الفصل السادس.

5.1K 388 50
                                    


☆لوكا☆

الحاضر

صوت الساعة يتردد في الفراغ الصامت كدقات قلب ميت.

تك.

تك.

تك.

تشير العقارب إلى التاسعة والنصف صباحًا.

الرجل الجالس على الكرسي مكبل اليدين، ووجهه مشوه بكدمات داكنة، يتنفس ببطء. الدم يسيل من زوايا فمه وأنفه، كأنه تعرض لحادث اصطدام مميت. كل ضربة يتلقاها، وكل لكمة تتساقط عليه، كانت تزيد من تشوه ملامحه. تمنيت للحظة أن أكون أنا من يوجه اللكمات، لكنني كنت فقط أراقب، مستندًا ببرود إلى مكتبي الخشبي، وذراعاي معقودتان، كأنني شاهد غير معني بما يجري أمامه.

"من سرق البضاعة؟" صرخ جوزيف بغضب، قابضًا على ياقة الرجل، يهزه بعنف كما لو يحاول انتزاع الحقيقة من صدره.

الرجل أخذ يتنفس بصعوبة، أنفاسه متقطعة ومرهقة. رفع رأسه قليلاً ليواجه جوزيف بعينين غائرتين، همس بشيء بالكاد يُسمع، لكنه كان واضحًا بما يكفي: "لن... أقول."

قبل أن يُنهي جملته، لكمة أخرى قد أطاحت به مع الكرسي إلى الأرض.

مررت أصابعي بإيقاع بطيء على بعضهما البعض، كما لو كنت أنفض عنهما غبارًا غير مرئي. نظرت إلى جوزيف الذي كان يمسح عرقه بيده الدامية، ثم يتوجه نحو الطاولة ليصب لنفسه كوبًا من النبيذ. نظراته كانت قاتمة، وقبضته المشدودة تروي غضبه.

رميت مجموعة مناديل ببرود نحو جوزيف. "قطرة دم واحدة على هذه الأرضية، وستلحقه."

اقتربت من الرجل الملقى على الأرض، محاولاً استجماع قواه، ملابسه كانت ملطخة بالدماء. لحسن حظه، لم تكن البضاعة تخصني. لو كانت كذلك، لكان قد مات بالفعل بأكثر الطرق إهانة. مبدأي بسيط:

النظافة ضرورة، والقتل فنّ يحتاج إلى دقة.

أشعلت سيجارة واستنشقت الدخان بعمق، ليمر عبر صدري كسم بطيء، يملأ رئتيّ بالنيكوتين.

"النجمة؟" جاء صوته مترددًا، بالكاد يستجمع نفسه. بالرغم من قربه من الموت، لا يزال لديه الجرأة على النطق.

خفضت بصري نحو وشم النجمة على ذراعي. كانت النجمة بعيدة قليلاً عن باقي الوشم الذي يغطي جلدي. نجمة ممتلئة بالذكريات، مرتبطة بشخص عنيد وثرثار. ابتسامة باهتة مرت على شفتي بشكل لا إرادي.

لكن تلك الابتسامة اختفت بسرعة عندما رأيت الرجل يحدق في الوشم طويلاً، ثم ينقل نظراته إلى وجهي. بدا وكأنه يحاول قراءة مشاعري، وكأنه قد فهم شيئًا لا يجب عليه أن يفهمه. تجرأ على التفكير أنني قد أكون شخصًا... عاشقًا؟

بالطبع، لن أسمح له حتى بالتفكير في نجمتي الصغيرة، فما بالك بتخيلها؟ ببرود قاسٍ، التقطت المسدس بمهارة، دون تردد، وضغطت الزناد. الرصاصة شقت الهواء في خط مستقيم، ثابتة ودقيقة، لتستقر بين حاجبيه. سنتمتر واحد فقط كان كافيًا لاختراق الجمجمة وبلوغ الدماغ. الموت كان فوريًا، نظيفًا، ومؤكدًا.

"اللعنة عليك!" صرخ جوزيف بفزع، هرع نحو الجثة ليتأكد من الطلقة. نظرته المذعورة تحولت إلى يقين عندما شاهد الدقة المميتة. مهارتي في التصويب معروفة؛ سنتيمتر واحد فوق الحاجبين، و تنتهي القصة.

