المقدمة
جن الليل وأسدل أستاره.. وكأنَّ ظلامه المهيب لم يكن كافيًا؛ حتى يأتيَ انقطاع التيار الكهربائي لتزيدَ العتمة المُوحشة من هلعها وذُعرها المحيطين بها في لحظتها تلك.
انكمشت بجسدها أكثر..
بينما أصابعها المرتعدة تتسابق في تعثرٍ؛ حتى تلملمَ طبقاتَ التول المتفرعة من ثوبها المكشوف.
وحينما خيَّم الصمتُ والسكونُ على الأجواءِ إلا من لهاثها السريع المُرتعب.. أخذت تدور بعينيها يمينًا ويسارًا، ولا شيء سوى خيالاتٍ موحشةٍ يرسمها السواد على مداد البصر!
حسناً..
ربما عليها أن تستسلم وترفع الرايات، فالآن ستُسطر نهايتها وحيدةً خلف بابٍ موصدٍ، وضحية ذاك الكائن دون أدنى جهدٍ يُذكر.
ولم تكن لتستكين لعجزها أكثر من ذلك؛ فوثبت بفعل الغريزة، تتحرك بساقين متخبطين تلفحهما البرودة، وقلبٍ واجفٍ جفت عروقه، تلف ذراعيها حول نفسها في محاولةٍ فاشلةٍ لدعم جسدها النحيل المنتفض بألمٍ.
لكنْ..
دائمًا للقدرِ رأيٌ آخرٌ، ونهايةٌ ربما هي مسطورةٌ من قبل البداية!
ما إن استقامت حتى هاجمها من الخلف ثقلٌ غريبٌ، يقيد حركتها الضئيلة ويكممها بقوةٍ، وضوءٌ خافتٌ منبعثٌ تجهل مصدره، كان مصوبًا في اتجاه المرآةِ المسطحةِ قبالتها لتُرسم لها الصورة المعكوسة
كاملةً دون نقصانٍ..!
هي بين ذراعي ملثمٍ يتشح بسوادٍ يضاهي عتمة الليل مع قفازات جلدية سميكة تشعر بها تطبق فوق أنفاسها..!
تخترقها نظراته المرسلة عبر الجسم العاكس من بين دجنته المعتمة، ورُغم خفوت الضوءِ وفرائصها التي تجمدت بين يديه تلقتها خضرة عينيها بجحوظٍ هلعٍ، بينما هو يحكم عليها الوثاق ويطالعها بترقبٍ.
بعد حينٍ..
تخاذلت حركة جسدها وبدأت في الهوان، تبعها وتيرة أنينها وتأوهاتها تنخفض تدريجيًا من خلف تلك الخرقةِ المعبقةِ برائحةٍ نافذةٍ خالطت أنفاسها حتى ساد الصمت من جديدٍ بتلاقي الجفنين.
ثوانٍ أخرى، وكان جسدها قد تراخى بالكامل بين ذراعيه، معلنًا عن ضياعها في غياهب اللاوعي..!
وماحدث بعد ذلك..
جسدها النحيف داخل كيسٍ كبيرٍ من الخيش، أنهى الأمر بعقدةٍ فوق الرأس، ومن ثَمَّ رفعها فوق كتفه بكل سهولةٍ ويسرٍ.
ليعودَ أدراجه إلى شرفة الغرفة من جديدٍ كما ولج منها منذ قليلٍ، تتسابق خطواته بحذرٍ فوق درجات السلم الخشبي الطويل القابع قصدًا في مكانه، وهي فوق كتفه العريض يشد عليها.. مع سخرية حاله:
"الفتاة تفتقر للحم.. يا لكَ من محظوظٍ يا رجل!"
من خلف المرآةِ الداخليةِ للعربة فكَّ عنه تلثمه بتمهلٍ..
ودَّع بنظراته حارس القصر السمين، عائدًا لموضعه السابق، متنفسًا براحةٍ بعد عودة التيار فارتفع شاربه المزين شفاه بسخريةٍ واضحةٍ، ومن ثم حط بصره فوق الأريكة الخلفية؛ ليمد يده يفك من وثاقِ العقدةِ قليلًا حتى لا تنقطع أنفاس غنيمته فيضيعَ جهده هباءًا منثورًا.
راقب سكونها وخصلاتها المتهدلة للخارج للحظاتٍ قطعتها نبرة ذلك الذي ولج يجاوره منذ برهةٍ:
- الله ينور يا ريس.
يبغض مشاركة أيٍ كان، لا يثق ولا يأمن إلا لنفسه، لكن الضرورات تُبيح المحظورات، والأمر تلك المرة مختلفٌ، وكان يتطلب الاستعانة بذلك النحيل:
- كل حاجة رجعت مكانها؟ مش عايزين نسيب ورانا ديول.
- عيييب.. تلميذك يا ريس.
تبسم بخشونةٍ وقد التمعت عيناه بظفرٍ
ليضغط أكثر فوق المكابحِ..
ويلوذ بالفرارِ بما اغتنم.
أنت تقرأ
الغنيمة
Romance"حسن صبري" ابن الحارة الشعبية واللص ذو الأيدي الخفية توكل له مهمة اختطاف ابنة رجل الأعمال الثري تحت مسمى تصفية حسابات.. ترى إلى أي حد تتشابك المصائر وتختلط الأقدار حين تقع ابنة الخادمة ضحية في مصيدة اللص؟!🕳️👀 - رواية الغنيمة للكاتبة "بثينة عثمان"...