٢٤

76 7 116
                                    


أضطررتُ على المغادرة وترككَ بمفردكَ لبضع ساعات ما ذقت فيها طعم الراحة وأنا أفكر، ماذا يكون قد حصل معك؟ هل شعرت بالسوء أم هل ضعفت ربما؟.. هنالك ألف فكرة تخاطرني وأغلبها لا يحتملها قلبي.. قلبي لا يحتمل فكرة إنه صار يمكث في مركز للتأهيل لعلاج أعراض إدمان لم يقترفه أو يختاره! وكُل هذا لأسباب مجهولة! لماذا؟ لماذا فعلوا هذا بك؟ ما السوء الذي فعلته بحقهم! أكاد أفقد أنسانيتي بحق هؤلاء البشر ولو صادفتهم في الطريق يومًا.. لا يمكنني تخيل ما قد أفعله وقتها..

يا ربي.. الأمر صعبٌ عليّ هكذا فكيف به؟ هو بريء من كُل هذا لكنه مضطرًا الآن على المكوث في مركز للتأهيل.. لستُ حزينة لهذه الفكرة فهذا المركز سيساعده جدًا لتخطي الأزمة ولكنني حزينة لفكرة أنه ينبذ نفسه الآن.. ويبدو وكأنه لازال يلوم نفسه كلما عانى من أعراض الأنسحاب.. مثل فقدان في التركيز عند الصلاة.. في قراءة القرآن، لا يمكنه أكمال قراءة صفحة واحدة دون أن يتشتت تركيزه ويضطر على أعادة القراءة من البداية لأنه لا يعلم أين فقد تركيزه وصار يقرأ بلا استيعاب..

لذا أخبرتهُ أنني من سأقرأ القرآن من أجله وهو فقط سيسمعني، لعلي أهونَّ عليه ولو قطرة.

وعلى الرغم من أن ساعات الزيارة مُحددة في هذا المركز ولكن نظرًا لأن مدير المركز هو أحد معارف العم محمد لذا فهو كان متعاونًا معنا إلى أبعد درجة، وفي الأمس أستطعت البقاء معه لساعتين أضافيتين بعد انتهاء وقت الزيارة الرسمي، لكنني في نهاية المطاف أُجبِرتُ على ترك يده والمغادرة.. أُجبرتُ على تركه بالرغم من نظراته التي كانت تخبرني ألا أذهب!

الآن هو صباح يوم جديد، جئتُ برفقة أبي منذُ الصباح الباكر، فأمي بقيت في المنزل لأن احداث الفترة الماضية والمكوث خارج المنزل أغلب الوقت قد بدأ يؤثر عليها في شعورها بالألم في مفاصلها والتعب، وأخبرتني ألا أقلق عليها وأذهب بدون التفكير بها، لكنني أشعر بالسوء الآن لحد إنني أخبرتُ أبي أننا لن نبقى طويلًا.. وأن نعود بأسرع وقت، فأنا أخاف أن يُصاب شخصًا آخر أحبه بسوء.. لا يمكنني تخيل الفكرة أو حتى التوقف عن الخوف منها..


التفكير بأمي والتفكير به.. أشعر إنني أود لو أملك دماغين منفصلين للتفكير بهذا، يا ربي.. أنت تعلم ما أمرُّ به، أبي أيضًا معي ويبدو متأثرًا مثلي على الأقل ولكن الأمر لا يهون عليّ إلا القليل.. لا أسألك إلا رحمتك في عبدكَ الذي وقع ضحية لأناس مجرمين، متيقنة من أنك ستجبر قلبه جبرًا يليق بأسمك العظيم.

فُتحت الأبواب أخيرًا وصار بأمكاننا الدخول، كنا أنا وأبي نمشي بسرعة وكلانا كنا لا نطيق الوقت أكثر للاطمئنان عليه والتأكد من أن شرٌ لم يُصيبه منذ أن تركناه في الأمس..

لكننا كنا قد وصلنا إلى الممر الذي ينتهي بغرفته بعد... حتى رأينا ذلك المشهد الصادم! أثنان من الممرضين يمسكونه بقوة ويقمعونه بكل صلابة على الأرض تمسح خديه الرطبين وكأنه لم يكن أنسانًا.. كأنه.. خارج من رحمتهم!

إسْلام الحُبّ.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن