(12)
حينما يتدثر الواقع برداء الحلم
عليك الحذر من فقاعة السحر
افترق جفناها ببطءٍ لتعي في لحظتها لأيّ حالٍ أصبحت تنتمي، دارتْ برأسها جانباً تتأكد أنه بالفعل رابضٌ هنا في جوارها!.. وأنَّ كل ما كان وصار ليلة الأمس كان واقعًا ملموسًا وليس محض خيالٍ جامح.
كيف روّضها في دقائق معدودةٍ لتصبح كالعجين بين أصابعه يُشكلها كيفما يريد، كيف تعامل مع خارطة جسدها بحنكةِ خبيرٍ ليُفجر بركان أنوثتها بين يديه ويُطوعه في النهاية ملك بنانه!
- وقح.
حركت بها شفتيها دون صوتٍ، وذكرى الأمس تتوهج في ذاكرتها، أبعدت عنها الشرشف الأبيض ونهضت برفقٍ تخطو فوق أطراف أصابعها خوفاً من إيقاظه، حتى انتهت داخل دورة المياة، سحبت شهيقًا طويلًا قبل ما يقع بصرها على هيئتها الفوضوية فوق السطح العاكس وحينها شهقت بحقٍ.. تحركت من جديدٍ بذات الحذر تحضر حقيبة يدها الصغيرة وعادت أدراجها.. بمساعدة بعض من المحارم وأدوات التزيين عادت بهيئة تليق بعروسٍ.
انسل جسدها برفقٍ داخل الفراش وسكن إلا من عينيها التي تحملق وتعود تنطبق بغتةً تبعاً لحركة جسده حتى استشعرت صحوته فراحت تطبقهما بقوةٍ وتكتم أنفاسها، ومضى خمس دقائق.. فعشر.. وقاربنا على إتمام ثلث الساعة، ولا صوت غير أنفاسه الحاره تلفح وجهها وشعورها به يدنو من فوقها، نفذت قوة تحملها وبدأ جفناها في الارتخاء، عينها اليسرى أول من قررت المواجهة ليكون لها السبق في اقتناص ضحكته اللعوب، وتبعتها اليمنى، فشبه اعتدالٍ في موضعها تهرب فيه من قربه وجذعه العاري الملتصق فيها، ورغمًا عنها كانت عيناها ترميانه بتحذيرٍ قطعه بغتةً بقبلةٍ طبعها سريعاً فوق وجنتها اليمنى:
- صباح الفل.
وأخرى فوق اليسرى:
- صباح الياسمين.
ابتعد لتتسع ابتسامته وهو يخبرها بجدية:
- لازم أصبح بضمير.. سلو بلدنا كده.
ومال فوق عينيها ليطالهما النصيب:
- صباح الجمال.
ومع أنفاسها الثائرة توقف لبرهةٍ يرمق فيها بفضولٍ تجعد جبينها وحاجباها بينما كفها ارتفع يدفع به بعيداً فور ما استنبط نيته الخبيثة ولسانها يهتف سريعاً بغية هروبٍ:
- أنا جعانة.
رمقها بنصف عينٍ وفاوض بمكرٍ:
- تدفعي كام؟
همست دون تفكير:
- اللي عاوزه.
آخر ما وصلها كانت دمدمته أمام شفتيها:
- يبقى اتفقنا.
واختفيا معًا داخل فقاعةٍ من سحر فوق أرض الحلم
متنحيًا بها عن أرض الواقع.
***
حين يفرض الواقع هيمنته وسيطرته يجب عليك تفجير فقاعة السحر والهرب من أرض الحلم وإلا السقوط وقتها سيكون مدويًا.. مذيلًا للنهاية.
وهي بالفعل تتشبث في هروب منذ أن غادر الجميع ذلك الاجتماع القائم في مقر شركتهم، غادر الجميع إلاه.. تغوص داخل عدة أوراق دون رؤيةٍ حقيقيةٍ، عقلها يراقب في صمتٍ ذاك الذي يجاوره بذات الصمت.. صمت لم يكسره سوى سؤاله الواضح دون موارة:
- وآخرتها يعني؟
رفعت رأسها بغتةً تضغط فوق عويناتها دون الحاجة:
- أفندم!
تخلى عن مقعده وانتفض من جلسته، يشرف عليها من علوٍ
ببنيته العريضة وحروفه قد لونها الغيظ:
- ميسون مش وقت ملاوعة.
