((مراد))
من يراني من بعيد، لربما يؤمن بسعادتي، لا يدركون أني أبكي كل يوم.. والجرح الذي بداخلي ينزف دائماً وأبداً، أصبحت حياتي مجهولةً كلحنٍ أثيري مبعثر ..ويستمر الليل الطويل دون أن تشرق شمس الأمل...أضحت نيراني رماداً ومن بين الرماد خرجت جمرةً لتحرق ما تبقى من روحي ....وربيعي أغار عليه الريح فتبعثرت حياتي كما تتطاير أوراق الخريف، حتى الزهور من حولي ذبلت، ماتت، تاه عبق ريحها بمستنقع الواقع ... ماتت الدقائق فابتلعتها الأيام والسنوات ...
لم أستطع نسيان الماضي ولن أستطيع، صرت وحيداً في دوامة الحياة بلا هدف، بماضٍ بشعٍ جداً لا أريد استذكاره .. وحاضرٍ يحتضر ومستقبلٍ لا مستقبل له ! كيف جرى كل ذلك !! ولما وصلت إلى هذه المحطةِ بالتحديد ..
بعدما غادرتني جمانة ذلك اليوم الذي لن أنساه حتماً لأنه بداية الموت بالنسبة لي....هربتُ إلى الحانة، المكان الأمثل لأمثالي..وأطلقت فيها طاقتي بالشرب والرقص كمعتوهٍ متمرس... أطلقت كل الألم الذي يستعمرني منها...ومن نفسي .. ومن خيانتي لزوجتي..واكملت ما ابتدأته بالحانة من لهوٍ وعبث وأنا مغيبٌ عما حولي، لتدلف معي تلك الشقراء إلى غرفتي في الفندق،
لا انكر أني بكيت كثيراً حتى وأنا برفقة تلك اللعينة، بكيت وضربتها بشكلٍ هستيري حينما تمثلت جمانة أمامي !! حتى هربت الفتاة من الغرفة لأرتمي أنا باكياً ولأول مرةٍ لأجل امرأة.. تلك الجمانة سحقت روحي، أحرقتني بنيران خطيئتي واستمرت تلك النيران طويلاً....ولم تنطفئ
لم أكن أعرف حينها أن إليسا سقطت على الأرض ونقلوها للمستشفى.. كنت معتكفاً لثلاثة أيامٍ قضيتها بانحرافٍ غير مسبوق، بضياعٍ وتشتتٍ وغضب، أقفلت الهاتف بعدما توالت اتصالاتهم المستميتة لهاتفي واستكملت رحلتي الماجنة انتقاماً من كل من حولي ..
وحينما رجعت كان المنزل يعبق بسكونٍ مخيف، صعدت درجات السلم لأرى تلك الجنية جمانة تعبث بخزانة اليسا وحقيبةٌ كبيرةٌ على السرير! لم أفهم ما الذي يجري حينها! بقيت أحدق بها بصمتٍ حتى تنبهت لوجودي وتطلعت في بعيونٍ كالجحيم..بل أشد وطأةً منه! رميت حقيبتي على الأرض لتغلق هي حقيبة إليسا وتخرج بها دون أن تتفوه معي بحرف، توقفت بطريقها قائلاً بعدم فهم: ما الذي يجري؟ أين الجميع ؟
رفعت بصرها تجاهي ورمقتني بنظرة ازدراء قبل أن تغادر... ناديتها :جمانة! ما الذي يجري؟
- وهل يهمك ما الذي جرى !-أين اليسا " سألتها بتوجسٍ وشعرت حينها بأن قلبي قد سقط بعنفٍ ليرتطم بخطاياي.....
-إليسا بالعناية المركزة يا مراد... تدحرجت عن السلم وأجهضت الجنين.."
نطقتها بعنفٍ لترتطم كلماتها بأذني لتحرقني حروفها..وطال تحديقي بها دون أن أصدق ما جرى...كما طال الألم الذي عذبت فيه روح زوجتي .. كالألم الذي نهش روحي جراء فقدان طفلي الأول، كم كان انتقام القدر قاسياً مني، كم كان الثمن غالياً بشكلٍ سريع وقبيح، دلف آدم متسائلاً : هل انتهيتٍ ؟"
واقتطعها ما إن رآني أعلى السلم.. واقفٌ كالصنم أحدق بهما ولا أفعل شيئاً سوى التحديق كالأبله ! كالشريد....انتشل آدم الحقيبة من بين يدي جمانة وقال موجهاً حديثه لي : إن كنت تريد زياتها... فهي في مستشفى الحياة.
هيا جمانة " وانطلقا دون أن يضيف أحدهما شيئاً آخر...
أنت تقرأ
جنوني بعينيكِ انتحار
Romansaقد تخلو الزجاجة من العطر..لكن الرائحة ستبقى عالقة فيها...كما الذكريات تماماً قد يخلو القلب من الحب, لكن آلام تلك الذكرى التي تسيطر على القلب ستبقى....فلذكرياتنا رائحةٌ تعبق بالقلب ولا تزول. قد تعتقدون أنها مجرد قصة حب جامحة تنتهي بالنهاية الحتمية حي...