(13)
يرفرف جناح الموت سالبًا الأمان
يخطف الألوان من الحياة فتغدو كئيبة
يتوقف الزمن عند لحظة الفقد
وتتيه الروح مع لحظة الفراق الأبدية
كيف اختفي من بينهم بغتةً! بالأمس كانوا يغفون على صوته واليوم يصحون على صرخةٍ مستقبلين بها يومهم الجديد حاملًا خبر موته!
مرعبةٌ هي فجيعة الموت، مخيفةٌ لمن هم في مقتبل أعمارهم، ثقيلةٌ على قلوب الأحبة الضعيفة..
وهي رغمًا عن أنف الجميع تُكن للراحل مكانةً لا يقتربها أحد، وما حدث سابقاً رغم قسوته لن يمنعها القدوم اليوم وتقديم فيه فروض العزاء كما يستحق الفقيد.
بأقدامٍ مثقلةٍ وقلبٍ واجفٍ ما إن اشتم رائحة الموت تفوح من المكان تقدمت بالخطى، تجمدت في مكانها لحظات حين وقع بصرها على الزوجة المنكوبة تتوسد صدر أمها، تبكي وتنوح بحرقةٍ.
حرقةٌ استدعت دمعاتها من جديدٍ والتي مالبثت أن جفت لتعود.. حثت نفسها على التقدم لتنتهي من هذا الثقل الجاثم فوق صدرها حتى كاد يخنقها، بصوتٍ مهزوزٍ لم تتضح حروفه كانت تهمس:
- البقاء لله.
وجُلَّ ما نالت هي نظرة وجعٍ حدجتها بها يسرا لتعاود بكائها المصدوم والغير مصدق حتى هذه اللحظة أنها بالفعل فقدته، بل تأخذ عزائه!..
كيف ومتى؟
لا تدري..
جُلَّ ما تُدرك أن حبيبها وصاحبها، رفيق دربها وقلبها رحل دون عودةٍ.. مضى دونما وداعٍ.. غاب تاركاً في قلوب ذويه وجيعةً ستخلد أبد الدهر.
تركتها نسمة تحيا وجعها الكبير وراحت تتشبثت بكفها فوق الجدار، تستدعي تماسكًا وقوةً هم أكثر ما تناشد الآن.. فرؤية الصغار حتماً ستكون أشد عذابًا وتنكيلًا، تجبر عقلها على استحضار بضع كلماتٍ تشد بها من أزرهم.. لكن وأسفاه..
جُل ما يحضر لديها بضع صورٍ تحمل عبق الذكرى لمن نشأت وتربت بين كنفهم وكانوا لها في مقام العائلة ذات يومٍ.
لمحت امرأة ثلاثينة تغادرغرفة "غِنَى"، سألتها سريعاً بنبرةٍ مهزوزةٍ عن الصغير"عمر" ليأتيها الجواب مبردًا على قلبها، فالصغير رحل برفقة أحد الأقارب، كانت تتلهف لرؤيته والإطمئنان عليه لكنها لا تنكر شعور الراحة المتسربل لقلبها، هكذا أفضل له، سنه الصغير لن يتحمل هكذا أجواء خانقة.. عاودت السؤال بذات الهمس مع اختلاف المقصد ليأتيها الجواب الخافت:
- آنسة غنى في أوضتها.
جففت دمعاتها وسحبت شهيقًا طويلًا قبل ما تدير المقبض، وقع بصرها فوق الغافية وسط فراشها.. تقدمت بحذرٍ تتفقدها برويةٍ، تمسك بكفها الراقد تارةً وأخرى تمسح بأناملها عرقها المتفصد فوق جبينها. وجهها شاحب، يشع منه وجيعة الفرآق، ومن غيرها أدرى بذلك الفقد العظيم، تنهدت في ألمٍ وأخذ لسانها يتلو ماتيسر لها من الأدعية تطلب فيها من ربها الرأفة واللطف بقلوب سكان هذا الدار، فلا هم أهل للوجع ولا الوجع أهلًا لهم، قلوبهم هشة، ضعيفة لا تقوى على ذلك.
نشيجٌ مكتومٌ وأناتٌ متهدجةٌ صدحت من تلك الغافية، لتقطع على نسمة شرودها الذي طال، تبعثرت الكلمات والحروف أمام العينين الداميتن فلم تجد لسانًا يحيك جملة واحدة مفيدة، شاركتها الفقد بنظرة وجعٍ، ودمعةٍ سقطت رغماً عنها لتزوم غنى بشفتيها في اختناق، أخذت تعلو الهمهمات المتألمة رويداً رويداً حد تشنج الجسد المنكمش على
حاله!
