4- عقدة ذنب الناجية

375 47 1
                                    

Part 1

إزيكم... إسمي جوليان... أنا ناجية
أنا في مجموعة دعم لعلاج الشعور بالذنب الناتج عن النجاة، بنتقابل مرة في الإسبوع عشان نتكلم مع بعض ونهون علي بعض شوية، لما بدأت أجي هنا كُنا لسه عددنا صغير، دلوقتي العدد قريب من العشرين، قائد المجموعة راجل اسمه إرنست، راجل لطيف وداعم لينا لاقصي الحدود، صعب جداً تصدق إنه متدربش علي قيادة مجموعة دعم نفسي.
الاسبوع ده إرنست طلب مننا نكتب جواب نوضّح فيه ليه بنعاني من عقدة ذنب تجاه نجاتنا، قالنا إنه مش لازم نقراهم أو نوريهم لحد، بس الجواب ده مهم عشان هيورينا الألم بتاعها سببه ايه، عشان كده كتبت الجواب اللي هتقروه ده !

أنا عندي عقدة ذنب تجاه نجاتي... لأني ضحية الجلاد بتاعي !

لا، بصراحة الكلام ده غلط، وأنا مش المفروض أقول اني ضحية، إرنست بيقول إننا مش ضحايا، إحنا ناجين، ونجاتنا دي كانت لسبب، محدش يقدر يقول علينا ضحايا، لكن ساعات... ساعات... مش بحس إني ناجية، كان المفروض أنا اللي أموت، يمكن أنا مستحقش إني أكون هنا وسطهم، دي الحقيقة...
أنا حاسّة بالذنب عشان كارلا كانت تستاهل تعيش أكتر مني !

عرفت كارلا كويس بسبب الوقت اللي قضيناه مربوطين مع بعض، السلاسل اللي كانت رابطانا كانت مقفولة كلها بقفل واحد، إيدينا مربوطة كويس مع بعض، إحنا الإتنين مكُناش لابسين أي هدوم، لمّا وصلت للعُلية بتاعت السجّان كنت لسه متعرضتش لأي أذي، كارلا كان مأذية بشكل كبير، كان في كدمات في كل حتة في جسمها، في دم ناشف في كل مكان، حتة من شعرها مخلوعة من فروة راسها بالقوة، عندها سِنة أو 2 مش موجودين، اليوم الأول ليا كنت خايفة ومرعوبة، كانت بتحاول تهديني، قالتلي علي الحاجات اللي لازم أتوقعها هنا، قالتلي علي السجّان وعلي الطريقة اللي بيمشي بيها الأمور هنا، صوتها كان هادي بس موجوع، بس كنت سمعاها كويس كمان كنت سامعة تنهدات الألم بتاعتها !
"هيطلب منك تعملي حاجة... الموضوع هيبدأ بسيط... بعد كده هيبقي مؤلم... يا إما هيؤلمك إنتي أو هيؤلمني أنا... لازم تعملي اللي هيطلبه، لو عملتيه هيأكلنا... لو مقدرتيش... هيسيبنا نجوع !"

حاولت أفهم الجملة اللي هيّ قالتهالي دي، كنت خايفة وتايهة ومش فاهمة حاجة، قالتلي بنبرة توضيحية: "دي المرة الوحيدة اللي هقولك فيها ده... أنا آسفه عشان اللي هعمله فيكي"
كانت عند وعدها، مكررتش اعتذارها تاني !

قالتلي إن عندها 3 أولاد، الكبير هيخلص المرحلة الإعدادية قريب جداً، كان عندها أسرة وحياة، أنا مجرد بنت في الجامعة، أهلي ميتين ومليش حبيب ولا أصحاب، محدش هيقلق عليا لو اختفيت، بس لما جه وقت تنفيذ أوامره مفيش أي حاجة من دي فرقت معاه.
دايماً كان بيلبس قناع تزلج، لونه برتقالي فاتح، مكانش بيتكلم معانا إطلاقاً، كان بيمسك ورقة مكتوب عليها تعليمات اللي عاوزنا ننفذها، كان مريض نفسي، مريض نفسي بطريقة مُقززة، من شكله وحركاته أقدر أقول إنه في الأربعينات من عُمره، لون بشرته أبيض، غير كده مقدرتش أعرف عنه أي حاجة.

