00:14

1.1K 98 40
                                    

أطفأ سوكجين الضوءَ الخافت الذي يُنيرُ زنزانته قليلًا، ثم اتجهَ إلى إحدى زوايا الغرفة و جلس هناك.
ضمّ ركبتيهِ إلى صدرِه، و أسندَ رأسهُ إلى ذراعيه، مُحدّقًا في الظلامِ الحالكِ حوله.
لم يٌفكّر في أيّ شيء، و لم يحمِل وجههُ أيّة تعابير.. فقط جلسَ وحيدًا، مُستمتعًا بالهدوءِ المُفرِطِ حولَه.

مرّت الساعاتُ طويلةً عليه، لكنّه في المُقابِل اكتفى بالبقاءِ على حالتِه تلك. 
لم يشعُر بالمَلل، أو الحُزن.. و لم يشعُر بالفرحِ أيضًا.
في الحقيقة، لم يشعُر بأيّ شيء.. و لم يكنْ في عقلِه أيّةُ أفكار.
كلّ ما فعله هو التحديقُ في الفراغ.
و الغريبُ في الأمر، أنّه وجدَ الأمرَ مُمتعًا.
الصمت، إنّه مُمتع.
حتّى الظلام، باتَ مُمتعًا.

_

"أنا أعلمُ أنّك مجروح" قال هامسًا لنفسِه.
"لكن أنتَ الآن لا تملكُ أحدًا إلا نفسك"
"إن ضعفتَ سيُقضى عليك" 

"لا تقلق...أنا أُحبك، و سأبقى معك" قال وهو يضمّ نفسَه بقوّة.. ماسحًا الدموعَ التي نزلتْ -دون إرادتِه- بقميصه.
"لا بأس جين.. لا بأس" قال بصوتٍ منخفض، مُربّتًا على كتفِه بيدِه.
"أنتَ قويّ، و ستتحمّلُ كلّ هذه الأمور السيئة، همم؟"
"فقط لا تُظهر ضعفك لهم.."
"أرِهم مدى قوّتك.."
"أرِ ذاك المختلّ أنّك لن تتأثّر بضَرباتِه و تعذيبِه"
"أرِ والدَك أنّك لستَ بحاجةٍ لقاتلٍ مثله"
"أرِهِ أنّك لن تتأثّر بكذبِه و خِداعه"

ابتسمَ جين قليلًا.. ثمّ أخذَ نفسًا عميقًا
"أَرِهم جميعًا من يكونُ جين"

_

في المساء

فتحَ جونغوك البابَ الحديديّ، ثمّ دخلَ إلى زنزانةِ جين لبدأِ فترةِ حراستِه المسائيّة.
كانَ جين جالسًا على سريرِه.. و على الأرضِ تحته تناثرت قطعُ المرآةِ المكسورة. تفاجأَ جونغوك من المنظرِ أمامه، ثم هرعَ إلى جين للتأكدِ من أنّه بخير.
"ماذا حدثَ هُنا؟ هل أنتَ بخير؟" قال جونغوك بقلق. لكنّ جين لم ينطق بشيء، فقط اكتفى بالنظرِ مباشرةً في عينيْ جونغوك.
"اوه! هل قصصتَ شعركَ بنفسك!!؟" قال جونغوك ملاحظًا شعرَ جين القصير، ثمّ لاحظَ بعدها الخصلاتِ الشقراء المتناثرة على الأرض.
لم يُجب جين على أسئلة جونغوك، مما أثارَ قلقَ الأخيرِ على حالته.
"سوكجين، لمَ حطّمتَ المرآة؟" قال جونغوك بنبرةٍ هادئة، محاولًا جعلَ الفتى يتكلّم.
"أنا لستُ سوكجين" قال جين بنبرةٍ باردة.
"ماذا؟!!" 
"أنا جين الآن" قال جين و قد عَلت شفتيْه ابتسامةٌ باهتة.

