00:13

1.1K 108 43
                                    

مَضت ثلاثةُ أيّام منذُ إخبارِ جونغوك لسوكجين الحقيقة. حقيقةَ والدِه و سببَ وجودِه في هذا المكان.
كانتْ هذهِ الأيامُ الثلاثة بمثابةِ كابوسٍ بالنسبةِ لسوكجين.. فقد استمرّ بالبكاءِ بشكلٍ متواصلٍ.
لم يعرف ماذا يفعل، والدُه قاتل!
والدُه الحبيب، اللطيف.. قاتل!
رجلُ عصابات!
و قد كذبَ عليهِ و على والدتِه لسنوات!

كانت هذهِ المعلومات كثيرةً جدًا على سوكجين.. لم يقدِر على استيعابها.
فقط استمرّ بالبكاء.. إلى أن أحسّ بوجههِ يحترقُ من كثرةِ الدموعِ المالحة.
لكنّه استمرّ..
يشهقُ و يصرخ..
يبكي و يتألّم..
وحيدًا..
في الظلام.

_

بعدَ أربعةِ أيام

لم يرَ سوكجين تايهيونغ منذُ ذلك اليوم الذي عذّبه فيهِ بشدّة.. و قد أثارَ غيابُه فضولَ سوكجين.
"أينَ تايهيونغ؟ لم أرَه منذُ أيام؟"
"أتريدُ رؤيته لهذه الدرجة؟ لا تقل لي أنّك تفتقدُ ضَرباته" قال جونغوك بنبرةٍ ساخرة.
"بالطبعِ لا أيها الأبله! فقط من بابِ الفضولِ لا أكثر" ردّ سوكجين بصوتٍ مرتفع.
ضحكَ جونغوك على ردّةِ فعلِ الفتى الأصغر، ثم خفتتْ ضحكاتُه، و قال بنبرةٍ حزينة
"إنّه يجلسُ في غرفتهِ طوالَ الوقت، و لا يُكلّم أحدًا"
"إنّ حالتهُ النفسيّة ليست مستقرّة.. هوَ يفعلُ هذا الأمر بين الحين و الآخر، يحبسُ نفسَه في غرفتِه و يرفُض لقاء أيّ أحد" أضاف جونغوك.

"و ماذا عن الرئيس؟ ألم تُخبرني أنّه صارِم و يكرَه أن يتغيّب أحدٌ عن عملِه؟"
"أجل إنّه كذلك، لكن تايهيونغ بالنسبةِ له استثناء.. إنّه نوعًا ما يتفهّم حالته"
"بالنهاية، فإنّ تايهيونغ يعتبرُ نفسَه المسؤول عن موتِ ذلكَ الشخص" قال جونغوك و قد نظرَ إلى سوكجين بحُزن.
"لكنّه خطأُ والدي.. و ليس تايهيونغ" قال سوكجين بصوتٍ منخفض، مُثبتًا نظرُه للأسفل.

في البداية، رفضَ سوكجين تصديقَ ما قالَه جونغوك. فمنَ المُستحيل أن يكونَ والدهُ قد خدعهُ لسنوات!
لكن، و حينما تذكّر المرّات التي عادَ فيها والدُه و الدماءُ تلطّخ ملابسه، ثمّ يتعذّر قائلًا أنّ شجارًا قد حصلَ في طريقِ عودتِه للمنزل.

و المرّات التي تأخّر فيها بالعودة، و أحيانًا يعودُ بعد شروقِ الشمس. تاركًا والدتُه تنتظرُه بقلق و الدموعُ في عينيْها.
و كيفَ أنّه رفضَ بشدّة إعطاءَ أيّ معلوماتٍ عن "الشركة" التي يعمل فيها، أو رقمَ أحدِ زملائِه عندما طلبت منه والدتُه ذلك حتى تطمئنّ عليه إذا تأخّر.
كلّ هذه الأحداث قد أصبحت منطقيّة بعد معرفتِه أنّ والده لم يكن إلّا مجرّد عميلٍ في عصابة و قاتلٍ مأجور..!

"اوه أجل.. لكنّه ليسَ خطأك على أيّ حال.." ردّ جونغوك، محاولًا تخفيفَ الشعورِ بالذنبِ داخلَ سوكجين.

