استمروا في السير تحت ضوء خافت لمدة نصف ساعة حتى بدأ الظلام يخيّم من جديد. سمعوا أصوات الوحوش من حولهم، وتطايرت خفافيش الليل من كل اتجاه، كما سمعوا أصوات خطوات تقترب منهم، كأنها جماعة من العفاريت تُنادي بكلمة واحدة: الموت.
تحدث تبار : ليقم الشخص التالي ويذكر فعلاً نبيلاً قد أنجزه. .
نظر ليث إليهم، وتحرك لسانه ليتحدث قائلاً: لقد كنت قاطع طريق. نظر الجميع إليه بدهشة، ليكمل حديثه: لا تتعجبوا مما أقول! نعم، كنت قاطع طريق، وقد أزهقت أرواحاً عديدة، وأقمت الرعب في قلوب الكثيرين. كانت الشهوة وحب السلطة المحركين لي، وكان شيطاني يسيطر عليّ. لكن بعد أن قُتل ابني، أدركت الحقيقة، وذاقت نفسي مما ذاقه كثيرون.
قررت التوبة إلى الله ورجعت إليه بصدق، وعاهدت نفسي ألا أعود إلى أي فعل حرمه الشرع. كما تعهدت بمواجهة أي تهديد أو شخص يسعى لزرع الخوف في قلوب الأبرياء.
لذلك، عندما علمت أن شيوخ القرية اختاروني في مهمة إنقاذ العاقير، لم أتردد لحظة في أن أوافق على هذه المهمة، حيث قلت لنفسي، حتى لو حدث لي مكروه، سيكون ذلك تكفيرًا عن ذنبي.
كان شيخ الجامع يقول إن الله سبحانه وتعالى قال: 'أنا عند ظن عبدي بي'، وأنا أؤمن أن الله سيغفر لي ويسامحني. .
تساءل حمزة قائلاً: أين الخير الذي فعلته؟
فأجاب زيدان: الخير الذي قام به ليث في هذه القصة يكمن في قدرته على التغلب على شهوات النفس وترويضها لطاعة الله.
فالنفس، مثل الشيطان في إغوائها، تُزين للفقراء القصور والجاه، مما يزرع في قلوبهم الحقد وينتهي بهم الأمر إلى الحسد. كما أن المرضى قد يُظهرون حقداً على الأصحاء. تزين النفس أيضاً أمام العبد كل محرم، حتى وإن كان ما بين يديه حلالًا.
إن مواجهة النفس تعد حرباً، والتغلب عليها يُعتبر انتصاراً. فالنفس أمارة بالسوء، وليث قد روض نفسه لطاعة الله. .
أضاء الطريق مجددًا بعد حديثه، مما ساعدهم على مواصلة سيرهم. اختفت الوحوش وكل ما كان مُخيفًا، ففُرح الجميع، إلا أن حمزة قاطع تلك الفرحة قائلاً: ليث، هل كنت من قطاع الطرق سابقًا؟
رد ليث بصوت حزين: الحمد لله، لقد استعدت عقلي. استكمل حمزة قائلاً: منذ سبع سنوات، كان أخي عائدًا من اليمن. وفي اليوم الذي كان ينوي العودة، تعرض لهجوم من عصابة قبل العاقير، حيث قُتل وسُرق ما كان بحوزته، الذي كان تمويلاً لسنوات عمله.
ثم سأله: هل تعلم من الذي قام بذلك؟ نظر ليث إلى الأرض، واضعًا رأسه إلى الأسفل، وكانت ملامح الحزن والألم بادية على وجهه. أعاد حمزة السؤال: هل تعرف؟ بدا ليث في حالة من الذهول، وكأن أفق الزمن قد انفتح أمامه مجددًا ليستعيد ذكريات أفعاله المشينة. وفي هذه الأثناء، كرّر حمزة: لماذا لا تجيب؟ أنت من قتلته، أليس كذلك؟ قل لي، أنت من قتلته!
أنت تقرأ
امرأة من عالم الجن
Paranormalفي عام 1850، تحولت قرية "العاقير" إلى مقبرة مفتوحة، لا ينبت في حقولها سوى الموت، ولا يملأ هواءها سوى الهمسات المخيفة عن "النداهة". لم يكن أحد يعرف ما إذا كانت هذه المرأة المسحورة كائنًا من الجن أو روحًا ضائعة، لكن الجميع أيقن أنها ليست من عالم البشر...