الفصل الثالث

572 48 55
                                    

بعد مرور ٢٨ يوم

بعد ان انهت العائلة العشاء، انطلقت صفية وسوزان الى المطبخ كي ينظفا ويجليا الصحون والملاعق. وكانت رندة جالسة حول ماكينة الخياطة تخيط فساتين. فهي خياطة ممتازة في الضيعة، يقصدها المئات من الناس. كما كانت صفية تساعدها لكن قدراتها في الخياطة محدودة. هي فقط تقوم بتصليح الأقمشة، أو بأخد القياسات. وسوزان أيضا تعلمت هذه المصلحة. كان هناك غرفة خاصة للخياطة في المنزل.
وكان رامز يستمع الى الأخبار على الراديو، فالحرب الأهلية اللبنانية بدأت بشجارات بين المسلمين والمسيحيين. كما أشارت نشرة الأخبار أن هناك إطلاق نار بينهم، وهناك مشاكل بين اللاجئين الفلسطنيين.
وكانت الفتيات الثلاثة، يلعبن لعبة البرجيس. هي لعبة جميلة جدا في ذلك الحين.
أما عماد وزياد، فكانا يستمعون مع والدهم الأخبار ويطرحون عليه أسئلة عن الوضع الحالي في البلاد.

"أبي أنا ذاهب الى الملعب لإجراء أخر تمرين، ومن الممكن ان انام عند رفيقي نزار كي ننطلق غدا سويا الى المباراة باكرا." قال جهاد حيث كان يحمل في يده حقيبة صغيرة يوجد فيها ملابسه الرياضية للنادي.
"حسنا، موفق. غدا سنكون جميعا في المدرج نشجعك." أجاب رامز.
فكان ثاني يوم، السبت، عطلة لا يوجد مدرسة.
"أخي أيمكنني الذهاب معك؟" سأله زياد.
"كلا، قلت أنني من الممكن أن أنام عند نزار، وداعا." قال جهاد بسخرية لإغضاب وغيظ زياد وعماد.
بعدها اقترب وقبل والده، عانقه بشدة. كذلك قام بتقبيل الفتيات وعماد وزياد. ثم دخل الى المطبخ وودع سوزان وعمته صفية وتابع سيره الى غرفة الخياطة حيث عانق رندة بشدة وقبل جبينها.
"ادع لي أمي، ارض علي." قال جهاد.
تفاجأت رندة كثيرا، لكن ولدها لديه مباراة غدا لذا طلب منها الدعاء له.
"الله يحميك والله ينجحك يا روحي... راضية عنك حبيبي." وعانقته.
وبعد ان خرج كهاد من المنزل، ارتبطت يدا رندة وأخذت تفكر بما قال لها جهاد.

وراحت في التفكير الى واحد وعشرون سنة الى الوراء.
#فلاش_باك

"لا لا لا مستحيل، لن اربي، لن يبقى في منزلي." قالت رندة.
"رندة ارجوكي وما ذنبه هو." قال رامز.
كان رامز ورندة في غرقتهما يناقسان موضوع جهاد.
"وما ذنبي أنا؟؟ قلت لا " أجابت رندة بغضب.
"أنت بعد أشهر قليلة ستصبحين أم، وستعرفي هذا الشعور. اعتبريه ابنك، لن يعرف أحد غريب." قال رامز.
"اريد ان اعود الى لبنان فورا." أكملت رندة.
"نعم سنعود، لكن ماذا عن أهلك، هل سيتروكننا وشأننا." قال رامز.
"لا يهم، انا زوجتك الآن. ارجوك لنعود." قالت رندة.
"فكري ارجوكي، سنعود الى لبنان ولكن مع هذا الطفل." قال رامز وخرج من الغرفة غاضبا.

كان رامز ورندة مسافرين الى بريطانيا. فبعد ان تزوجا، ذهبا الى بريطانيا.
----

"وأخيرا أنهيت فستان رقية خانم." قالت رندة بعد ان دخلت الصالون.
كان رامز، صفية، وسوزان جالسين.
"يعطيك العافية حبيبتي." قال رامز.
"الله يعافيك." أجابته.

كانت الساعة العاشرة ونصف مساء.

"تصبحون على خير، سأنام." قالت سوزان ووقفت كي تصعد الى غرفتها.
"وانا أيضا." تبعتها صفية.
"وانتوا بخير." قال رامز ورندة.
فبعد أن صعدا الى غرفتهما، اقتربت رندة من رامز.
"أنا قلقة على وضع سوزان." قالت رندة.
"لماذا؟" أجابها رامز.
"لا أعلم، لكن وضعها لا يعجبني، حزينة وغامضة." قالت رندة.
"لا تقلقي، انت دائما تكبرين الأمور." قال رامز.
"لم اعلم ان تربية الولاد صعبا لهذه الدرجة." قالت رندة وابتسمت.
"هههه أصبح لدينا عائلة كبيرة، وأصبوا شبابا وصبايا ونحن سنصبح عجوز وعجوزة." قال رامز بسخرية.
"هههه ألم تنسى!" تابعت رندة.
"وكيف لي ان انسى؟" قال رامز.

#فلاش_باك سنة ١٩٥٣

"سيصبح لدينا عائلة كبيرة، وسيكبرون أولادنا ويصبحون شبابا وصبيايا، ونحن سنصبح عجوز وعجوزة." قال رامز وعانق رندة.
"لا لا اريد ان أصبع عجوز شعري أبيض، والتجاعيد تملئ وجهي." قالت رندة.
"ههه سنصبح سويا هكذا." قال رامز.
"أعدني." قالت رندة.
"وعد، لكن ان قبلتي معي، تعالي لنهرب. أهلك لن يقبلوا فيني." قال رامز.
"سنهرب، سنهرب قبل أن يزوجوني لأحد آخر." قالت رندة.
كان رامز ورندة تحت شجرة صنوبر في الحرج عند الليل.
----

أصبحت الساعة الحادية عشرة والنصف مساءا.
حيث قاطع حديثهم عن الماضي طرقة الباب.

"بسم الله، بسم الله.. من هذا في هذا الوقت." قالت رندة.
"ربما حهاد، لم يذهب لينام عند نزار." قال رامز ووقف.
ذهب رامز نحو الباب ولحقت به رندة.
فتح رامز الباب حيث تفاجئ برجال الشرطة.

"مساءالخير." قال رجل الشرطة.
"أهلا، ما الأمر؟" قال رامز بخوف وقلق.
"أنت رامز أمين والد جهاد أمين؟" قال الشرطي.
سيطر القلق على وجهي رامز ورندة.
"نعم، ماذا حصل مع ابني؟" قال رامز.
"العمر لكم، حصل انفجار في الملعاب جراء تسرب غاز، ومات كل الموجودين." قال الشرطي.
هذه الكلمات صعقت رامز، لم يفهم، لم يعد يرى بوضوح.... الشرطي أصبح يدور حوله، صرخات رندة أصبحت تطن في أذنه وتزعجه. المنزل يدور حوله.
وقع رامز على الأرض.
أما رندة، لم تستطع أن تقول شيء سوى الصراخ. قاستيقظ الجميع وتصبروا فور معرفة هذا الخبر الفاجع.
شاب مثل شجرة الأرز الشامخة قد توفي. توفي وهو في طليعة حياته.
توفي تاركا خلفه قلوبا احترقت كما احترق هو في هذا الانفجار.
فهل انت راضية عنه يا رندة؟
_________________________________________

اتمنى ان ينال اعجابكم هذا الفصل.
شكرا لدعمكم.

كَبرنا ولكن...حيث تعيش القصص. اكتشف الآن