خلعت عويناتها ودارت بكرسيها قليلاً لترفع وجهها في مواجهةٍ لا بد منها، كتفت ساعديها وتوارت خلف عملي جدرانه من صقيع:
- آسفين عن التأخير، بس حضرتك عارف إن غياب بابا عن الشركة بسبب ظروفه الصحية مأثر على الوضع العام.. بس وعد إن شاء الله الطلبيات كلها هتوصل في ميعادها المرة الجاية بالساعة والدقيقة.
- ميسوووون!
كانت صرخته مشتعلةً.. بقبضةٍ أُحكمت فوق رسغها بقوة جنونه الثائر، ليقترب منها وينفث حروفه بأنفاس محترقةٍ:
- أنتِ مش حاسه بيا؟ إيه البرود اللي أنتِ فيه ده!
وعلامات تعجبه كثيرة لكن كفى..
طفح الكيل..
لم لا يرحل؟!
لم لا يحتفظ بصمته ولا ينطق بهكذا حديث؟!
لم لا يتركها ترمم بنفسها ما كسر فيها؟!
لماذا يصب البنزين فوق لهب جوفها لتنتفض من فوق كرسيها وتصرخ دون شعورٍ:
- كفاية تمثيل بقى.. كفاية كذب وحوارات.. دور العاشق المسكين مش راكب عليك بالمناسبة.
اقترب ما ابتعدت، وقف قبالتها يستنكر بملامح متجهمة:
- تمثيل!!
جابهت بقوة وإصرار:
- أيوه تمثيل.. أما يبقى فرحك على واحدة تانية بعد عشر أيام وأنت لسة بتغني في شعارات مش هتفيد يبقى تمثيل.. أما تصدق نفسك وتوهم قلبي أن لسه لنا مكان سوا يبقى تمثيل.
سقطت فوق الأريكة من خلفها بضعفٍ استشرى بغتةً في أوردتها حد لمعة مقل تنذر بهطولٍ قريب ونبرة كستها الخنقة:
- أنتَ تعبت قلبي؛ حرام عليك.
وكان يصرخ فيها القلب مستغيثا، فما يعتمل به لم يكن ولن يكون سوى حقيقة مؤكدة رغم قسوة الحقائق.. نزل لمستواها يجلس أمامها القرفصاء، يتشبث بأناملها ويتوسلها القرب:
- خلينا نتجوز، بكلمة واحدة منك هتريحي قلبك وقلبي.
وهه ساخرة وجب لها الحضور ليعقبها:
- وأبقى زوجة تانية؟
- مستعد أكتب كتابنا دلوقت وتكوني أنتِ الأولى.. دي كلها مسميات مالهاش معنى، المهم القلب بيدق باسم مين وعايز مين؟!
وكان جوابه سريعًا، بديهيًا قابعًا فوق طرف لسانه.. أبعدت كفيه عنها وطالعته ببغضٍ للحظة همست بعدها بألم:
- بس مش هكون الأخيرة.
زعق فيها بقوةٍ وغضبٍ:
- أنتِ ليه مش عايزه تصدقي أن عمري ما حبيت حد زي ما حبيتك،
ليه مصرة تقللي من حبي عشان ظروف حكمت أكون فيها؟!
طالعته بصمتٍ والدمعات تترقرق رغمًا عنها فتابعت بلومٍ ونبرةٍ واهنةٍ:
- ماقدرش يا نديم.. ماقدرش أقبل بحياة ناقصة.. ماقدرش أبني وأسس حياة على حساب ناس تانية.. ماقدرش أكون بالقسوة والأنانية دي!
- حتى لو هكون تعيس من غيرك؟.. أنا بعشقك افهمي بقى.
والآن يستدر عطفها!
ألا يكتفي هذا الرجل..
ألا يمل ويقطع خيط الأمل الذي مازال متشبثًا فيه..
غطت وجهها بكفيها ودمدمت من خلفهما بجفاءٍ راجٍ:
- امشي يا نديم، لو ليا خاطر عندك امشي.
يحدثها عن العشق!
هي بفضله تشبعت من الواقعية فما عادت تُغريها الأحلام.
* * *
حائرة بتفكير مشوش..
هل تُدلي باعترافها لينضم إلى قائمة أخطائها التي باتت تزيد بمعدل جنوني في الآونة الأخيرة أم تصمت.. تنهدت بين ذراعيه وقررت اختيار أقصر طريق:
- أقولك على حاجة يا بابا؟
- قولي يا روح بابا.
اعتدلت في جلستها تبتلع لعابها وتعود بخصلاتها للوراء في تجلجل وارتباك:
- أنا كذبت لما قلت لك صحابي زعلوني، بصراحة أنا اللي زعلتهم..
