عندما كان يواجه زيدان مصيره ويستعد لفتح الباب،
"هناك فى البيت المجاور« مصطفي»يواجه نفس المصير
بعد أن دخل المنزل أُغلق الباب
ورائه مثلما حدث مع زيدان.حينما أغلق الباب وراء مصطفى كأنما تُطوى معه صفحة من كتاب الحياة، خيّم على المكان سكون ثقيل وأجواء من الرهبة المتحفزة. كان الصمت كضباب يلتف حوله، يهمس له بأن في هذا المنزل أسرارًا عميقة تتربص لمن يقترب. تلك الأيدي البعيدة التي كانت تحفر في الأرض، بدأت تقرع مسامعه كضربات قدر تقترب ببطء، تنبئه بأن شيئًا ما في الظل قد استيقظ.
التفت مصطفى نحو الصوت، عيناه تتوسعان بذعر مكتوم، ليبصر خمس جثث هائلة الأجساد، مبتورة الأيدي، ملقاة على الأرض كأطلال من زمن عفا عليه الموت. كانت الجثث جامدة، صامتة، لكنها تشع حياة كأنما تنتظر لحظة اليقظة. تسلل الخوف إلى عظامه، وأحس بالدم يفارق وجهه وهو يغمغم في صوته المرتجف بستهزاء :
"مرحبًا! أتفهمون ما أقول؟ بداية، أأسف لدخولي من دون إذن. ثم... أليس من المعتاد أن يقدّم المضيف شيئًا للضيف؟ أريد القهوة!"
ثم اردف: كيف تصنعوها وانتم مثل الدود من غير ايادى.
رمق الجثث المتناثرة حوله، وكأنه في مشهد عبثي يطالب بما لا يمكنهم صنعه، فأجسادهم عاجزة، ملقاة كأنها جمادات تتحداه بالصمت. ومع ذلك، كأن كلمات مصطفى أزعجت تلك الكائنات العاجزة، فبدأت الجثث تتحرك ببطء، تزحف نحوه، في غضب كامن يخرج من عيونهم العمياء.شعر مصطفى بأن الرعب يجتاحه كما لم يفعل من قبل، حاول التراجع خطوة خطوة، لكن قدميه خانتاه فسقط، وعيناه لا تفارقان تلك الجثث الزاحفة إليه، يتقدمهم رجل متهاوي الجسد، كأنما الموت عبث به مرارًا فتركه نصف حيّ، يتساقط منه اللحم كاشفًا عن العظام. ارتجف قلبه بداخل صدره، واندفع بقدميه ليضرب وجه الجثة المتقدمة، ثم مد يده إلى خنجره وانتفض وقوفًا، يركع فوق ذلك الجسد ويحفر خنجره في عنقه حتى قطع الرأس، ثم دفع بجسده لينهض من جديد، يسند يده على الأرض الخشبية.
وبنبرة يملؤها مزيج من الخوف والسخرية، قال مصطفى: "كل هذا من أجل كوب قهوة! فماذا كان يحدث لو طلبت العشاء؟"
اندفع مصطفى بين تلك الجثث، صاعدًا إلى الطابق العلوي، حيث دخل إحدى الغرف وأقفل الباب بعنف خلفه. أسند جبينه إلى الجدار، وراح يضرب رأسه علّه يستيقظ من هذا الكابوس المريب، لكن عقله كان يصرخ: "كيف يتحرك هؤلاء الأموات؟ يا الله، كيف يحدث هذا؟"
قطع صوته الداخلي همسات غريبة، صوت كأنما ينبعث من العدم، صوت مميز ببطءه، كأنه صوت يتشكل من أفكار تتخلل هذا الظلام المحيط. تبع مصطفى الصوت حتى وصل إلى غرفة أخرى، حيث وجد رجلاً يجلس على كرسي هزاز، يتمايل للأمام والخلف، الدخان يتصاعد من سيجاره، وملامحه تغيب في ظلال قاتمة، فيما الساعة الذهبية تتدلى من جيبه، لتضفي على هيئته هيبة غامضة.
سأله مصطفى، والفضول يغلب عليه مشوبًا برهبة: "من أنت؟ تبدو وكأنك لا تنتمي لهذا العالم، ولا لهذه الحقبة الزمنية. أين نحن؟ وما هذا المكان الموحش؟"
لم يتحرك الرجل، لكنه أجاب بصوت عميق، ثقيل كالجبل، قال: "لماذا أتيت إلى هنا يا مصطفى؟"
شعر مصطفى بالحيرة، لكنه استجمع شجاعته وسأله مجددًا: "هل تعرفني؟"
أعاد الرجل سؤاله، لكن هذه المرة كانت نبرته أشد غرابة، إذ قال بصوت جهوري يكاد يخترق الظلام: "لماذا أتيت إلى هنا يا مصطفى؟"
رد مصطفى وقد بدأ يكتشف ببطء حقيقة وجوده هنا: "أنا هنا أبحث عن باب العالم الثاني."
ضحك الرجل ضحكة قصيرة، محملة بغموض ثقيل، وقال: "لا تتلهى طويلاً، فإن الموت سيوقظك. يجب أن تتجمعوا جميعًا."
نظر الرجل إلى ساعته، كأنما يعد أنفاس الوقت، ثم أردف: "اذهب إلى النافذة قبل فوات الأوان."
تقدم مصطفى نحو الرجل، تحرك بخطى ثابتة رغم الخوف الذي يضغط على قلبه، لكنه عندما مد يده إلى الكرسي لم يجد أحدًا؛ كان الكرسي فارغًا، وساد الصمت، ليبقى مصطفى وحده في مواجهة الظلام، محاطًا بغموض يشبه نداء الموت.
.......... ❤❤
تقيمك
تعليق
اي اضافه، رئيك دافع إني أكمل
❤❤
أنت تقرأ
امرأة من عالم الجن
Paranormalفي عام 1850، تحولت قرية "العاقير" إلى مقبرة مفتوحة، لا ينبت في حقولها سوى الموت، ولا يملأ هواءها سوى الهمسات المخيفة عن "النداهة". لم يكن أحد يعرف ما إذا كانت هذه المرأة المسحورة كائنًا من الجن أو روحًا ضائعة، لكن الجميع أيقن أنها ليست من عالم البشر...