الأيام مثل ضمادات تهدئ الألم لكنها لا تزيله بالكامل. تبقى الآلام في دواخلنا كضوء خافت يرافقنا، لتذكرنا أن العمر ليس مجرد أرقام تتعاقب، بل هو نسيج من التجارب التي تفتح لنا أبواباً نحو عوالم غير مألوفة. قد نسير على طرق غير مرئية، ومع ذلك سأواصل السير، وأسعى بشغف نحو السماء. صحيح أن الألم قد لا يزول، لكنه مع مرور الأيام يتضاءل، ليغدو جزءاً من رحلتي، يمنحني قوةً للاستمرار ويمهد لي الطريق نحو غدٍ جديد.
بعد اختفاء أنوبيس، وجد مصطفى يد مراكش المبتورة أمامه، فمد يديه ببطء. وبحذر، تناوَل الخاتم من الأصابع الممددة بلا حياة.
هبطت "أفيارا" من السماء، جناحاها يلامسان الهواء بجلالٍ وصمت. مدّت يدها، ثم رفعت السوار بثباتٍ من يد تبار، وقالت بنبرةٍ ثقيلة وكأنها ترثيهم:
"ليس هنا ما تطلبونه، أنتم الناجون فقط… والآن لم يبقَ أمامكم سوى قتل شَكال."وأمام أنظارهم المرتجفة، فتحت بوابةً تفضي إلى ممر طويل ينتهي في ظلال كهف حيث يقبع التنين.
أما تبار، يسير وهو يحدّق حوله بصمتٍ يشوبه الألم، ثم تمتم بصوتٍ بالكاد سمعه رفاقه: "هنا، في هذا المكان الملعون… هنا سقطت. هنا رأيت أحلامي تتفتت، هنا انكسرت، هنا تجرعت مرارة الوجع. أشعر أن قلبي جمرٌ متقد؛ نصفه تكسّر من شدّة اللهب، والنصف الآخر لا يزال ينبض بحرارة الحريق. دمائي سُكبت هنا… وكل جرح فيها شهد على ألمي."
قال مصطفى، بصوتٍ يشوبه الأسى والحكمة: "لا تكرّر خطأي. أنا كالفجر؛ انشققتُ من رحم الظلام لأجد صباحي، لكن صباحي كان مليئًا بالألم والحزن. بدأت هذه الرحلة بدافع الانتقام، . أعلم ما تمرّ به، فلا أحد يستطيع أن يفهم ثقل ما في قلبك إلا من ارتشف من ذات الكأس."
أخذ نفساً عميقاً، ثم أضاف: "الحزن يحاول أن يأسرنا، أن يشدّنا إلى أعماقٍ بلا قرار، وقد عشت فترةً وأنا أظن أنه لن يرحل. لكنّي أدركت، مع مرور الوقت، أن التفكير في الحزن لن يحررني، بل سيجعلني أسيراً له. التجاوز، يا صديقي، ليس نسيان من فقدنا، بل السير في الطريق الذي كانوا ليختاروه لنا… وأن نحمي حياة من بقوا، مهما كان الثقل في قلوبنا."
وقف طائع يتأمل، مستجمعًا شتات كلماته من أعماق صدره، ثم نظر نحو تبار بعينين يملؤهما الألم والأمل معًا، وقال بصوت خافت لكنه مفعم بالعزم:
"هند كانت تريد لنا الحياة، أن نعيش كما يعيش البشر في الخارج، بعيدًا عن هذا الظلام واللعنات... أرادت لنا حياة لم نرَ منها شيئًا، ولكنها كانت ترى لنا فيها أملًا. فإذا خرجنا من هنا، يا تبار، فعلينا أن نمضي بوصيتها، نتمسك بما كانت تريده لنا، وكأنها هي من يسير بنا على تلك الطريق."
أنت تقرأ
امرأة من عالم الجن
Paranormalفي عام 1850، تحولت قرية "العاقير" إلى مقبرة مفتوحة، لا ينبت في حقولها سوى الموت، ولا يملأ هواءها سوى الهمسات المخيفة عن "النداهة". لم يكن أحد يعرف ما إذا كانت هذه المرأة المسحورة كائنًا من الجن أو روحًا ضائعة، لكن الجميع أيقن أنها ليست من عالم البشر...