ونكست برأسها لأسفل ليرفعها بأنامله ويسألها بلطفٍ:
- طيب ليه عملتي كده؟
تغضنت ملامحها المنمنمة وهي تسرد ماحدث في رحلتها الغير مكتملة تلك، إذ عادت عقب ثلاثة أيام بمزاجٍ عكرٍ غير ذلك الذي غادرت به، حركت رأسها يمنةً ويسرةً في افتعال صغير:
- عشان بيقولوا كلام مش كويس عليك..
واستطردت سريعًا بنبرةٍ ثائرةٍ:
- بس أنا زعقت لهم وسبتهم ومشيت.
جذبها إليه لتعود تغوص بين ذراعيه من جديد وكفه يمررها فوق رأسها ببطءٍ:
- يعني أنتِ مصدقتيش كلامهم وغضبتي ومشيتي؟
همهمت بخفوتٍ ليسألها من جديدٍ بنبرةٍ حائرةٍ:
- هتكوني فخورة بيا في يوم من الأيام يا غِنَى؟
شدت من ذراعيها تضم نفسها له أكثر وعن النبرة قد وصلته واضحة لا تحمل جدالًا:
- أصلًا أنت أحسن راجل في الدنيا.
وتابعت بنبرة غاضبة:
- وأصلًا هما أغبياء ومش بيفهموا.
تبسم لمزاجية صغيرته المتغيرة، يبدو أن صغاره كليهما يحملان تلك الجينات الخاصة بالمزاجية المتغيرة وإن كانت تميل للعكرة أغلب الأحايين..
تبسم مرة أخرى وهو يرى الصغير عمر قد غفى فوق ذراعه الأيسر بينما غنى تتوسد الأيمن بتشبثٍ وتترجاه بدلال طفولي:
- عايزه أسمع منك حدوته زي زمان.. بلييييز.
انصاع لطلبها بعد ما أراح عمر النائم فوق الفراش وضمها بكلا ذراعيه حتى غفت بينهما وغفى بدوره ولم يشعر بحاله إلا وأصابع زوجته تنقر فوق كتفه ببطءٍ وهمسها يصله من البعيد:
- شهاب قوم غير هدومك ونام في أوضتك.
وما كادت تنهي جملتها حتى كانت تسقط جواره فوق الفراش بعد ما جذبها بقوة ذراعه لتتوسد الفراش الوردي الخاص بغنى وباتت تجاوره مع صغيريه الذى تخلى عن ضمهما واكتفى بضم زوجته إليه دونما يفتح عينيه فانصاعت له وسكنت بهدوءٍ فوق صدره، لتصدح ضحكات غنى وشقيقها بعد ما فرد كلًا منها ذراعًا ليضما أبويهما معًا ويغفى الجميع دون حديثٍ.
***
" كلهم زي بعض.. واطيين"
خاطبت بها حالها وهي تثني جذعها تمسح أرضية الغرفة بنفسٍ ساخطةٍ، عادت تستقيم بجذعها بأنفاسٍ لاهثةٍ بتعب، لتقف عند إطار الباب وهتفت في أمها بنبرةٍ متقطعهٍ يكسوها الحنق:
- أنا مش فاهمة ماخدش الغندوره بتاعته في سكنه التاني ليه، هو احنا طايقينه لوحده عشان يقعد هو وهي معانا؟.. ومش دي الأوضة اللي سابها بسبب الحر والخنقه، دلوقتِ بقت حلوة؟!
لامتها ياقوت بوجهٍ عابسٍ:
- ده بدل ما تقولي الحمد لله أن ربنا هداه لنفسه وعلينا؟.. بطلي بقى كلامك الماسخ ده وجبيها لبر، ربنا يهديك أنتِ كمان.
تحركت ناحية المرآة الطويلة ونبرتها تعلو حتى تصل لمسامع القابعة بالخارج بينما أصابعها تدعك في المرآة تبحث عن لمعانٍ يرضيها:
- ولا ممكن أسامحه أبداً على مدت إيده عليّ.. أنا لو بعمل له حاجة فده عشان خاطرك بس مش أكتر، مع أنك دايماً جاية في صفه عليّ، بس يلا اللي عند ربنا مابيروحش.
- والله أنتِ بوء على الفاضي، لسانك يبعبع من بعيد لبعيد، أول ماتشوفيه حتى النفس تكتميه.
سخرت منها فشهقت وألقت بالخرقة أرضًا ولسانها يسبق خطواتها:
- طالما كده، يبقى أما تيجي الغندوره بتاعته تبقى تنفض له وتمسح له.. أنا كنت ناقصة هم يعني!