انتفضت نسمة تبغي مساعدةً أيًا كان فوضعها لا يطمئن، قبل ما تصل للباب كان ينفتح بالفعل وتندفع منه المرأة التي قابلتها منذ دقائق وتبدو أنها هنا لأجلها، تحمل بين أصابعها محقن وتقترب من تلك المتكومة على حالها بحروفها التي حاربت كل صمتٍ وقهرت كل ألمٍ وهي تصيح بهستيريا واضحة للعيان بكلماتٍ كثيرةٍ متهدجةٍ لم تعِ منها سوى كلماتٍ تكررت تباعاً تباعاً:
- قلبي يا بابا، قلبي يا بابا..
كأنما بصراخها تناشد من توارى تحت الثرى أن يرد لها قلبًا بات أجوفًا، فارغاً إلا من ألم فقدانه.
كان دوى كلماتها المفجعة يستقر بقلب تلك المنكمشة على حالها عند الباب تراقبها بعيونٍ تحجر بها الدمع، ظلت على حالها تراقبها حتى هدأت قسراً بفعل المهدىء وأخذت مناجاتها تخفت حتى تلاشت حروفها وسط انتفاضة شفتيها.
أطلقت نسمة لقدميها العنان يتسابقان كلًا على حدى، تبتعد وتتبتعد مخلفةً من ورائها رائحة الموت المميتة، لاح لها طيفه رابضًا داخل السيارة ينتظرها برأسٍ ملقى للخلف وعيونٍ شاردةٍ ولم يلبث حتى انتفض من جلسته ما إن رآها تقف قبالته بكتفين انحنيا لثقل تلك الهموم وعيونٍ تشوشت رؤيتها، بينما جسدها لم ينتظر تحركه بل سارع له الخطى يرتمي بين ذراعيه.
كرهت الموت بألمه ووجعه الذي بات يستوطن قلوب غيرها، ملت القهر والعجز الذي رأته يطل من بين العيون الدامية، تعب ووهن أصاباها فلم تعد بها ناقة ولا جمل على هكذا حياة قاسية تأخذ منها الكثير وتمن بالقليل..
وقد تكون ضمته الحانية تلك من القليل الذي جادت لها به الدنيا.
***
والألمُ لم يكن ليقتصر يوماً على فقد عزيزٍ وغالي، بل فقدانك لذاتك في خضم حياة ألقت بكَ فوق مرفأ لا يمت للأمان بصلةٍ
بل للخديعة.. الكذب والخيانة!
نعم الخيانة؛ فهو خان مشاعرها الصبية ولوثها بأنانيته البحتة، خان زوجة اختارها بملئ إرادته الحرة كما قال ومازال يتشبث فيها لأجل مكانةٍ يراها فيها الجميع ولا تقبل فعل مشين كهذا، لايسمح لحاله بالإصغاء لمناجاة القلب وقررالإستماع لقرار العقل الصائب ولا ضرار إن بذل بعض المجهود ليجمع بين عقله ويرضي قلبه في الخفاء فينال صفقة رابحة ينتشى بها غروره وتنتفخ أوداج كبريائه فتلتمع صورة رجل الأعمال الشاب الذي يقتدي به الجيل الصاعد.
الرنين المتصاعد قطع شرودها من جديد لتنفخ بسأمٍ وتقرر في اللحظة إغلاق جهازها النقال للأبد ربما!..
حتى الآن لا تصدق كيف عاد ليطلب منها ذات الأمر، يريد منها الزواج في القريب العاجل.. لكن ما يستدعي صدمتها ويثير مرارة العلقم بحلقها هو توضيح نيته بأمر الطلب
هو ببساطة يريدها زوجة في الخفاء!
الدافع والحجة؛ ما شأن المجتمع فيما بينهما يكفي أنه زواج
على سنة الله ورسوله تحت مرأى ومسمع من أهلها..
أهلها وفقط!
يريد أن يستأثر بها لنفسه، لا يريد منها الإنخراط بين وسطه المنفتح فتطالها عيون هذا وذاك.. وهو العاشق الغيور!
وأخيرًا.. لتجنب كوارث ستحدث إن تم الأمر في العلن تنغص عليهم الحياة، ما المانع أن يكونا لبعضهما جنة عشق وواحة راحة؟
دون تعقيدات ومهاترات لن تفيدهما على أي حالٍ!
