ازدادت برودة الجو ليتربع عرش الشتاء مملكة الفصول بكل جدارة لكن هذه الوخزة الباردة التي لطمت صدره غريبةٌ فعلاً ولم يكن سببها برودة الجو بل بسبب فتاةٍ لم يعرفها كثيراً ! تراجع بضع خطواتٍ قبل أن يتنهد تنهيدةً طويلة ويخرج من الزقاق للشارع ليستقل سيارته، أغلق النوافذ وجلس بداخلها دون أن يتحرك، كانت الأحداث المتلاحقة التي طرأت على حياته منذ بضعة أشهر تصيبه بارتباكٍ حقيقي، تلخبطت أفكاره ومشاعره هاتك اللحظة ! فما بين ماضيه وحاضره خيطُ أملٍ رفيع جداً وهو متأكدٌ إذا ما تمسك به سيسحبه لبر الأمان، ستسحبه روح جمانة تلك الشعلة المجنونة ستسحبه من مستنقع ماضيه الموحل، اتكئ بجبهته على المقود مغمضا عيناه
أما جمانة فاندفعت ناحية المنزل وضربت الباب بعنف لينغلق واستندت عليه بصدر مضطرب ...صارت تهمهم : إياك...إياك والبكاء. استجمعي نفسك ..
كبحت دموعاً كانت على وشك خيانتها والنزول وهي تعرف إذا ما خسرت اهتمام كريم ستخسر كل شيء...ستخسر شعوراً بالأمان أحسته لمدة وجيزة حينما عملت معه ..ستخسر أنوثة بدأت تشعر فيها بسبب نظراته التي أقل ما يقال عنها أنها فاتنة...قاتلة..كانت نظراته تذيبها حرفياً
جلست على الأريكة بعد أن كدست حبات التفاح لتتناولها على العشاء وصارت تأكله بنهم..فلم يدخل جوفها منذ الصباح سوى قطعة من البسكويت أعطتها لها بنت جيرانهم الصغيرة عندما قابلتها صباحاً قبل ذهابها إلى العمل، رن هاتفها المحمول لترى رقماً غريباً على الشاشة، تلكأت قليلاً قبل أن تستجيب ليقول لها ذلك الصوت الذي هربت منه سابقاً :
-كيف حالك جمانة ؟
- مراد؟!
- على الأقل ما زلت تعرفين صوتي...
-كيف حصلت على رقمي الجديد ؟
ليجيب ببساطة : يجب أن تكوني أذكى من ذلك, أعطتني إياه موظفةٌ من زميلاتك بالمتجر "
صمت مراد قليلاً ليقول بعدها بتردد: اشتقت لك"
اغمضت عينيها تحارب كلماته وحينها تعالت طرقات على الباب وضعت الطبق على الأريكة بجانبها وقالت وهي تنهض لتفتح الباب :
-حسناً و ما الذي تريده الآن ؟فتحت الباب، ليقول كريم ومراد بذات اللحظة : -يجب أن نتحدث.
توقفت تنظر لكريم بدهشة وما زال الهاتف معلقاً على أذنها فاغتالها صوت مراد الذي تسائل مجدداً بغضب بعدما سمع صوت كريم : من معك وأين أنتِ ؟ جمانة ! جمانة!.
صرخ بها مراد على الهاتف بحنقٍ وغيرةٍ ليتطلع بها كريم بعدم فهم ! تبسمت بسخريةٍ وهي تجيب : إنه ابن عمك .رفع كريم حاجبه بفضول متسائلاً
فمدت الهاتف ليتلقفه كريم ويجيب بتردد
أغمض عينيه بنفاذ صبر وجمانة تحدق فيه بعدم فهم وقد تغيرت معالم وجهه بينما مراد كان بهذه اللحظة قد أطلق ألسنة اللهيب لتحرق كريم على الجانب الآخر من الهاتف و تعالى صياحه :
-أقسم بذات الله إن عبرت خطواتك عتبة باب شقتها سأنسف رأسك، ما الذي تريده بالضبط ؟ ما الذي تريده منها في هذا الوقت المتأخر ؟!قال وهو يتطلع بها : سأخبرها بالحقيقة "
تعالت ضحكات مراد العصبية وهو يكمل هتافه ولم يتنبه لمن كان يتقدم منه بهذه اللحظة ظناً منه أنه يحادث أحد موظفي الشركة :
- ومن أصلاً سمح لك بالتدخل بهذا الموضوع ؟ من أعطاك الإذن لذلك لتتدخل بحياة ابنة خالتي ؟ أم أنك تريد مزيداً من الخطط الدنيئة لحقدك الأعمى على آدم و ...
اغتال كماته تحديق آدم به والذي شحب لون وجهه وهو يطالعه بصدمة
صمت مراد فجأةً مما أثار استغراب كريم الذي قال بعد برهة : ألو"
لكن مراد لم يجيب وعينا جمانة تطالعانه بعدم فهم أمام الباب وترائى لمسامعه صوت آدم عبر الهاتف وهو يحادث مراد بحروفٍ بالكاد نطقها : من..! من ابنة خالتك التي ...
أنت تقرأ
جنوني بعينيكِ انتحار
Romanceقد تخلو الزجاجة من العطر..لكن الرائحة ستبقى عالقة فيها...كما الذكريات تماماً قد يخلو القلب من الحب, لكن آلام تلك الذكرى التي تسيطر على القلب ستبقى....فلذكرياتنا رائحةٌ تعبق بالقلب ولا تزول. قد تعتقدون أنها مجرد قصة حب جامحة تنتهي بالنهاية الحتمية حي...