3- بابا... إنت بتعمل إيه؟

438 47 1
                                    

- بابا... إنت بتعمل ايه؟ -

كان بيلحّن الجملة وهوّ بيقولها كأنه بيغني أُغنية، مديت إيدي اللي بتترعش وحطيتها علي أُكرة الباب، حاولت أغمض عينيّا عشان أحس بوجوده، أحس بتواجده...
قولتله: "مش بعمل حاجة ياصغيري".
صوتي تهدّج جداً، الدموع قربت توصل، روحي مليانة غيوم حُزن، حاسس بالغضب والحزن مع بعض بيسيطروا عليّا، في مرارة في زوري، حطيت إيدي التانية علي وشي، بحاول أغطيه، الدموع المالحة وجعت الجرح المفتوح.
كان لازم أقعد، رجليّا بتترعش وضعيفة، قعدت علي التواليت قبل ما أقع علي الأرض، إيدي سابت الباب ووقعت جنبي باستسلام، خط طويل ماشي علي إيدي ببطء ورعب...

- بابا... إنت بتعمل إيه؟ -

رعشة ضعيفة بتجري في جسمي كله لما بسمع صوته، كأن حد بيلف حبل مشنقة علي قلبي، الطريقة اللي بيقول بيها الجملة، الطريقة اللي بيلحن بيها الكلام كأنه بيغني، افتكرت شفايفه الصغيرة وهو بيمص بيها صابعه لما كان رضيع لسه بيملي الدنيا فرح...

بدأت افتكر ذكرياتي معاه...

- بابا... إنت بتعمل ايه؟ -

لما كُنت في الجراج تحت عربيتي بحاول أصلحها، كان واقف جنب رجلي وهو بينط علي رجليه الصغيرة، وماسك في إيده (مستر بون بون) اللعبة المفضلة ليه، مستر بون بون كان أرنب لعبة، كان ماسكه من ودانه وهو بيرقص، قالي إن مستر بون بون بيحب يصلح العربيات زيي.
قالي إن مستر بون بون هيبقي أول أرنب بيصلح عربيات في العالم كله...

- بابا... إنت بتعمل إيه؟ -

لما كنت في المطبخ بشرب زجاجة البيرة السابعة بالنسبة ليّا، والدته كلنت بتصرخ فيّا، المرة دي كانت المشكلة بيننا بسبب الفواتير اللي مش عارف أدفعها، الفلوس القليلة اللي بتيجي من شغلي، والفلوس الكتير اللي بصرفها علي تصليح العربية بتاعتي، كان واقف مختبئ ورا التلاجة، شعره الأشقر الطويل باين من جنب التلاجة، كان بيتظاهر بإنه خفي، بصراحة بالنسبة لسنه كان بيختبئ كويس.
والدته قررت ترمي عليا زجاجة بيرة، طبعا كانت فاضية، لو كانت مليانة كنت شربتها، مكنتش مُهتم هي بتقول ايه، مكنتش مُهتم هو سمع إيه.
كل اللي كُنت مُهتم بيه إني أشرب زجاجة بيرة كمان لما أخلص اللي في إيدي دلوقتي.
همس من ورا التلاجة إن مستر بون بون هيكون أفضل أرنب خفي في العالم بس أنا مكنتش مُهتم...

- بابا... إنت بتعمل ايه؟ -

لما كُنت في مكتبي، كُنت شغال وردية تانية بعد الضهر عشان عندي مواعيد تسليم شُغل متأخرة، مواعيد التسليم هي المشانق اللي بتشنق الكسالي اللي زيي، كان بيشدني من إيدي.
مكانش فاهم أد إيه مواعيد التسليم مُهمة، لما قولتله إني لو مسلمتش الشُغل في ميعاده هكون في حُكم الميت.
سألني ليه هموت لو مخلصتش شُغلي، حاولت أفهمه إن الموت هنا مش بمعناه الحرفي، كُنت بكلمه من غير ما أبُصلُه.
قالي إن مستر بون بون هيكون أحسن أرنب بيصلح ناس ميتين في العالم...

- بابا... إنت بتعمل ايه؟ -

الصُبح... وأنا قاعد في عربيتي...
نجحت أشغلها بس صوتها عالي ومزعج، في حاجة مكسورة لسه فيها مخلية العادم بتاع العربية كثيف جداً، لعنت العربية والوقت والفلوس اللي اللي ضاعوا في تصليحها، ضربتها برجلي بغضب، كان واقف بيتفرج عليا من ورا شباك الجراج، كان بيسألني من ورا الشباك أنا بضرب العربية ليه؟
هل العربية مش بتسمع الكلام زي ما هوّ ساعات مش بيسمع الكلام فأنا بضربها زي ما ماما بتضربه وبتشتمه، مكنتش مُهتم إني أرد عليه، تجاهلت كُل حاجة، فضل يبصلي ولما لاحظ إني بتجاهله، الدموع نزلت من عينيه بحُزن، استخدم مستر بون بون عشان يمسح الدموع اللي ملت وشه...

- بابا... إنت بتعمل ايه؟ -

سمعت صوت العربية بتشتغل، البيرة كانت مخدراني والغضب ماليني،راسي كانت بتوجعني من ضربتها ليّا، إيدي كانت بتوجعني من ضربي ليها، صوت العربية كان جاي من الجراج المقفول عالي ومُزعج، سمعت صوت العربية بتتحرك فجأة عشان تخبط في الحيطة، جريت علي الجراج، الدم مالي المكان، مستر بون بون واقع علي الأرض وغرقان دم والعربية متكسرة تماما....

- بابا... إنت بتعمل ايه؟ -

حطيت إيدي علي ودني عشان مسمعوش....

- بابا... إنت بتعمل ايه؟ -

الدم الأحمر بيملي الأرض تحتي، سامعه بيخبط من ورا الباب، أنا عارف إنه مش هوّ، مش حاسس بيه، الصوت حي أوي إنه يكون صوت إبني الميت، والدته سابتني في البيت لوحدي ومشيت لما مات، كان بيصرخ فيّا إني أفتح الباب، كان بيني بحزن، قالي إنه سامحني علي موته، الدم خرج من تحت الباب لبرا، ابني مات من شهر، أنا مش عارف مين اللي برا الباب.
عارف إنه صوته بس مستحيل اللي برا يكون إبني، ابني مات، ابني بيخبط علي الباب عشان يدخلي.
ابني وحشني، أنا قررت أهرب من الكائن اللي برا ده...
أنا خايف عشان كده ههرب وأروح لابني الحقيقي يطمنّي
أنا خايف من الكائن اللي برا ده.
صوت الخبط بيزيد، صوته بيتوحش، الدم بيقويه، الباب بيتكسر تحته، بصيت علي شراييني المقطوعة، الدُنيا بتلف بيّا، ابني الحقيقي بيضحكلي، الباب بيتكسر وعينيّا بتتقفل للأبد.

* * *

ملحوظة:
الأب نجا من حادثة الانتحار دي لما حد من الجيران حس بحركة غريبة في البيت فطلب النجدة اللي وصلوا لقوا الباب مكسور بطريقة متوحشة بس الاب كان واقع علي الارض وشرايينه مقطوعة،
انقذوه ولما فاق حكي الحكاية دي ولحد دلوقتي مش عارفين ايه اللي كان برا الباب وكان عاوز منه ايه


النهاية
* * * * *

Already happened- حدث بالفعلحيث تعيش القصص. اكتشف الآن