الخاتمة

196 11 3
                                    

الخاتمة

انتصف النهار ومازالت التحضيرات على قدم وساق، يتوافد الحضور عبر بوابة المزرعة كل حين في استعداد للزفاف المرتقب..
يعج منزل العروس بالنساء وبغرفتها كان يتحلقون من حولها ناشرين البهجة بالزغاريد المتواصلة، تنهي خبيرة التجميل عملها فتنال العروس نظرة رضا من الجميع وهتافات متناقله عبر الألسن..
تهلل سماح:
- عسل ياعيشة..
تتبعها غنى:
- مبروك ياشوشو..
وتجود ميسون:
- يابختك يا أنس..
وتختتم نسمة:
- ربنا يسعدكم.
فتتخضب وجنتا العروس وتصمت ضاحكة.
وعند العريس كان ينهي آخر لمساته، يقابل الغمزات من حوله ببهجة حقيقية، فبعد صبر طال لسنوات سوف تتوج قصتهما الليلة، تنتهي حياة وتبدأ أخرى برفقة من اختارها القلب خليلا..
- عايز أشوف الضحكة دي كمان سنة كده يا أنوس.
عاتب مهند شقيقه بجدية:
- سنة إيه ياماهر عيب عليك.. هما ست شهور.
صد محاولات الأخوين البائسة بابتسامة وتلاعب حاجبين:
- ده اللي بنسميه حقد المتجوزين.
هنا تدخل أحمد مؤكدا:
- غيرانين، سيبك منهم ياعريس وركز معايا وخد عصارة الخبرة.. أصل اللي داخل الموضوع ده يابني مفقود!
- يلا يااا..
ومنع الغلط مستبدلا التتمة بمايليق بعريس محترم لا يخل بقانون الأدب:
- شوية متجوزين.
قهقه الرجال بينما فتح الباب وطل أخوه الأكبر مغمغما باستعجال قاطعا مزاحهم الثقيل:
- يلا ياعريس، المأذون وصل..
وتوقف للحظات يتأمل هيئته شاعرًا ناحيته بأبوة تفوق الأخوة.. توقف أنس يبادله النظر شاكراً على كل مافعل ومازال، دنا منه معانقًا إياه بقوة، بفضله تغير مسار الحياة وأصبح أكثر قيمة وذا معنى.. ربت حسن فوق ظهره بسعادة في الأصل منبعها سعادته الجلية وحين ابتعد شد على كتفه، ظنه الأول سيبارك زواجه حتى قال بارتخاء جفنين واكليشيه سينمائي مبتذل:
- اهرب يا ياسين.. اهرب ربنا معاك.
وهرب بالفعل من بين مزاحهم الثقيل مخلفًا صخب ضحكاتهم من ورائه، سيذهب ويأخذ عروسه حتى يتمم هذا الزواج المعقد الأشبه بتخصيب اليورانيوم!

وبعيدًا عن اشتباك الكبار كان هناك فوق رقعة خضراء اشتباك بين الأشبال الصغار، يراقص علي ذو الأربع سنوات فريدة ماهر ذات الثلاث بينما يعانق شهاب البغدادي الآنسة مريم حسن صبري صاحبة العام ونصف مقبلا شفتيها فجأة مما نفض السيد محمود أحمد زين الدين صاحب العامين في حمية شديدة تخص ابنة خاله دفعته لصفع شهاب هذا فسقط كلاهما معا مما دفع بكبيرهم لرد الصفعة ظنا منه أنه أفسد متعة مريمته الصغيرة.. واحتدم بينهما العراك!
هرول حسن ناحيتهم وبالكاد خلص محمود المستغيث من بين هجوم ابنه معنفا إياه، بينما تلحق به أميرة الغاضبة، تأخذ بأخيها الباكي وتنفض عن ملبسه ماعلق فيه من تراب، ترشق علي بازدراء واضح وتهتف فيه دون اعتبار لوالده الواقف:
- لو قربت منه تاني هضربك!
رفع حسن حاجبيه متعجبا جرأتها بينما ينظر لابنه موبخا إياه أكثر:
- احترم نفسك بقى وبطل تلطيش في خلق الله.
لم يعجه حديث أبيه فرد بقوة:
- هو اللي وقع مريم الأول.
حرك رأسه في قلة حيلة وتحرك به عائدا حيث الحفل القائم يتبعه بقية السرب.

حينما انتصف الليل كما فعل النهار من قبل حمل العريس عروسه وانطلق بها حيث عش الزوجية تحت نظرات والدتها الدامعة وأبيها الغيور، تصاحبهم الدعوات والتمنيات السعيدة.
كما مضى الأهل والأصدقاء كلٌّ إلى حياته يستأنف ماتبقى من حلوها ومرها، متخطين العثرات والحواجز، متشبثين بغنائمهم المكتسبة.
لم يتبقَّ سوى أربعتهم أمام منزل المزرعة الذي سيبيتون فيه ليلتهم، على كتفه يرتاح علي النائم بينما مريم المتلهفة لصدر أبيها تسكن ذراعي أمها، يودعون آخر المغادرين بكف ملوح حط بعد اختفائهم فوق كتف زوجته التي استكانت بدورها لضمته، خاتمين الليلة بخطوات متجاورة وباب موصد.
ويحدُث أن تُمنح الغنائم للباحثين عنها من بين ركامِ الخسران,
للمثابرين المتمسّكين بالنجاةِ رغمَ تكرار الغرق,
للمدركينَ العارفينَ أنّ الغنيمةَ الحق؛ هيَ كلُّ نفس خاضتْ نزالَ الدنيا ومابَغَتِ!

تمت بحمد الله
16/ سبتمبر/ 2018
بثينة عثمان

الغنيمةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن