((2))

6K 156 28
                                    

الوقت الحاضر

قاربت عقارب الساعة أن تستقر على العاشرة مساءً، يجلس مراد خلف مكتبه الأنيق، مسترخيًا بقدميه الممدودتين على الطاولة، يستمتع بالموسيقى الصاخبة ويشرب من سيجاره العريض نافخا دخانه ليراقب ارتفاعه قبل أن يرتطم بوجه فتاته الشقراء التي تجلس أمامه على المكتب واضعة ساقاً فوق أخرى،عندما رن الهاتف، ألقى نظرة سريعة ليتعرف على المتصل، وابتسم ابتسامة عابثة قبل أن يشير لرفيقته بالصمت ويجيب: أهلاً بقلب مراد وكيان مراد و روح مراد."وصلته ضحكةٌ خفيفةٌ عبر الهاتف، فأبعده عن أذنه لتنتهي أليسا من ضحكتها المستفزة له ببراءتها قبل أن تسأله:ألن أراك الليلة؟.
تلكئ قليلا قبل أن ينظر إلى فتاته الشقراء ثم إلى ساعته الفضية الفاخرة ويجيبها: ألم تنظري إلى الوقت قبل أن تطلبي هذا الطلب؟..تأخر الوقت!
همهمت بتململ قبل أن تقول :وان يكون ...لا فارق عندي ألا تعلم بأني استطيع الخروج بأي وقت أشاء عائلتي لا تمانع.
-ونعم العائلة ! قالها ناظراً لتلك الفتاة التي تمضغ اللبان بتململ لحين انتهائه من هاتفه تجاهلت أليسا كلمته وأردفت: كما أنك خطيبي، فلديك امتيازات خاصة جداً.
-هممم...بصراحة أقنعني كلامك أيتها الجميلة تجهزي ريثما أصل لاصطحابك فلن انتظرك طويلاً كالعادة، خمس دقائق إن لم تنزلي بعدها سأغادر .
ظهر الانزعاج على وجه الفتاة فحركت شفاهها تبرطم بكلمات لولا أن وضع مراد كفه على فمها لإغلاقه وهو يزم شفاهه بغيظ
- مهلاً ...هل هنالك أحد بجوارك مراد!.تساءلت إليسا بعد أن سمعت صوتاً مكتوماً فقال ضاحكاً وهو يعاتب التي أمامه بنظرات المغتاظة :طبعاً ... أخونك حالياً مع فتاة شقراء جميلة جداً"أطلقت اليسا ضحكة عاليا ظناً منها أنه يمزح ثم قالت ببراءة : إذن أبلغها تحياتي ... سلام.
ابتسم مغلقاً الخط باللحظة التي قفزت فيها تلك الشقراء على الأرض بانزعاج: ألم تقل بأننا سنسهر سوياً الليلة !.
قرصها من وجنتها وهو ينهض من خلف مكتبه: الأيام قادمة.
تحرك من أمامها حتى وقف مواجها المرآة بخيلاء، تخلل بأصابعه خصلات شعره الكستنائي ومسح يديه و وجهه الأسمر الذي سرق لون حبيبات رمال الصحراء بمنديل معقم ثم تمعن النظر في المرآة بعينين سوداوين حادتين يقطران ذكاءً ودهاءً ليتأكد من أنه على أتم الاستعداد للخروج.
ارتدت الفتاة معطفها وقالت بتهكم: يا لغباء إليسا لو رأتك معي بوضع مخل لن تصدق بأنك تخونها!" أخرج زجاجة عطره لكنه توقف عند جملتها المقيتة، قابلتها نظراته المسمومة عبر المرآة:-نصيحة..ألقي بتفاهةِ حديثكِ لأقرب سلة مهملات، ولا تتجاوزي حدودك.
***

فتح آدم عيناه متململاً فوق فراشه لكن آثار سهاد الليلة الماضية لم يفارقه، ألقى نظرةً خاطفةً ناحية الساعة التي داعبت عقاربها الثمانية صباحاً، ثم نهض بتثاقل متوجهاً إلى حمامه، ملئ حوض الاستحمام بالماء الساخن وخطى داخله وانزلق لتغمر المياه وجهه وأغمض عيناه ،احتضن بكفه سلسلته الفضية المعلقة على رقبته وكأنه يستمد منها القوة والصلابة، وبين ضلوعه منفىً أعمقُ من أن يبتلعه صمته الصارخ في كوابيس أحلامه، الماضي يعربد في داخله، يعوي كذئبٍ أجرب، رفع رأسه عن المياه على صوت خالته تناديه: هل أنت بالداخل؟طرقات عبير على الباب جعلته ينهض بصعوبة ليغطي جسده بالمنشفة ثم يفتح لها الباب، تساءلت بلهفة بعدما التمست انقباض حاجبيه: أنت بخير؟ -صداع خفيف كالعادة، لكن ما الذي جاء بك منذ الصباح ؟ -ألا يحق لي زيارة ابني الحبيب!. قالتها بعتاب ليمسك كف عبير ويقبلها:تشرفين بأي وقت تشائين خالتي .ربتت على ظهره ثم طلبت منه النزول لتناول طعام الفطور الذي جهزته في الطابق السفلي، قبل هروبه الى الجامعة كعادته قبل المرور إليهم فأومئ لها موافقاً.

جنوني بعينيكِ انتحارحيث تعيش القصص. اكتشف الآن