وارتمت جوار الضاحكة بتأفف.. لتهدأ من روعها بعدة ربتات حانية تصحبها دعواتها المبتهلة:
- الله يجازيكي يا سماح.. ويعوضك بابن الحلال اللي يسترك ويفرح قلبك.
- قطعوا وقطعت سيرتهم كلهم.
قالتها بسبابة و بصر ارتفعا للأعلى لتسخط عليها أمها من جديد:
- تصدقي الله يكون في عونه اللي هتكوني من نصيبه، ده أمه هتكون داعية عليه في يوم ماطلعتلوش شمس.. قومي ياختي كملي تنضيف لأخوكي يرجع في أي وقت مايلاقيش أوضته جاهزة.
نهضت على مضض وهي ترغي وتزبد مع حالها ولسانها مرة يمتعض وأخرى يتأفف حتى انتهت.
بعد حين كانت تتفقد هاتفها لتجد بضعة مكالمات واردة من أبيها.. صمتت للحظة تشرد نحو الفراغ وتغرق مع حالها، زارته لأنها شعرت بمرضه وعجزه داخل جدران المشفى، شعرت به ينتظر الموت المحقق في أية لحظة!
لكن الآن وهو آمن في بيته وبين عائلته التي فضلها عليهم كيف يطلب منها الإستمرار في الزيارة والوصال!..
بل كيف تخبره أن شعورها السابق ماهو إلا شفقة!
شفقة على رجل كان ينازع الموت.. أما الآن فلا شيء تكنه لأجله حتى يجعلها تستمر فيما كانت تفعل.. لا شيء ببساطة اللاشيء!
***
تقدم خطوة..
تبعها بأخرى في حذر، يتفقد خلفية المبنى بعيون مراقبة.. وكانت نتيجة بحثه وجود كاميرا صغيرة عند البوابة الأمامية وأخرى من الجهة اليمنى للشارع الرئيسي، أما من الخلف لا وجود لأي نوع من المراقبة بالرغم من وجود نافذة صغيرة حتمًا ملحقة بأحد المرافق، يبدو أن صاحب_الشالية_ اعتمد على قرب المبنى المقابل حد أنه يبدو للرآئي أنهما متلاصقان، لكن عن كثب يوجد فراغ يكفي لعبور شيء ما..أو لنقل مساحة ضئيلة تكفي لعبور شخص ما!
سحب شهيقًا طويلًا وعاد بمنظاره الشمسي إلى عينيه وبين نفسه يتنفس بارتياح..
يراهن حاله أن تلك الأوراق اللعينة التي يريدها "حلمي بيه" ولا يطيق صبراً أكثر من ذلك ستكون هنا، فعقب التأكد من خلو خزينة الرجل الخاصة ببيته ومكتبه لم يتبقى سوى هذا الشالية الذي يحميه بكاميرات المراقبة وحارس عجوز يحارب وحدته بالنوم.
حسناً؛ عرف خطوته القادمة وعليه التخطيط منذ الآن، ويأمل أن يصدقه حدسه تلك المرة.
عاد إلى الفندق بعقل متخم، توقف المصعد وترجل منه بذهنٍ شاردٍ حتى انتهى داخل الغرفة.
وجدها تقف عند النافذة العريضة بمئزر حمام ضخم وبين أصابعها كوب من الحليب الدافىء، روتينها اليومي الذي لا تمل منه ولا تتنازل عنه، كانت بدورها شاردة مع صفحة البحر الممتدة أمامها على مداد البصر، ما إن دلف حتى وصلتها شخشخة مفاتيحه لتستدير تعاجله بوجهٍ عابسٍ:
- كنت فين وسايبني لوحدي كل ده!
أفتر ثغره عن بسمة ساخرة، فعلى ما يبدو زوجته تمارس دورها جيداً ومن خامس يوم زواج.. خلع عنه ثوب حسن الذي صنعته الأيام وأكتفى بثوب الزوج المبتهج بعروسه حد الانتشاء، اقترب يجاورها بحاجبٍ مرفوعٍ وتفكه قائلًا:
- نزلت اتمشى شوية على البحر.
أخذ منها الكوب ونظراته تتلكأ فوق خصلات شعرها المبتلة؛ المحيطة بوجهها الصبوح.. ارتشف من الكوب ببطءٍ ليتابع بنبرةٍ ملتويةٍ.. ماكرةٍ:
- وكان فيه شوية مزز إنما إيه.. عنب.