الأمر الأول اللي إداهولي كان إني أرجعّ علي كارلا، كنت هنا بقالي 24 ساعة بس، كنت جعانة، تعبانة وخايفة، قولتله إني مش فاهمة هو عايزني أعمل كده ليه، هز الورقة بعصبية، كارلا أمرتني بصوت واطي إني أعمل اللي بيطلبه، لو عملت كده هيأكلنا، كنت شايفة عيون كارلا كويس، كارلا عاشت أسوأ من كده... بكتير !

حاولت أرجعّ عليها، من غير إيديا كان الموضوع صعب، كنت بعيد وبترجاه يسيبنا نمشي، بعد 10 دقايق رمي علينا الورقة بعصبية وهز راسه بخيبة أمل، كارلا في اللحظة دي هجمت عليا، مكنتش فاهمة إيه اللي هيحصل، عضتني في كتفي بعنف لدرجة إنها قربت تشيل اللحم من مكانه، صرخت وحاولت أبعد عنها، كانت ماسكة كتفي بأسنانها بشكل وحشي، شكل الدم علي وشها خلي الدُنيا تلف بيّا... بعد ثواني أغمي عليا !

صحيت بعد شوية، كارلا كانت قاعدة قصادي بهدوء، لما لمحتها بعدت عنها بشكل تلقائي، السلاسل كانت ضيقة علي إيدي وبتوجعني كل ما ببعد، الألم والحزن كان باين علي وشها وهي بتقولي: "كان لازم تعملي اللي طلبه منك"
سألتها بألم: "ليه عملتي فينا كده؟"
بهدوء مليون حزن جاوبتني: "لأنك فشلتي... لو مكنتش أذيتك مكانش هيأكلني... بس دلوقت أنا أكلت وشبعت وإنتي لسه جعانة"
بصيت علي كتفي عشان أشوف الجرح، حتة من اللحم كانت طالعة من مكانها والدم ناشف حواليها، الألم كان بينتشر في جسمي كله، كارلا بصت للأرض بخجل.
السجّان فتح الباب ودخل، إكتشفت بعدين إننا في علية بيت قديم بتاع راجل عجوز السجّان ده قتله، محدش بيفتقد كبار السن، البيت كان في مكان مهجور وأقرب جار ليه كان علي بعد 3 كيلو.
جسمي إترعش والسجّان بيبصلي من ورا القناع، قعد علي كُرسي قريب مننا، كان ماسك ورقة لكارلا مكتوب عليها: "لازم تبلعي البِصاق بتاعها"
بصتلي وهي بتحمسني عشان أعمل كده، هزيت راسي بعنف، مقدرش أعمل كده، خبطت إيدها في الأرض والسلاسل طلعت صوت عالي وهي بتقولي: "يلّا !!"
حاولت أعمل كده بس ريقي كان ناشف، مأكلتش ولا شرب أي حاجة بقالي يوم أو أكتر، حاولت بأقصي طريقة قدرت عليها، بصقت علي وشها وحاولت أنشن علي فمها، بلعت اللي بصقته كأني معملتش حاجة خالص!

السجّان شكله كان مبسوط أوي، طلع ورقة تانية من معاه مكتوب فيها: "إكسري إيدك".
كان موجهها ناحيتي أنا، بصيتله بصدمة وأنا بسأله بعدم تصديق: "إيه؟"
كارلا ردت مكانه بصوت مليان يأس: "إعملي كده... مش عاوزة اؤذيكي تاني!"

بصيت علي إيدي وأنا مش عارفة المفروض أعمل إيه دلوقتي، ببصلها دلوقتي وأنا بكتب الجواب، لحد النهارده الكسور ملتحمتش بشكل صحيح، إيدي زي ما تكون شوية عضم مكسر جوا حاجة جلد، مش بقدر أستعملها لحد دلوقتي، بفتكر لما حطيتها تحت السلسلة وبدأت أكسرها وأضربها بعنف لحد ما إتكسرت تماماً، صوت العضم وهو بيتكسر مش هيتمسح من ذاكرتي أبداً،
كارلا كانت بتبصلي بعينين بتقول إنها شافت أسوأ من كده!

كنت بعيط، بعيط بسبب كسرة النفس وبسبب الوجع، السجّان كان بتفرج باستمتاع، رمي الورقة علي الأرض لأني ببساطة عملت الي طلبه مني، خرج من المكان لدقايق ورجع بطبقين فيهم أكل، كلنا كل اللي في الأطباق، نسيت وجعي من كتر الجوع اللي كنت حاسه بيه، كان بيتفرج علينا وإحنا بناكل، مكنتش شايفة تعبيرات وشه من ورا القناع.

Already happened- حدث بالفعلحيث تعيش القصص. اكتشف الآن