"صرخة الكوكب الخامس"

191 26 27
                                    

بعدما عبروا البوابة التي ألقت بهم في هذا العالم المهجور، وجد الأصدقاء أنفسهم جالسين على أرض المريخ القاحلة، يحدّقون في بعضهم البعض بصمت ثقيل، وكأن أرواحهم تستعد لمواجهة شيءٍ أكبر مما تخيلوه. نهضت هاتور بعد لحظة من التأمل وقالت بصوتٍ يشوبه الحنين والدهشة: "أنا أعرف هذا المكان جيدًا... أبي أحضرني هنا عندما كنت طفلة. لكن... كيف أصبح هكذا؟"

رفع زيدان رأسه نحوها، وقال: "أين نحن؟"
أجابت هاتور وهي تمسح بيدها على الرمال الحمراء الكثيفة: "نحن على أرض المريخ."

تأملوا المشهد من حولهم، ليجدوا أنفسهم في مكان يبدو وكأنه مجرّد بقايا لمملكة كانت تعج بالحياة يوماً ما، لكنها الآن خرائب مدمرة وسط عالم مغلف بالحزن والوحشة. كانت هناك مدن كاملة شُيدت في قلب الأشجار العملاقة، أشجار شاهقة حُفرت في جذوعها الغليظة بيوت ومباني. لكن تلك البيوت الشجرية لم تعد كما كانت؛ أغلب الأشجار قد جفت، وبدت أغصانها الطويلة كأنها أذرع ميتة تمتد عبثًا في الهواء، بينما تتدلى الأوراق الباهتة، وكأنها جلود متآكلة أكلها الزمن.

تحوّلت المدن الشجرية إلى هياكل متهالكة، جذوع الأشجار متشققة، ومتآكلة عند الجذور بفعل الرياح والأمطار الحمراء التي حملت معها الغبار، ليغطي طبقاتها بطبقة ثقيلة من الرماد. بعض البيوت المعلقة في الأغصان انهارت بالكامل، تاركة بقاياها معلقة في الهواء كأرواح تائهة، وبعض النوافذ المتكسرة تلوح على ظلام دامس، وأبوابها الخشبية تهتز مع الرياح كأنها تصرخ بآلام الماضي.

قالت هاتور، وقد فاضت عيناها بالدهشة: "لم يكن المكان هكذا... لا أصدق ما أراه. هذه مدن شعب أوريانث، كانت تزدهر بين الأغصان وتنبض بالحياة. شيء ما حدث هنا... لا بد أن أعرف ما الذي جرى."

تساءل مصطفى بفضول: "أوريانث؟ من هم؟"
أجابت هاتور، وهي تنظر نحو أنقاض المدن المعلقة: "كانوا يعيشون بين هذه الأشجار العملاقة، متناغمين مع الطبيعة، يحلقون بين الأغصان، لكن... الآن، لا أرى سوى صمتٍ موحش... كأن أصواتهم خمدت إلى الأبد."

حمزة، وهو يحدّق في الظلال المتراقصة، قال بصوت خافت: "لكننا لا نجد أحدًا نسأله عن ما حدث."
أجابت هاتور وقد التمعت عيناها بشيء من الأمل: "لكنني أعرف من نذهب إليه، الحكيم برديس... صديق والدي."

اتبعوا هاتور، يتقدمون بحذرٍ وسط أنقاض الغابة الجافة، وعندما حلّ الليل اكتملت الرهبة؛ النجوم في السماء بدت كأنها نقاط باهتة، بينما القمران "فوبوس" و"ديموس" يمران كالظلال الداكنة، يزيدان من وطأة السكون المهيب. لم يكن لديهم سوى أصداء الرياح الخافتة التي تنساب بين الأنقاض كأصوات خافتة لذكرى ماضية.

امرأة من عالم الجن _الجزء الأول _نداهة العاقير (مكتملة).♡ حيث تعيش القصص. اكتشف الآن