رسمت ضحكة سمجة وهي تجذب من بين يديه كوبها تنهي ماتبقي فيه ثم تضعه فوق المنضدة بغيظ بينما تهتف بقسمات عابسة:
- دمك تقيل على فكرة.
قهقه بجذل وذراعه يحيط بخصرها بغتة، يرفع قدميها عن الأرضية
بسهولة ويلقي بحاله وإياها فوق الأريكة الجانبية بينما يدمدم:
- لو زعلتي أصالحك عادي.
لم تحاول الإبتعاد، بل تركت لرأسها حرية البقاء فوق صدره ولأناملها حرية السير فوق ذراعه، ينكسر حاجز الخجل فيها بسرعة تفاجأها هي شخصيا، ربما يحفزها شعور الإنتماء، هي تنتمي لهذا الرجل بكل مافيها، وأكثر من ممتنة على جرعات السعادة التي تتذوقها في قربه بعد أيام مرت عليها من شدة قسوتها أنستها طعم ذلك الشعور.. خطفها من شرودها بهمس جريء وشفتيه تعبث بجيدها الرطب:
- بس إيه رأيك في سلو بلدنا؟
انتفخت أوداجها في الحال، وبسبابتها لكزت كتفه بقوةٍ:
- بطل بقى.
تركها تغوص برأسها في صدره وعاد برأسه للوراء، يلتقي جفناه في استرخاء وعلى شفتيه بقايا ضحكة عالقة، لم يدر كم مر من الوقت حتى شعر بأناملها تداعب جانب فكه ببطء ناعم افترق له جفناه ليقابله وجهها القريب وشفتيها تهمس ببراءة منبعها صدق قلبها:
- أنا ربنا بيحبني عشان عوضني بيك.
وأردفت بنبرة صبغها الضعف رغما عنها:
- أنتَ كل حاجة ليا ياحسن.
ختمت جملتها وذراعيها يلتفان حول خصره بقوة بينما رأسها تعود لصدره حيث سيرتها الأولى.
تجمد جسده إثر كلماتها، لم يكن يتحرك فيه غير قلبه اللاهث.. كان قلبه يلهث بالفعل!
كيف تتطلع إليه وكأنه الوحيد الذي تراه؟
شعر بحاله ينحدر من فوق قمة جبل فجأة!
تنحنح يجلي حنجرته ويداه يبعدانها عنه برفق، ينتشل حاله من بؤرة السقوط ويتمتم بشيء من لعثمة:
- إيه رأيك ننزل نفطر تحت ونتمشى شوية؟
ابتسمت توافقه بهزة رأس نهضت بعدها تستعد.. كانت تقف خلف المرآة حين أتتها الجرأة لتهمس بحذر:
- صحيح يا حسن، مش بتفكر تدي باباك فرصة تانية؟
وسؤالها الساذج خرج تحت ظل الأيام الماضية التي قضياها سويًا حتى ظنت أن ما بينهما تخطى حواجز الحديث بكثير، لكن نظرته المشتعلة التي حدجها بها عكست كل ظنونها حد أنها كادت تلقي بإعتذارها السريع لولا جملته المقتضبة:
- خلصي عشان ننزل.
ونهض يوليها ظهره عند النافذة بملامح متجهمة.. لتوبخ حالها.. حمقاء!!
كيف لها أن تسأل وهي أكثر من يدري أنه لايطيق أي حديث يمر بذلك الأمر، هكذا أخبرتها أمه عقب ما قصت عليها الحكاية كاملة ليلة ما أعلنت موافقتها على الزواج.. تحركت دون تفكيرٍ تنوي إصلاح ما أفسدت في التو واللحظة لكن اسم مألوف يطل من الجريدة المصحوبة برفقة وجبة الإفطار الخاصة بالأمس جذب بصرها فسحبتها عنوةً، وما كادت تفعل حتى أطلقت شهقةً لم ينجح كفها في كبحها بل جلبت زوجها الذي انتفض في وقفته لشهقتها المذعورة، يرمي بصره فوق الخبر الذي اكتسح الصفحة الأولى للجريدة وبالبونط العريض:
"وفاة رجل الأعمال والسياسي شهاب كارم في ظروف غامضة"
أنت تقرأ
الغنيمة
Romance"حسن صبري" ابن الحارة الشعبية واللص ذو الأيدي الخفية توكل له مهمة اختطاف ابنة رجل الأعمال الثري تحت مسمى تصفية حسابات.. ترى إلى أي حد تتشابك المصائر وتختلط الأقدار حين تقع ابنة الخادمة ضحية في مصيدة اللص؟!🕳️👀 - رواية الغنيمة للكاتبة "بثينة عثمان"...