عاشقٌ خابت كل مخططاته في استمالة قلبها.. فمعشوقته ذات حصونٍ قويةٍ لا تقهر، بسياجٍ من فلاذٍ لن تدك وتسقط خائرةً صريعةً لهواه وإن كانت قد اهتزت حد تقلقل أسسها!
بعيونٍ خفت بريقها تلكأت فوق الكلمات المذهبة بين يديها..
دعوةُ زفافٍ مفتخرةٍ تليق بصاحب السمو.. حبيبها السابق!
هه ساخرة أفترت عن شفتيها وهي تلفظ اللقب بين نفسها
مراراً قبل ما تلقي بدعوته فوق المكتب..
يظن بإرساله لدعوة زفافه عمداً متعمداً ذلك سيفجر ما تبقى فيها من ثباتٍ وستركض لاهثةً من خلفه تمني نفسها بالنصف في كل شيءٍ فضلاً من فقدانه كاملاً.. هو في النهاية رجل لا يعوض!
سحبت شهيقًا طويلًا ركلت به قلبا يتلوى ألما، لن يضعف، لن يميل، ستحكم لجامه وتتمسك به جيدا، لن ينفلت، لن يضيع فوق أرض نفاق رجل.. رجل لايرى غير ظله.
تنهدت تسحب ناحيتها كومة الأوراق المتناثرة فوق سطح المكتب، ينبغي لها أن تلهث خلف تلك الكوارث التي تكالبت فوق شركتهم حديثة العهد بين كل الناطحات التي تجتاح سوق العمل اجتياحًا فتنحني كل مجهوداتهم السابقة عند كل ريحٍ مارةٍ ويهتز كيانٌ ما كاد أن يثبت أقدامه.
***
فوضى..
أقرب وصف يليق بحاله وأيامه، مال جذعه للأمام تعقد أصابعه رباط الحذاء خاصته كلمسةٍ أخيرةٍ قبل الرحيل وبينما هو على وضعه المنحني صدحت كلمات "حلمي" الهادرة بعنفٍ وتهديدٍ فوق أذنيه تعيد له ماحدث منذ ساعاتٍ قليلةٍ..
"أخدت وقت كبير يا حسن وده هيزعلني منك"
ليرد له الجواب دون تفكيرٍ:
"الليلة ناوي أخلص الحوار ده بس..."
ضاقت عينا محدثه في انتظارٍ لتكملة مايتردد في ذهنه وسرعان ما انبثقت الكلمات..
"هو شهاب كارم مات إزاي؟"
قهقه الرجل حتى أدمعت عيناه تحت عيني حسن الغاضبة، ليهدأ بعدها ويسحب دخانه بتروٍ ويهمس بنبرةٍ من صقيعٍ:
" بيقولوا سكتة قلبية "
بسمته الهازئة وازت ميله السريع وهو يقترب من وجه حلمي الشيطاني ويدمدم أمامه بحنقٍ، يستنبط ويفند حقيقة؛ بل يعري حقيقة ويشتم رائحتها النتنة منذ أن شاهد صور القتيل وربط الخيوط ببعضها:
"قصدك مخنوق.. اتقتل مخنوق جوه عربيته"
تركه ينهي حقيقة لا ينكرها بداخل ذاته بل يحييه على دهائه وفطنته التي تخطت حد المسموح والتي على ما يبدو ستبدأ في إثارة بعض المتاعب فيما بينهما.. تنحنح حلمي يجلي حنجرته ونظراته تغوص في سواد عيني حسن الرابض أمامه بثباتٍ لينهي الحديث بصرامةٍ:
" وأنا بقولك تقرير الطبيب الشرعي بيقول سكتة قلبية..
نقطة ومن أول سطر "
وهكذا انتهت الزيارة دون إضافة حرفٍ آخر ليزاد تشوشًا أكثر من ذي قبل.. والسؤال الذي يتردد بين الجنبات بات يصدح بمجون.. هل ستكون نهايته على يدي هذا الشيطان كما غيره أم ماذا؟!
زاره اليوم لا لشيءٍ سوى ليعلم أو ليزاد تأكيدًا أن مقتل السياسي من تحت رأسه، ولا يدري لِمَ يبغي معرفة ذلك الأمر!..