_

"اوه يجبُ عليّ الذهاب الآن" قال جونغوك و قد وقفَ مستعدًا للذهاب، بعد أن لاحظَ أنّ وقتَ حراستِه قد انتهى.
"جونغوك" قال سوكجين و قد أمسكَ يدَ جونغوك ليمنعهُ من الذهاب.
"نعم؟"
"أُريدُ شيئًا"
جلسَ جونغوك مجددًا، ثمّ نظرَ في عينيّ سوكجين مباشرةً.
مؤخرًا، عينَا سوكجين تحملانِ الكثيرَ من الحُزن.. و هذا الأمر يُحزِن جونغوك.. في داخِله.
"همم أخبرني ماذا تُريد" قال جونغوك و هو يبتسمُ بلُطف.
"مرآة.. أُريد مرآة"
"حسنًا، سأُحضرها لك الآن، لكن عندما آتي غدًا يجبُ أن تعيدَها إليّ، اتفقنا؟"
"حاضر"
وقفَ جونغوك مرةً أخرى، ثم خرجَ وأغلقَ البابَ الحديديّ وراءه. بعدَ دقائق فُتحَ البابُ مرة أخرى، و دخلَ جونغوك بيدِه مرآةٌ إطارُها كلونِ الفضّة.. دائريّة الشكلِ و لها مقبضٌ من أسفلِها.
"سأذهبُ الآن، أراكَ غدًا" قال جونغوك بعد أن أعطى المرآةَ لسوكجين.. ثم ذَهب.

_

جلسَ سوكجين على حافّة السريرِ الأبيض في إحدى زوايا زنزانتِه.. ثم أمسكَ بالمرآة، و أخذَ يتفحّصُ شَكله.
لقدّ مرّ وقتٌ طويل منذُ آخرِ مرّة رأى نفسه فيها. . و عندما نظرَ لوجههِ الآن، أحسّ أنّه شخصٌ آخر.
شعرُه الأشقر قد طالَ كثيرًا، إلى أنّ غطّى عينيْه.. وجههُ يبدو شاحبًا، و عيناهُ حمراون.
نظرَ سوكجين إلى انعكاسِ صورتِه في المرآة مطوّلًا.. مُحدّقًا بنظراتٍ حزينة إلى نفسِه.
و فجأة، نهضَ واقفًا، مُتجهًا للطاولةِ الخشبية التي تحملُ أدواتَ التعذيب الخاصة بتايهيونغ، ثم أمسكَ مقصًا متوسّط الحجم، و عادَ مجددًا إلى سريره.
أمسكَ المرآة بيدِه اليُسرى، و بيدِه اليُمنى أمسكَ المقصَ.

و أخذَ يقصُ شعرَه.. ببطء.
قصّ الخصلاتِ التي تغطّي عينيه، ثم الخصلات الطويلة على الجوانب، ثمّ من الخلف.
تساقطت الخصلاتُ الشقراء على الأرض، و عندما انتهى سوكجين من قصّ شعرِه، وضعَ المقصّ جانبًا.. ثمّ حدّق بنفسِه مجددًا.

حدّقَ بنفسِه طويلًا مرّة أُخرى، ثم تكلّم فجأة

"أنت"
"أنتَ لم تَعُد سوكجين الطفل الصغير المُدلّل بعد الآن"
"أنتَ والدُك قاتل"
"رجلُ عصابات"
"والدُك قد كذبَ عليكَ لسنوات"
"هل تفهم؟"
كانت هذهِ الكلمات قاسيةً على سوكجين، لكنّه الآن قد اعترفَ بها لنفسِه.. لإنّه لا مجالَ للهروبِ منها بعد الآن.

"أنتَ لن تبكِي بعد الآن"
قال و هو يمسحُ الدموعَ التي تُهدّد بالنزولِ بعنف.
"أنتَ لن تتألّم بعد الآن"
"أنتَ لن تضعفَ بعد الآن"
كانَ صوتُه عاليًا، يُدوّي في أرجاءِ الغرفة الفارغة.

"أنتَ لن تخاف بعد الآن"
"هل فهمت؟" صرخَ سوكجين عاليًا، ثمّ نهضَ و رمى بالمرآةِ على الأرضِ بعنف، مما أدّى إلى تكسّرها إلى العديدِ من الأجزاءِ الصغيرة.
ثمّ أخذَ يضحك.. بصوتٍ عالٍ.
"أنتَ جين الآن"
"جين القويّ".

ظَلامْحيث تعيش القصص. اكتشف الآن