"11" الرسالةُ الثانية

4 2 0
                                    


نال مني اليأس ما نال، أما الأزرق نامَ على منكبي سنينٌ طوال لكن وجوده في عيناكِ رغم الألم بعث بي الأمان مني ، أفقد ذاتي بين كومة جدارن تعكس كومة وحوشٍ تلتهم برائتي دون وجدان، بات الخوف رفيق الزمان، أمٌ لي تلك الأحلام تربت علي، تنتشلني من دمائي التي ولدت من رحم ظلمهم، إلى نعيمٌ وَ جنان حيث أنتِ «أردا» لا أحدٌ سواك، قد غفوت ليالٍ ليتها لم تكن إلا أوهام، لكنها كانت وَ كنت في ذاك المكان، ظلامٌ على ظ نال لام، ضحكاتٌ ألحانها خبثٌ لا سلام، نظراتٌ وَ المسيء من الكلام، ما ذنب طفلًا لم يدرك بعد ماذا يعني أن يكون إنسان؟ ليصبح هجين تلك الاسقام...




لقد مرّ أربع سنينٌ أُخر لأكون قد قضيت إحدى عشر عامًا أشاهد جريمة قتلي ببطء، وَ لم تنتهي بعد لا زال بحوزتي سنتان ، بدأ العد التنازلي، سأجهز قاعةٍ أخرى لإعادة المشاهد ذاتها بجودةٍ أعلى، بدايةٍ بكلوي وَ هي تذيقني الموت كل يوم إلى ذلك الذي يدعى دارون وَ هو يبتر قلبي كلما نبض، أذكر جيدًا أساليبه التي أتبعها معي منذ قدومي إلى هنا، لم يأبه لصغر سني أو فقداني لعائلتي بل كان يزيد الطين بلة، قد ضرب براكينٌ في كل شعورٍ رحيمٌ صادفه بي، إلا أنتِ لم يستطيع الوصول إليكِ وَ لن يصل إلى وتيني يومًا ما إنسان، إني خبئتكِ بين اهداب عيناي لن يبصر نوركِ إلا إياي، كان مديرٌ لتدمير كياني ليس مديرٌ للميتم وَ حسب...

حينها كنت جالسًا على أحد المقاعد في ساحة الميتم وقت تناول وجبة الغداء، كانوا لا يسمحون لي بالاقتراب من باقي الأطفال، أتى هوَ ليجلس بجانبي الأيمن واضعًا راحة كف يده على رأسي يداعب خصلات شعري، للوهلة الأولى شعرت بالأمان، لكنها سرعان ما تلاشت حين أبتسم لي في سخرية يردف بنبرةٍ هازئة..

"ما بك أيها الصغير، أتريد الذهاب برحلةٍ إلى الموت، لتلحق بأُمك، أم أنكَ تريد تجربة التعذيب الذي يجربه الآن أباك، أحب الانتماء إلى العائلة"

أنهى جملته يقهقه، لأبعد يده عني وَ طبقةٌ زجاجية قد تكونت على مقلتاي، لأنبس بضيقٍ وضح على معالم وجهي..

"عم دارون ما الذي تقوله أنت أمي لم تمت ستعود لتأخذني من هنا حتى أبي لقد سافر لأجل عمله وَ حالما ينتهي سيأتي هو أيضًا"

نظر لي بشفقة ليدير ظهره تاركًا إياي مع أفكاري السوداء هذه، مرت الأيام وَ الشهور حتى السنين وَ لم يعود أحدٌ منهما بعد، كان يكرر هجمات كلامه اللاذع في كل وجبة كي أتركها راكضًا للداخل، أتناول خيبتي مع كأسٌ من دموع شوقي لهم، وَ في مرةٍ أخرى أقدم على ما هو أشد وطأةٍ علي...

كان الكل قد خلد للنوم داخل المهجع إلا أنا في حجرتي  المظلمة لوحدي كما العادة منذ أتيت، ما أن احتضنت نفسي لأسدل جفناي، أتى من خلف الباب صوت همسًا ينادي بأسمي، مع طرقاتٍ خفيفة تكاد لا تسمع، تجاهلت الأمر في البداية ظنًا مني أنها هواجسٌ لا أكثر لكن أزداد تدفق الادرينالين حين وقع على مسمعي اسم أمي يليه اسم أبي ثم اسمي، لأنبس بصوتًا متهدجٍ

"من في الخارج؟"

غلف الهدوء المكان لبضعة ثوانٍ ليعود إلى ما كان عليه قبل أن أسأل، لأكرر سؤالي مرةٍ أخرى..

"من أنت، ما الذي تريده؟"

لأتراجع إلى خلف حتى منعني الجدار من الاكمال حالما انفرجت اسارير الباب ليظهر من خلفه السيد دارون حاملًا بيده دمى لطخت بدمائي، قد كانت بالقرب مني حين انهالت عليّ السيدة كلوي بالضرب لسببٍ لا يذكر كما تفعل كل مرة، لكن لمَ هي معه لمَ يبتسم لي تلك الإبتسامة الساخرة، تساؤلاتٌ كثيرة راودتني لا أملك إجابةٍ لها، يبدو أنها ليلةٌ من الليالي التي تم دفن إنسانيتي فيها، اقترب مني ليجثو أمامي بينما لا زلت متصنمًا مكاني، ليشير لي بالجلوس، جلست عنوةٍ فلم أعد أقوى على الحراك حتى خطوةٌ، ليردف وَ شيءٍ من الجدية في صوته...

"هل ترى هذه الدمى؟، أنها أنتَ يا فتى، أنظر لها جيدًا تملك ذات لون عيناك وَ شعرك، كما أنها بلا روح، بلا عائلة، بلا قوة، ملطخة بدمائكَ كما أنتَ ملطخٌ بآثارنا"

وجه للدمى صفعةٌ بينما يقهقه وَ قد تسلل الرعب لي من هالة الجو هذه، ليكمل كلامه...

"أرأيت لم تتألم، فهي لا تشعر بالألم لأنها لا تملك مشاعر، ستغدو هكذا أنت، لأنكَ دمى، دمىٍ محشوة"

بدا عليه الغضب، ليبدأ بتقطيع تلك التي بيده بينما يصرخ بصوتًا عالٍ..

"أنتَ مجرد دمىٍ، دمىٍ، أفهمت؟".

تركته راكضًا بهلع إلى خارج الحجرة، اتعثر وَ استقيم في الرواق، لأشعر بأحدهم يمسك بيداي يحثني على الوقوف مجددًا، وَ ما كانت إلا السيدة أيفا، حالما رأت ما أنا عليه، أخذتني بحضنها تشد على وثاقي، لتنهمر دموعي محررًا خوفي من ذلك المختل، لتنبس بخوفًا هي الأخرى..

"بني ما الذي حدث، ما بكَ؟"

لم أقوى على الحديث بعدما حدث، أشرت لها نحو حجرتي لتتزامن أشارتي مع خروجه من الحجرة حاملاً بيده تلك الدمى وَ هي ممزقةٌ لأشلاء، لتضع يدها على عيناي مسترسلةٍ بالحديث...

"لا تخف، أنتَ معي الآن، أنا هنا"

ليلتها، نمت بحجرتها، شعرت بيما تشعرين من دفءٍ يا حسنائي، قد سهرت هي بجانبي حتى شروق الشمس بسبب الهلوسات التي كنت أصرخ بها بعد أن ارتفعت حرارة جسدي من هول ما رأيته ليلتها، وَ حتى اليوم هذا أنا ممتنٌ لها، وجودكِ بسببها، كل مرةٍ آمنت روعي من هؤلاء الوحوش لم أنساها، بالرغم أنها لم تفعل شيءٌ لإيقافهم، لكنها فعلت ما لم يفعله أحدٌ منهم يكفي أنها جعلتني أُبصر نور زرقاوتاكِ آخر نفق ظلمتي، ستكونين شاهدةٌ يومًا على مشاهد الجزء الثاني من المسرحية، ليومها آتأسف أنكِ ستعبرين بحرًا أحمرًا سترين الدماء، حتى تصلين مرسى الأمان، ستصلين لي أنا، وَ سنقرأُ رسالةٍ حظيت على ثمان سنينٍ من عمري رفقةٍ أعدكِ بذلك...

زهقٌ مُتوارٍحيث تعيش القصص. اكتشف الآن