عن ماذا يبحث؟
هو نفسه لا يدري.. لكنه مشوش الفكر، مختل الإتزان وكأنما تلك النسمة كان بدخولها لحياته لعنةً.. لعنةٌ خلخلت كل ثوابته ومناهجه التي يتبعها منذ زمنٍ.
وعند ذكرها في خاطره كانت تتجسد أمامه بهدوئها و خجلها المعتاد، تتبسم له بصمتٍ كأنما تبثه شيئًا أو تعتذر له بطريقتها الخجلة، لا يدري ولا يفقه تفسير لم يدور بخلدها، وفي الحقيقه ليس بمزاج يسمح.
اقتربت خطوةً أخرى كان عقبها ينهض بعد ما انتهى من أمر حذائه يقابلها في وقفتها، تبادلا النظرات الصامتة لدقائق كانت فيها تحث الكلمات على الخروج علها تبدل مزاجه العكر الذي يسيطر عليه
منذ أن قطعا عطلتهم الخاصة وينوي به الرحيل، يعنفها الضمير ويسانده القلب.. هو تزوجك لأجل سعادةٍ وراحةٍ يبغيها أي رجل أم ليشاركك أحزانك الغير منتهيه!..
تقطيبة جبينه وهمهمته المتململة هي من أخرجتها من بؤرة التحديق فيه لتهمس ببسمةٍ خجلةٍ:
- آآه ماما ياقوت عايزاك بره.
هز رأسه بغمغمة صامتة وكاد أن يغادر لتقطع خطوته الوليده همسها التالي.. الشبه تائه:
- هترجع إمتى؟
عاد لها بنبرة متشنجة:
- يمكن بكرة بالليل أو بعده، على حسب الظروف.
هزت رأسها موافقةً فهي على دراية بطبيعة عمله الذي يتوجب عليه المبيت خارج البيت في أحايين كثيرة، قبل مايستدير من جديد عاجلها بسؤالٍ كان مباغتًا لها:
- عايزة حاجة؟
ونظرته العابسة جعلتها تلعن حالها على انغماسها في حزنها وإهمالها له، لذا سارعت برد فعلٍ كسر كل قيود خجلها، مالت نحوه وعند آخر حد طولها تركت شفتيها تلثم رقبته برقةٍ وحياءٍ ألبسته ثوب الفكاهة حتى لا يتوقف قلبها فلأول مرةٍ بعمرها القصير تبدأ بأمورٍ كهذه:
- ده بقى سلو بلدنا إحنا.
وكأنما بفعلتها الغير متوقعة جردته من عبوسه بغتةً لتلبسه رداء الجمود، لو كان بمزاج مغاير لبادر بتوطيد العلاقات بين البلدين فتلميذته النجيبة تسير على هداه معصوبة العينين لكن عقله متخم بعشرات الأفكار والاحتمالات حد ضيق صدره وسوداوية مزاجه.
- همشي، تأخرت.
لفظها باردة بينما يولي الدبر ويغادر الغرفة بذات الجمود، تلحقه بإبتسامة مبتورة وحدسها يخبرها أن هناك مايشغل باله.واجهه أمه القابعة عند نافذة الردهة الصغيرة فوق أريكتها كالعادة دائماً وأبدًا.. حط بكفه فوق كتفها حتى يجلب انتباهها فهي شاردة حد أنها لم تستشعر قربه منها كما العادة:
- عايزه حاجة قبل ما أمشي؟
أحاطت وجهه بكفيها وقسماتها تنضح بالرضا:
- سوق على مهلك يا حسن وخلي بالك من نفسك، ربنا يجعلك في كل خطوة سلامة ياحبيبي.
ربت فوق كتفها وابتعد، فهي لا تكل ولا تمل من إغداقه بتلك الدعوات بشتى الألوان.. لكن ما استوقفه شقيقته التي تتجاهله منذ ماحدث بينهما، وحدث زواجه على ما يبدو لم يكن كافياً ليبدد ما بينهما من عندٍ وتجاهلٍ من كلا الطرفين، لكن في هذه اللحظة وهو يراها تتعمد إغاظته ببصرها الملقى على التلفاز وفمها المتشاغل يلوك باستفزاز، قرر أن يقترب منها بعد ما حدج التلفاز لوهلةٍ عاد بعدها يدمدم أمامها في كيدٍ:
- حلوة قعدة البيت مش كده؟
لم تعجبها نبرته الشامتة واستمرت في تجاهله
فاقترب أكثر يأخذ ما بين كفها من حبٍ ويبدأ في التهامه وهو يقول بسخافةٍ شبه متآمرةٍ:
- افردي وشك خلقتك مش ناقصة.
