"رحلة في مملكة اوريانث"

93 14 15
                                    

في أعماق مكان برديس السري، تحت الأرض، حيث لا يصل نور الشمس، جلس زيدان، حمزة، ومصطفى في جو يكتنفه الغموض والأسرار. كانوا جائعين ومتعبين، تتعالى في أعماقهم رغبة في الطعام والراحة. برديس، الذي كان يراقبهم بهدوء، أدرك بعيونه المتقدة أنهم ليسوا فقط بحاجة إلى الطعام، بل إلى شيء أعمق - غذاء للروح يحيي الذكريات ويبعث فيها حياة جديدة.

ابتسم برديس ابتسامة خفية وقال بصوت منخفض: "أرى في أعينكم أكثر من الجوع، هناك رغبات قديمة، ذكريات تبحث عن ملجأ. هل ترغبون حقاً بتذوق ماا فقدتموه؟"
ضحك ذيدان وقال هل مافُقد يأتي وايضًا يُأكل!!
رد برديس بصوت هادئ، لكنه كان مليئًا بمعانٍ عميقة:
"نعم، الطعام الذي نعدّه من نحب، ريحته وطعمه يعيدان لنا ذكريات وأشياء فقدناها. هناك من يأكل فقط ليسد جوعه، وهناك من يأكل ليعيش، وهناك من لا تكفيه ملأ بطنه بل يسعى للمزيد. ولكن، هنالك من يأكل ليس فقط ليشبع جسده، بل ليبحث عن ريح شخص أحبه في كل لقمة يتذوقها، كأنها تذكره بلحظات كان فيها مع من يحب."

ابتسم برديس بحزن وهو يضيف:
"الطعام، في بعض الأحيان، يكون أكثر من مجرد وقود للجسد. هو طقوس حنين، ومفتاح لذكريات فقدناها في زحمة الأيام. إنه جسر بين الماضي والحاضر، في كل قضمة نبحث عن شيء غائب عنّا، عن شخص، عن مكان، عن لحظة."

نظر زيدان بحيرة إلى برديس، وتردد للحظات، قبل أن يجيب: "نعم، اشتقت لطعام والدتي، كان له طعم خاص."

تنهد برديس قليلاً قبل أن يتجه إلى الرفوف القديمة في زاوية الغرفة، حيث كانت توجد مجموعة من الأوعية السحرية المغلقة بإحكام. همس برديس بعض الكلمات الغامضة، ثم وضع يده فوق أحد الأوعية بحذر. لكن فجأة، ظهر بريق غريب من الأوعية، وكأنها ترفض الانفتاح.

تراجع برديس قليلاً وقال: "يبدو أن الأوعية ترفض فتح نفسها بسهولة. إنها تحمي ما بداخلها حتى يكون من يطلبها صادقاً ومستعداً للتضحية بجزء من روحه. عليكم أن تطلبوا بصدق وبقلب نقي."

شعر الأصدقاء بالدهشة والترقب، وأخذ كل منهم لحظة للتفكر. بدأ زيدان أولاً، بصوت يملؤه الحنين، قائلاً: "أتمنى لو أستطيع تذوق فطير والدتي بالجبن، كانت تعده لي بحب."

نظر برديس إليه نظرة عميقة، ثم همس بعض الكلمات، ورفع الغطاء عن الوعاء ببطء. انتشرت رائحة الفطير الساخن، وملأت الغرفة برائحة تحمل زيدان إلى أيام طفولته. كانت الرائحة تلمس قلبه كما لو أن والدته قد عادت، وتعد له الفطير بيديها.

ثم جاء دور حمزة، الذي نظر إلى برديس بعينين تملؤهما الحنين: "أشتاق للطعمية والرقاق اللذان كانت تحضرهما أمي صباحاً في قريتنا."

امرأة من عالم الجن حيث تعيش القصص. اكتشف الآن