما حـ تشتغل بكلامي و عارفه نفسي فقدت الحق في إني اطلب منك طلب زي دا بس تعال يا ناصر .... طبعاً بقيت اتكلم معاهو و هو ساكت ، لمن ما قال شي عرفت جوابو و بما إنو ما عندو حاجه يقولا قفلت الخط و ختيت التلفون على جنب ....

زهرة فؤاديحيث تعيش القصص. اكتشف الآن