ناطحته ببسمةٍ سمجةٍ حفرتها فوق محياها ليعاود القول بسماجةٍ تماثلها:
- عسل يا إخواتي.
ليرحل بعدها ترافقه ضحكات ياقوت ونسمة المكبوحة خوفاً من إثارة حنق تلك الغاضبة.. اقتربت منها نسمة بتصميمٍ تجاورها بالتصاقٍ ودودٍ، تتناول بعضًا من صحنها وتشاركها المشاهدة أيضاً لتصيح فيها سماح دون مجاملةٍ بنزقٍ لجرأتها:
- بهت عليكِ بسرعة كده!
حركت لها كتفيها بوجهٍ متوردٍ كأن ما تقر به شيءٌ بديهيٌّ لتكون مصمصة سماح لشفتيها أكثر من ردٍ كافٍ.. ممتعضٍ.
***
الظلام الدامس وصفير الرياح العابث مع حفيف الأشجار كفيلٌ بإثارة الهلع في النفوس لا سيما وجميع ساكني تلك المنازل الصيفية يتمتعون بأوقاتهم خارجاً والقليل منهم نائمٌ.. وحسب خططه المدروسة بكل دقةٍ ممكنة كان المنزل الذي يقصده خالٍ تماماً من زائريه.
كانت الساعة قد تخطت الثالثة فجراً بعشر دقائق.. عشر دقائق فقط كانت أكثر من كافية ليقفز من النافذة الصغيرة الملحقة بالمطبخ تبعها تجول في أركان المكان المظلم وبيده مصباح صغير يشع بإضاءةٍ خافتةٍ حتى عثر على مبتغاه بعد بحثٍ لم يطل، يقلب الأوراق المنشودة ببصرٍ متلهفٍ و حاجباه يرتفعان كلما ضاقت عيناه تمعنًا أكثر فيما بين يديه.. ليهمس لنفسه مخبولًا بما يرى:
- الله يحرقك راجل***.
فعلى ما يبدو أن هذا الرجل يكن لحلمي الجمال معزة خاصة.. التقط عقيقه الأسود لمعة ذهبية تتراقص في خبثٍ ايتبسم لها في ظفرٍ، فقد عثر على غنيمته الخاصة.. عدة قطع من الذهب الخالص تشكلت على هيئة حلي قرر أنها من نصيبه فما أجمل من إصطياد عصفورين بحجرٍ واحدٍ!
جمع غنائمة في جيب بنطاله على عجلٍ وتحرك يغادر المكان سريعاً، عاد أدراجه من جديدٍ عقب عدة قفزات تشبه السابقة ولا عزاء للحارس الغارق في ملكوت النوم.. بعد برهةٍ كان يعبأ أنفاسه بنسيم الفجر الذي يلفه ظلام لم ينقشع بعد، حتى انتهى داخل السيارة الرابضة على بعد أمتارٍ يتنفس الصعداء.
بعد حينٍ..
يشق طريقه بسرعةٍ صاروخيةٍ تعدت المئة كيلو والستين، تلفح وجهه ذرات الهواء الباردة فتصفعه بقوةٍ ولا تفلح في تهدئة عقله الذي يعمل بصخبٍ لا يهدأ، يفكر ويدبر أمر القادم.. قادم غير مساره في آخر لحظة لتتبدل قطع الأحجية وتكون لصالحه.
ليصدمه القدر بقادمٍ أسقط أحجيته فوق رأسه وبعثر قطعها كلًا على حدى؛ حين ظهر من العدم أمام عيناه دورية تفتيش مفاجئة تخص الشرطة تربض على بعد أمتارٍ قليلةٍ، وجحوظ عينيه وازاى فقدان سيطرةٍ على مكابح قررت أن تقلص المسافة.. وسقط في فخ مخططاته!
أنت تقرأ
الغنيمة
Lãng mạn"حسن صبري" ابن الحارة الشعبية واللص ذو الأيدي الخفية توكل له مهمة اختطاف ابنة رجل الأعمال الثري تحت مسمى تصفية حسابات.. ترى إلى أي حد تتشابك المصائر وتختلط الأقدار حين تقع ابنة الخادمة ضحية في مصيدة اللص؟!🕳️👀 - رواية الغنيمة للكاتبة "بثينة عثمان"...