الفصل العاشر.

5.2K 310 36
                                    


☆لوكا☆

قبل ثمانِ سنوات

لمست القماشة الرخام البارد برفق، وحركتها عبر السطح اللامع للمطبخ. كل شيء حولي يلمع الآن، مشع ببريق هادئ يريح عيناي. هكذا أفضّل الأمور، مرتبة ونظيفة، لأن الكمال ليس خيارًا بل جزء من شخصيتي.

قد يظن البعض أنني مصاب بعقدة نفسية أو هوس مرضي، لكن هذا أنا ببساطة. الأمر أكبر من أن يُطلق عليه اسم علمي معقد، هو جزء أساسي من تكوينتي. بينما كان الأطفال في سني يغوصون بأيديهم في الوحل ويضحكون ببراءة، كنت أنظر إليهم باحتقار، غير قادر على أن أفهم كيف يجدون متعة في الفوضى. حتى في طفولتي، كنت مختلفًا. عندما كنت ألعب مع الآخرين، كنت أحرص على نظافة الأشياء من حولي. أتذكر جيدًا مشاجرتي مع ابن الجار في يوم صيفي حار بإيطاليا؛ حيث قمت بتنظيف كرة القدم خاصته بيديّ المرتجفتين من القرف، و ما كانت رد فعله سوى اتهامي بأنني أنظر إليه بازدراء، فقط لأنني أردت الحفاظ على شيء بسيط مثل كرة نظيفة.

لم أندم قط على هوسي بالنظافة، بل تقبلته كما هو. في الواقع، قادني هذا الهوس إلى العزلة. الناس غالبًا ما يجدونني صعب المراس، لكنني اخترتها رغم كل شيء، لأنها تمنحني المساحة اللازمة للتفكير بوضوح والابتعاد عن عبث الآخرين. وهنا، في هذه العزلة، وُلد حلمي.

لا أريد أن أصبح طبيبًا أو مهندسًا مثل بقية الشباب. بل أردت شيئًا أكبر، شيء يتطلب القوة والهيبة. حلمت بأن أصبح زعيم مافيا، شخصية يحسب لها الجميع ألف حساب.

حياتي لم تكن كحياة الآخرين. لم أملك رفاهية الدراسة مثل البقية. حتى مع ذكائي العالي، لم تكن لي فرصة لمتابعة تعليمي. عندما كنت في الحادية عشرة من عمري، كنت بالفعل غارقًا في عالم مظلم. سرقنا، أنا وابن عمي جوزيف، قلادة تساوي 100 ألف يورو من إحدى العائلات المافيوزية في إيطاليا. لم يكن لدينا خيار سوى الهجرة إلى أمريكا.

أنطونيو كاستيلانو كان يعرف ما فعلناه، لكنه لم يكن غاضبًا. على العكس، نصحنا بأن نبتعد عن الأنظار لفترة، وأن نعود في الوقت المناسب. كان يرى فينا شيئًا يستحق الفرصة، وقد عادت عائلته اليوم للسيطرة على مساحات واسعة من أوروبا، متغلبة على عائلات مثل لوتشيانو وغريمالدي ودي لورينزو. العلاقات مع كاستيلانو لا تزال قائمة، وها أنا اليوم، في طريقي نحو أن أكون الشخص الذي طالما أردت أن أكونه.

لست شخص مغرور، لكن الحقيقة تفرض نفسها، لقد كنت السبب في 55% من هذا النجاح، وهو نجاح يتجاوز حتى أنطونيو وعائلته. لديهم القوة، نعم، لكنني من وضعت الخطط الأكثر ذكاءً وفاعلية. أنا من أشار عليهم بالسيطرة على الأراضي الصغيرة قبل التوسع نحو القوية، و أنا من اقترح عليهم اختراق الجهات السياسية الطامعة في المال. كنت أنا من نصحهم بالبقاء بعيدًا عن الأنظار، تجنبًا للعائلات المافيوية الأخرى، وإبقاء الأمور طي الكتمان كي لا ينهار كل شيء تحت ضغطهم. كل فكرة طرحتها لهم، كل خطوة اقترحتها، أُنجزت بنجاح منقطع.

Maybe in another life.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن