"10" الظرف الأسود

3 2 0
                                    

نوبات هلعٍ تغلبا عليها بعد عناء لينتهي بهما الأمر نيامٌ على الأريكة في الصالة، أما ألبرت وَ إدريان تسببا لي بالدوار لكثرة ما يتحركون أمامي ذهابًا وَ إيابًا، بينما نظراتي معلقة على تلك الشجرة في الزاوية، أظن أنها شجرة الميلاد الاسوء على مرّ التاريخ إلى الآن، لقد علق عليها رجلٌ بدمائه بدلٌ من الزينة، أنها الليلة الثانية التي تشرق فيها الشمس وَ أنا لم أحظى بقسطٍ من النوم فيها، سأصاب بالجنون لو بقيت على هذا الحال، تمددت بالقرب من آشلي، لعلّ ذلك المشهد يفارقني لبرهة، ما أن أغمضت عيناي انتشلني النوم لأختبئ بأحضانه بعيدًا عن صخب الواقع...






وقف يبعثر خصلات شعره البني، لينبس بخفوتٍ أثر نوم الفتيات..

"ألبرت ها قد ولج الصبح، لم يبقى داعي لبقائي هنا، أنتَ ستفي بالغرض، لكن لو احتجتم شيء أتصل بي"

همهمت له أفرق رأسي عن حضن يداي له..

"حسنًا، لكن كن حذرًا، وَ أنتَ أيضًا لو احتجت شيء، أتصل بي"

استدار ليقبض على مقبض الباب يهمّ بالخروج مردفًا..

"إذًا هيا إلى اللقاء"

لتنفرج أساريري، ترتسم إبتسامةٌ على شفتاي دون إذنٌ مني حالما رأيت آشلي تسمح للشمسين في مقلتيها بالشروق، تنظر لي بنظراتٍ مطولة دون أن ترف رمشٍ لتصرخ دون سابق إنذار..

"ما الذي تفعله هنا أنتَ، هل أتيت لأختطافنا ثم تقتلنا وَ تعلقنا على تلك الشجرة؟"

هرعت لأجثي أمامها أردف..

"اهدئي آشلي، هذا أنا ألبرت لن أخطف أحدٌ منكم، أنا هنا فقط لحمايتكم"

دلكت صدغيها، لتهدأ وتيرة أنفاسها المظطربة، تنزل رأسها بحرج دون أن تسمح لمقلتيها بالتلاقي بي..

"لقد كان النوم لا يزال يستحويني، لهذا صرخت بك"

ابتعدت أعود إلى المكان الذي كنت أجلس به، وَ على أثر صوتنا قد استيقظا الأخريات، لأكمل بنبرةٍ ساخرة..

"أرأيتِ يا أردا أختكِ هذه، جعلت مني مجرمٌ ينوي اختطافها، ما رأيكِ أن أفعل؟"

رسمت زيف إبتسامة..

"ألن تتوقفان عن مناوشاتكما هذه؟"

فارقت الوسادة لتعقد شريطةٌ بشعرها توجه نظرات حقدٍ نحوي تسترسل بالحديث مع أردا..

"لكن هو من بدأ وَ أتى ليجلس أمامي بينما أنا نائمة من الطبيعي أن أظنه وحشٌ أيضًا ليس مجرمٌ فقط"

نهضت أردا بتململ لتتجه إلى المطبخ تتناول كوب ماءٍ تهم في شربه..

"توقفي عن هذا الآن يا آشلي لست بمزاجٍ يسمح"

كتفت ساعديها الأخرى وَ عقدةٌ تكونت بين حاجبيها توجه نظرات تهديدٍ لي..

"سأصمت لأجلكِ فقط"

عادت لتجلس أمامي تضع إحدى الوسائد في حجرها تبعثر خيوطًا متدلية منها بتوتر..

"إذًا هذا جيد، ألبرت ما الذي يجب علينا فعله، الفوضى التي حدثت ليلة أمس ما الذي جرى يا ترى، هل يتوجب علينا الذهاب إلى الصحيفة؟"

هو أرخى رأسه على الكرسي الخشبي الذي يجلس عليه، يغمض عيناه كأنه يسترجع مشهد البارحة لإمام عيناه، بصوتٍ متهدجٍ...

