❤((19))❤

2.1K 100 32
                                    

((1980))

دلف عابد لمنزل العجوز بعد يوم طويل قضاه خارجاً وهو يتواصل مع رجاله لمعرفة آخر التطورات، تركت رغد المطبخ وهرولت ناحيته تسأل بلهفة : متى سنغادر ؟ هل هدأت الأوضاع ؟
حاول جعل تعابير وجهه طبيعية قدر المستطاع كيلا تشعر بشيء وقال وهو يرتمي على الأريكة : معنا بضع أيام أخرى الأمور معقدة "
جلست على الأريكة المقابلة بيأس وقالت : ولكنك وعدتني !
حدق فيها وقال بصدق : أنا عند وعدي لكن ستسافرين إلى مدينة أخرى "
!! لما لن أسافر وأترك جامعتي هنا وأبي !
قاطعها قائلاً بنفاذ صبر : قلت لك أن الأمور معقدة والبقاء هنا خطرٌ عليك"
- وأبي هل هو بخير ؟
عند هذا السؤال تلاقت عيناهما، شعرت بانقباضة قوية داخل صدرها فعاودت السؤال بلهفة أكبر، نهض من مجلسه فتطلعت به العجوز من أمام الباب وقد فهمت ما الذي جرى لكنه ظل صامتاً، هرعت رغد بجنون وتمسكت بياقة قميصه وصارت تصرخ بهستيريا : أخبرني ما الذي جرى له ؟

رجفة زلزت كيانه ولأول مرة يشعر بالضعف يجتز صلابته أمام أحدهم بل أمام عينين واسعتين بلون الرماد المصفى ! ،لم يكن سابقاً بهذا الضعف ما الذي جرى الآن، هل يشعر بالشفقة ! تلك الكلمة كان قد محاها من قاموسه والآن أمام عينيها يشعر بالضياع، بالشفقة ، بالألم، هو ذاته الشعور الذي لسعه حينما قبضوا على والده قبل أن يقتلوه..،ذات الألم الذي اكتوى به حينما قتلوا والدته، عادت تلك الحادثة تطرق ذاكرته، بل صارت تضرب ذاكرته ضرباتٍ عنيفة كخبطات الموت الذي يحيط به من كان جانب ،

قبض على كفيها القابضين على قميصه : نطق حروفها المميتة : آسف، مات والدك ،قتلوه " انفرجت عيناها بصدمة ترسخت على تقاسيم وجهها، وكأن تلك الكلمة قد صارت شياطين تتراقص بينهما ، مات ....
اقترن نطقه لحروفها بحروف قالها إحدى رجال عمه وهو يسحبه معه ...مات والدك ، أعدموه "
ردموا قبر والديه بالتراب وروحه منذ ذلك الحين ظلت حبيسه قبريهما ولم تخرج تلك الروح إلا هذه الليلة !

صارت تضربه على صدره بعنف وهي تصرخ بهستيريا شاتمة إياه وقد خارت قواها وبلحظة وبدون وعي أو إدراك منه صارت حبيسة ذراعيه، دفنها بصدره رغم مقاومتها العنيفة له، على الرغم من أنها لسعته بشتائمها،إلا أنها تشبثت بقميصه انهارت دموعها لتروي صدره كأمطار من نيران تحرق فؤاده، تعالت وتيرة نبضات قلبه الحاقدة على الحياة بحد ذاتها، على عمه ،على والدها الذي أصر أن يسوقه قدره لمجابهة الوطواط ! على القدر الذي ألقاها بين يديه، وعند هذه الفكرة لم يستطع التخلي عنها ،بل شد بذراعيه عليها أكثر : همس بصدق : ما الذنب ذنبي "

لم يكن ذنبه أن الحياة اختارت له هذه المعيشة، ولم يكن كذلك ذنبها أنها الآن حبيسة ذراعي من كان سبباً في مقتل والدها .
ولربما كفت ساعة الحائط عن احتساب الزمان ، كف قلبه عن ضخ الدماء بل مهمته الآن انحصرت في أن ينبض فقط، ينبض بعنف وإصرار نبضات على الرغم من قسوتها إلا أنها بثت السكينة في ثنايا روحيهما لتستكين على صدره بصمت ،تراجع إلى الوراء خطوين ليرتد جالساً على الأريكة ولم تبتعد عنه بل ظلت متمسكة بقميصه وكأنه صار المخدر بالنسبة لها، صحيح أنها فقدت والدها لكنها وبهذه اللحظة لم تشعر إلا بالأمان، الأمان مع جلادها ..الذي قدم لها كأس الموت فشربته دفقة واحدة..

جنوني بعينيكِ انتحارحيث تعيش القصص. اكتشف الآن