غمغمت بهدوء وأنا أخفي المسدس في السترة السوداء : "لن يتكلم. كان ذلك واضحًا". لوحت بيدي لآرثر، حارسي المخلص، الذي اقترب بسرعة لسحب الجثة وتنظيف آثار الرصاصة التي أطفأت ما تبقى من دماغ الجثة المتضعضعة.

خرجت من المكتب إلى الحديقة الشاسعة المحيطة بمنزلي. الشمس كانت ساطعة، النافورة المركزية تقذف بخيوط المياه الرفيعة، متناغمة كأنها تعزف سمفونية صامتة. الحرس منتشرون حول المكان، أعينهم تراقب بلا كلل. هذا المكان يعكس حياتي: قصر محصن، يبدو هادئًا من الخارج، لكنه مزدحم بالمافيا والعنف في داخله.

دست على سيجارتي المتوهجة، مطفئًا إياها تحت حذائي عندما اقترب مني آرثر، صوته الخشن قطع أفكاري.

"سيدي..."، قال وهو يمسك بجهاز تابلت، ووجهه يشع بالجدية. "لدينا مشكلة".

ظهرت صورة على الشاشة. "سارة كيمونو، تم العثور عليها مقتولة ليلة أمس." سحب صورة أخرى. "طالبة في ثانوية إيست ريفر. تعيش مع والدتها تيفاني وشقيقها البالغ من العمر 16 عامًا يُدعى أكسيل." توقف لبرهة، عارضًا صورة الطفل والمرأة.

تناولت رشفة من شرابي ببطء، وكأن ما يحدث أمامي مجرد تفاصيل عابرة في يوم طويل. لكن عندما ظهرت صورة الجثة، تقلبت معدتي بتقزز طفيف. لم تكن الجثة الأولى التي أراها اليوم، ليس و كأنني لم أقتل شخصًا تاركاً عيناه تناظرانني بتأنيب.

"سيدي، أحدهم أرسل صورة تظهر فيها وكأنك الجاني." قال آرثر بنبرة أكثر جدية.

ضحكت ببرود، "ليست المرة الأولى. أليس كذلك، آرثر؟"

هز رأسه موافقًا، لكنه تابع بقلق: "المشكلة ليست الصورة فحسب. المحامية الخاصة بتيفاني تدخلت في القضية". توقفت عن الشرب، ووجهي صارم فجأة.

سحب صورة أخرى. عند رؤية الوجه التالي، تجمدت يدي حول الكأس، كل شيء بدا وكأنه توقف. اللعنة...

هي.

شعر بني طويل، عيون لوزية بلون العسل، وابتسامة صغيرة تعيدني إلى زمن مضى. صورتها هناك، وسط الفوضى.

"زوي إيفاندر"، همس آرثر، عيناه تحومان حولي بحذر. "ابنة كلارك إيفاندر."

الزجاج في يدي تحطم تحت ضغط قبضتي. كنت بالكاد أشعر بألم الشظايا التي غرزت في جلدي؛ الألم الحقيقي كان في الداخل، رؤية زوي هنا... في هذا الظرف اللعين.

اشتقت إليها. اشتقت إليها بشكل لم أكن أدركه حتى هذه اللحظة. كانت هي الوحيدة التي استطاعت أن تحرك ما بداخلي، أن تجعلني أشعر بما ظننت أنه مات منذ زمن.

لكن الآن؟ هي هنا، في هذه الصورة، تتولى قضية تتعلق بي. شعرت بغضب يجتاحني مثل إعصار لا يمكن إيقافه.

بصوت متهدج بالكاد تمكنت من كبحه، أمرت آرثر، "استدعي رئيس القسم فورًا." حطمت التابلت بيدي، شظاياه تناثرت على الأرض، كما تناثرت أفكاري المشتتة.

لن أسمح لها بالانغماس في هذه الحياة المظلمة. ليست زوي. ليست نجمتي الصغيرة.










★☆★☆★☆★☆★☆★☆★

رأيكم بالفصل السادس؟

Maybe in another life.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن