في يوم المفارقة، وعندما نعي فقدان شخص عزيز على قلبنا، شخص ملئ حياتنا، نستحضر في فكرنا ومشاعرنا كل ذكرياته. نتذكره حنانه وعطفه، نرى ابتسامته، نسمع صوته، نتنشق رحيقه، ولكنها مجرد ذكريات تدخل عالم اللاشيء...
ان الفراق صعب، صعب جدا... لا يوصفه قلم، ولا حبر... حتى الدموع تعجز عن التعبير، انها فقط تتساقط على وجنتينا لاراحتنا من الألم، ألم الفراق.
فالفراق يبقى وجرحه ينزف مدى العمر... ينزف عندما نتذكر فقيدنا، ينزف عندما نشتاق اليه، ينزف عندما نصبح بحاجة اليه.... ينزف وينزف!
لكننا نبكي، نعم نبكي وتتساقط دموعنا بحرقة، ترتجف أيدينا، وهذا من دون نفع!
نعم، انه زوال، لا شيء.
لأنه لم يتسنى للفقيد أن يعرف حبنا تجاهه.
ما قيمة مشاعرنا ودموعنا بعد رحيله؟ ما قيمة كلاماتنا وآهاتنا المرتجفة المبحوحة؟؟
انها فقط تخفف من وطأة الألم، من جرح الفراق...منذ صغرنا ونحن نحلم بالمستقبل، بالأيام التي سنكبر فيها... كنا نطمح بأن نصبح كذا وكذا ونحصل على كذا وكذا... ولكن كبرنا، كبرنا بسرعة حيث أننا أضعنا طريقنا. نسينا احساسنا لا بل تناسيناه...
سمم الطمع أطباعنا، وحصننا بالمراهية والحقد، فالمال سبقنا بأحاسيسنا، والاستغلالية والأنا وحب الذات طغت على المفاهيم!
ألا تعتقدوا بأن هناك مكان يساع الجميع؟؟
لذا، لما ذلك يا أيها الانسان؟ لما؟
ألا يكفيك آلام؟
ألن تكتفي باسقاط دموع والديك لارضاء الذات الانانية الخبيثة؟
ألن تتمهل في نشأتك؟ ألن تكبر ببرائتك وحبك وايمانك؟؟؟
فما نفعهم ان يكبروا وهم كبروا وحوشا أوغادا مسمة؟بعد مرور خمسة أشهر
"أمي، اذا أردت انا غدا سوف أزور منزل المرحوم رامز." قال زين.
"اسمع يا ابني، اذا كنت لا تبالي بغضبي اذهب وتزوجها." قالت فاطمة.
"لكن يا امي ما ذنبها باخوتها؟ انت تعرفينها جيدا هي غير." قال زين.
"تريد أن تتزوج من وحدة اختها رقاصة مطربة ومسجونة بتهمة المخدرات؟ تريد ان تتزوج من عائلة لديها مشاكل كثيرة على الورثة وما شابه؟؟ ماذا سيقولون عنا الناس؟ لا مستحيل." قالت فاطمة بغضب.دخل عليهم سليم، زوج فاطمة ووالد زين.
"عما تتحدثون؟ لا تقولي لي عن جنان؟؟" قال سليم بغضب.
"نعم عن المحروسة، ابنك غارقا بحبها." قالت فاطمة.
"انت صيدلاني، متعلم مثقف ابن عيلة تتزوج من صبية غارقة بمشاكل أهلها؟" قال سليم.
"لا يهمني كلام الناس، لا تهمني مشاكلهم. هي من تهمني." قال زين. ثم وقف كي يخرج من المنزل.
"غدا سنذهب عند عمتك نطلب يد حلا لك، أتفهم؟" قال سليم.
التفت زين واقترب منه وقال: "أنا لن أتزوج سوى جنان..." ثم غادر المنزل بعصبية."حبيبتي أنا خارج." قال زياد وقبّل كارولين.
"ألن تأتي عند العشاء؟" قالت كارولين.
"لا يا حبيبتي، لا اريد ان تشك بأمري سهام." قال زياد وغادر.
كانت كارولين تقرأ مجلة وتشرب كوبا من الشاي، فجأة وضعت يدها على فمها وتوجهت بسرعة الى الحمام كي تتقيئ.
بعد أن خرجت، كانت قلقة جدا ومتوترة.
فجأة طرق الباب.
توجهت كارولين نحو الباب وفتحته اذ برجل أشقر جسيم."جاك... لماذا جئت الى هنا؟؟ ما بك؟" قالت كارولين ونظرت الى الخارج خائفة.
"ادخلي بسرعة." قال جاك ودخل.
"قلت لك لا تأتي الى هنا ولا تورطني بالمشاكل؟" قالت كارولين.
اقترب منها ومسك يديها بقوة ثم قبلها.
لحظات وابعدته كارولين: "ارجوك انا مريضة."
"ستة شهور يا كارولين، وانت تماطلين بهدفنا. يجب ان تنفذي ما خططناه بأسرع وقت، قبل ان يدري والدي."قال جاك.
"قلت لك ألف مرة انها ليست بهذه السهولة، لا تقلق سننجح." أجابته.
"سننجح، متى؟؟ اذا كنت تتلاعبين علي يا ويلك." أجابها بغضب.
"كيف سأتلاعب عليك وأنت خطيبي؟" قالت كارولين.
ابتسم جاك ثم قبلها وخرج."جنان، اعطني الكركم لو سمحتي." قالت فاتن.
"الصلصة أصبحت جاهزة." قالت جنان وأعطتها الكركم.
كانت فاتن وجنان تحضران الطعام.
فاتن عادت الى لبنان بعد وفاة رامز بشهر وستبقى في لبنان سنة كاملة.
"كان يحبها كثيرا، كان يأكلها ويشكرني." قالت جنان بغصة.
"رحمه الله، غيابه قاتل، لكن يجب ان نبقى أقوياء من أجل والدتي ووالدتك." قالت فاتن.
"نعم، أقوياء من الخارج أما داخلنا حطام ونار تشتعل." أجابتها.كانت رندة في غرفتها، فهي رفضت ان تغير أي زاوية من الغرفة بل أبقت سرير رامز، ملابسه معلقة، حذائه بجانب سريره. أبقت ابريق الماء ودوائه على الطاولة، لم تغسل فرشته بل تركتها كما هي، كما غادرها. فقط أضافت صورته ووضعتها بالقرب من صورة سوزان.
"اعتنيا ببعضكما البعض! اشتقت لكما!" قالت رندة باكية، ضاحكة!
________________________________________
مرحبا
ما رأيكم في هذا الفصل؟
المزيد من الشخصيات والأحداث الجديدة المفاجأة في الفصول القادمة.
أنت تقرأ
كَبرنا ولكن...
Non-Fictionعائلة ثرية معروفة في لبنان تربت على القيم والمبادئ الأصيلة. أبٌ محافظٌ ربّى أولاده على القيم الذي تعلمها وأم حنونة زرعت المحبة في قلب أبنائها الستة. عاشوا مع بعضهم حياة ملئتها السعادة والفرح. لكن رياح وغدر الزمن لم تتركهم. فكبر الأولاد وصعقت الرياح...