"ليس هناك داعٍ للذهاب إلى الصحيفة اليوم، لقد أتى أحدهم من الصحيفة يحمل الخبر إلى هنا قبل ساعتين لتقومين بكتابته أنتِ، وَ لا أعرف سبب اختيارهم لكِ، لكن إدريان رفض أن ييقيظك، وَ قام بكتابته هو، وَ المريب بالأمر يا أردا أن الضحية هذه المرة أيضًا من ميتم ويلتون، أنه السيد «دارون المدير السابق للميتم»، كما أن كرزةٌ تركت بجانب اللوحة، أشعر بأن القاتل يحاول إيصال رسالة عبر قتله لهم"

وضح التوتر على ملامحي وَ الدوار عاد مرةٌ أخرى، كيف وَ لمَ يحدث هذا، ما صلتي بالأمر أنا، لما أنا من يطالب بكتابة الخبر، ألبرت محق هناك رسالة وَ أشعر أني جزءٌ منها حاولت إبعاد صوت أفكاري وَ التظاهر بأني لست مهتمة إلى ذلك الحد لا أريد أن يكشف أمري الآن، لأردف...

"حقًا؟، إذًا شكرًا لكما، لتسلم يداه، لكن ما الذي فعلته الشرطة هذه المرة، ألم يتعرفون على هوية القاتل؟، كيف لهم بأن يكونون ببرودة الأعصاب هذه، لا أحد يعلم متى يحين دوره في خوض تجربة سيئة لا عودة منها كهذه"

"في الحقيقة أشعر أن الشرطة تتخفى حول شيءٌ ما، لا يعقل بأن يبقون هكذا، لم أشهد على جرائمٌ بالروع هذا من قبل وَ لم أسمع حتى، كما أني أراهم متهاونين جدًا، لا تحذيرات لا حواجز، لا تفتيش، ربما أنا مخطئ لكن هناك محض شك أن الشرطة وراء القاتل"

أن ما يقوله ألبرت صحيح بعض الشيء فالجريمة السابقة فوتت دون أي أخبار أخرى عنها، لم يكن هناك تدقيقٌ فيها، اكتفوا بنشر الخبر وَ تم نسيانها...

"لكن ما الذي سيجعل الشرطة تتستر على قاتل برأيك؟"

وقف يتجه نحو النافذة يخلع نظاراته وَ كأنه يفكر بعمق بحثًا عن إجابة ترضي فضولنا لينطق...

"ربما ليس قاتل، تحقيق العدالة بطريقةٍ جديدة؟"

قاطعت أفكارنا ليزا تصرخ من داخل المطبخ..

"ألبرت أذهب وَ أحضر الخبز نحن على وشك الإنتهاء من تحضير طاولة الفطور"

ليهمّ في الخروج تاركًا إياي أخوض معاركٌ مع أشباح التوقعات في رأسي..

ما أن خرج هوَ لينطرق الباب طرقةٌ خفيفة، ظننته نسي شيءٌ ما، هممت امشط خطواتي نحوه لأفتح الباب لكن لم أرى أحدٌ خلفه، عدت لأغلقه لكن لمع في عيني ذلك الظرف الأسود الذي وضع على حرف الباب، أخذته أسرع في غلق الباب، ركضت إلى غرفتي، رغبةٍ بمعرفة مكنون الظرف دون أن يراه أحد، لكن لا اسم عليه، فقط ختمٌ شمعي باللون الأحمر، يداي لامست الختم  أوشكت على فتحه، لكني سرعان ما أخفيته خلفي أثر فتح آشلي الباب دون أن تستأذن تشير لي أن أخرج لنبدأ الاكل فألبرت قد عاد وَ هي تحمل نصف شطيرةٌ نصفها الآخر في فمها....

زهقٌ مُتوارٍحيث تعيش القصص. اكتشف الآن