★زوي★
الحاضر
سحقت ورقة شجر يابسة تحت حذائي، ورفعت نظري نحو تلك الكنيسة العتيقة، التي بدت رغم ضخامتها وكأنها تنهار تحت ثقل الزمن. هنا، في هذا المكان المهيب والمفعم بالكآبة، أقيمت مراسم جنازة سارة. كان الهواء يثقل بصمت قاتم، حتى في هذا اليوم الصيفي الذي لا تشوبه غيمة. تنفست بعمق، وشعرت ببرودة خفية تسري في عروقي.
القس وقف على المذبح، صوته يتردد في أرجاء الكنيسة كما لو كان ينبعث من قلبه ذاته، بينما كان الحاضرون يرددون بصوت واحد:
"آمين."
آخر مرة حضرت جنازة كانت لجدتي، منذ سنوات، لذا بدا لي هذا الموقف غريبًا، حتى أنني وجدت نفسي أنسى ما يجب أن يُقال في مثل هذه المواقف. نظرت حولي، فالتقطت عيناي مجموعة من الفتيات الشابات، كلهن في نفس عمر سارة. الأولى رمقتني بنظرة باردة ثم أدارت رأسها بسرعة، والثانية همست بشيء لصديقتها، بينما كانت الفتاة الرابعة تمسح أنفها بمنديل حتى احمرّت بشرتها بشكل ملفت.
بما أنني محامية تتقن قراءة لغة الجسد، قرأت هذه الحركات كما تقرأ الفصول المفتوحة:
الفتاة الأولى التي نظرت إليّ ثم استدارت بسرعة كانت تتظاهر باللامبالاة، لكن توتر عضلة كتفها فضح شعورها الداخلي. ربما كانت تحاول إخفاء شيء.
أما الفتاتان المتهامستان، فلم يكن لديهما ما يخفيانه سوى النميمة، وهو أمر ليس له علاقة بلغة الجسد، لكنه انطباعي الشخصي.
أما الفتاة الرابعة، تلك التي كانت تبكي بحرقة، فقد كانت الأكثر صدقًا بينهن. دموعها لم تكن مجرد تعبير عن الحزن؛ كانت انعكاسًا لكسر عميق في قلبها
تقدمت وجلست بجانبها، مثبتة نظري على القس الذي واصل تلاوة الصلوات. فجأة، فزعت قليلاً عندما ردّد الجميع "آمين" بصوت واحد، فلم أتمكن إلا من نطق حرف النون بصوت خافت، كمن يخشى أن يُسمع.
"آسفة لما حدث لسارة. لترقد روحها بسلام."
رفعت الفتاة الباكية عينيها الداكنتين نحوي، بريق الدموع فيهما أشبه بالشكولاتة الذائبة، وكأن كلماتي زادت من أوجاعها. انهمرت دموعها بغزارة أكبر، وصاحبها شهقات مرتعشة.
"كانت تحب الدراسة. أرادت أن تصبح مهندسة..." قالت بصوت مخنوق، وتابعت بين شهقاتها: "ما حدث لها لا يمكن احتماله."
أحطت كتفيها بذراعيّ، ومسحت على شعرها. شعرت بثقل حزنها يلامس روحي. هذه الفتاة لن تتجاوز وفاة صديقتها بسهولة. لو حدث ذلك لصديقتي الوحيدة إيشاني، لكانت الصدمة أعظم بكثير، وربما لم أكن لأتحمل.
وفي تلك اللحظة، ارتفع صوت القس بالصلاة التي ملأت الكنيسة برهبة عميقة: "أيها الرب الرحيم، نسلم لك روح سارة، ونطلب منك أن ترحمها وتجعلها في ملكوتك السماوي. امنحها السلام الذي لا نهاية له، وامسح دموع كل من يبكي لفراقها. اجعلنا نصبر ونتعزى بوعدك بالحياة الأبدية، حتى نلتقي بها يومًا ما في حضنك الأبوي."
أنت تقرأ
Maybe in another life.
Romanceكانت فتاة طموحة، وهبت حياتها ليكون والداها فخورين بها، مدللتهم الوحيدة، يونانية متغطرسة بقدر ما كانت لطيفة مع الناس. ذات يوم، صادفت رجلاً غامضاً، نرجسياً في نظرها، يعمل في كافتيريا لكسب قوته اليومي. لم تكن تعرف الكثير عنه، ولكنه اختفى فجأة وغادر حيا...