_

جلسَ جونغوك بجانبِ جين.. ثمّ أسندَ جين رأسه على كتفِ جونغوك.
"ماذا حدث بعدما خرجتُ البارحة؟" قال جونغوك و هو يُمرّر أصابعه بينَ خصلاتِ شعرِ جين الناعمة.
"لا شيء.. فقط قرّرتُ أن أُصبحَ أقوى.. وأن أتخلّص من نفسي الضعيفة" ردّ جين بعدم اكتراث.
"امم أرى ذلك" 

عمّ الصمتُ المكان.. لكنّ كانَ الاثنانِ مُستأنسانِ بوجودِ الآخر. جين كان دائمًا ما يشعُر بالراحةِ في وجودِ جونغوك.. كان يعتبُره صديقه الوحيد.
فخلالَ الفترةِ التي يقضيها معه، عرفَ عنه أشياءَ كثيرة.
مثلَ أنّه يُحبّ الغناء، و قدّ غنّى مرّة أمام جين، و كانَ صوتُه جميلًا جدًا.
وأنّه لا يُحبّ القتلَ أو التعذيب، و خصوصًا الأبرياء أو الأطفال.

"جونغوك، لم انضممتَ إلى هذه المنظمة؟" قال جين قاطعًا صمتَ المكان.
"اممم كان هذا قبلَ بضعةِ شهور، توفّي والداي و استولى عمّي على أملاكنا، و بتّ فقيرًا و بلا مأوى.."
"ثمّ صدفةً عرفتُ بوجودِ هذا المكان، و عرضوا عليّ أن أنضمّ معهم مقابل أن يوفّروا لي مكانًا للعيش"
"هل لكَ أصدقاء هنا؟" قال جين مجددًا.
"لا أعرفُ أحدًا غير تايهيونغ و جيمين، لكنّي لستُ مقرّبًا منهم كثيرًا"
"ما رأيك أن نهربَ أنا و أنت سويًّا من هُنا؟"
"ماذا قلت!!؟"
"قلت، أن نهربَ سويةً من هُنا"

تفاجأ جونغوك من سؤالِ جين بشدّة.. للحظةٍ، تخيّلَ لو أنّهم هربوا سويّةً و عاشوا حياةً سعيدة بعيدًا عن كلّ هذا القتلِ و التعذيب.. لكن...
"ماذا لو وجدونا؟ سيُعاقبني الرئيس مين بشدّة، فهو يكره الخيانة" قال جونغوك و قد خالطَ الحزنُ والخوف نبرةَ صوته.
"سنتدبّرُ الأمر.. أرجوك جونغوك، أنا لا أُريد البقاء هنا، ولا أريد العودة إلى والدي" قال جين بنبرةٍ متوسّلة.
لكنّه تذكّر فجأةً ذلك الشابّ الغريب الذي زارَه ذلك اليوم..
"اوه جونغوك، هل بإمكاني ائتمانك على أمرٍ ما؟" 
"بالطبع، أخبرني"
استوى جين في جلسته، ثمّ بدأ بالكلام
"في ذلك اليوم، بعد أن عالجني الأطباء من ضرباتِ تايهيونغ و استعدتُ وعيي، وجدتُ شابًا يرتدي ملابس سوداء جالسًا إلى جانبي"
"أخبرني أنّه مُرسَلٌ من منظمةِ والدي و أنّه مُكلّفٌ بإنقاذي من هنا و إعادتي إلى والدي"

"ماذا تقول؟! جاسوس!!؟" قال جونغوك بصوتٍ عالٍ.. مٌتفاجئًا من فكرةِ وجودِ جاسوسٍ بينهم.. فلو علمَ الرئيس مين بهذا الأمر، فلن يدعهم يُفلتونَ من قبضته.
"أخفض صوتك أيها الأحمق!" قال جين واضعًا يده على فمِ جونغوك لإسكاته.
"يا إلهي، هذه معلوماتٌ خطيرة جين!" 
"اهدأ قليلًا، فأنا أملكُ فكرةً ربما ستكونُ سبيلنا للخلاصِ من هُنا" قال جين بصوتٍ منخفض -رغمَ أنّ جدرانَ الغرفةِ عازلةٌ للصوت-.
"ما هي؟" ردّ جونغوك و هو يقتربُ من جين لسماعِ فكرته.

"سأتظاهرُ أنّي وافقتُ على فكرةِ ذاك الشاب، و سأرى ما الذي يُخطّط له"
"إن بدتْ لي خطّته ناجحة.."
"فسنستخدمه للهرب من هنا.. ثم نتخلّص منه بعد ذلك.."

"نتخلصَ منه أي نقتله؟ هل ستقتلُ أحدًا جين!" قال جونغوك متفاجئًا.
"نحنُ الآن في صراعٍ للبقاء، جونغوك"
"إن لم نقضي عليهم، سيقضونَ علينا".

ظَلامْحيث تعيش القصص. اكتشف الآن