Already happened- حدث بالفعل

9- أكل الخنزير

Part 3

سمعت صوت السلاسل بتبعد عن باب الأوضة، صرخت تاني بس كُنت عارف من جوايا ان محدش هيساعدني، حاولت اهدي شوية، الغضب والصريخ مش بيجيبو نتيجة، الموضوع مش سهل ولا بسيط.

بعد شوية، سمعت حد بيقرب من الاوضة، كُنت في حالة مُزرية، عقلي مليون افكار سوداوية، صوت الصريخ والتعذيب اللي جايين من برا دول أسوأ موسيقي تصويرية ممكن حد يتخيلها، إيديا بتوجعني جداً، كُنت بحاول أحضر نفسي للأسوأ، صوت الخطوات قرب اكتر من الباب، دخلت واحدة ست ووقفت قدامي وهيّ بتبصلي، عين من عينيها كانت مش موجودة، شعرها مُجعد ومليان تراب وقذارة، بشرتها شاحبة، لبسها قديم ومقطَّع، مش قادر احدد سنها بصراحه، بصتلي بإهتمام وهيّ بتسألني: "لسّه بتفكَّر؟"
سألتها: "إيه؟"
قربت مني شوية وهيّ بتقول: "لسه بتفكَّر هتأكّل الخنزير ولا لا؟"
بصتلها بفضول وانا بقولها: "آه..إنتي مين وعاوزة ايه؟"
قالت لي: "في يوم من الأيام كنت في مكانك ده، بحاول أقرر مصيري، مكُنتش مصدقة إن ده بيحصلي، مكُنتش مصدقة إن في حياة بعد الموت، مهما تخيلت ومهما قولتلك مش هتتخيل مدي بشاعة المكان ده"
سألتها بسرعة: "إنتي كمان إنتحرتي؟، إنتي بني آدم زيي، إنتي مش واحدة من المخلوقات المرعبة دي؟"
ضحكت وهي بتقول: "حاجة مُحزنة إنك تسأل سؤال زي ده، بس انا متفهمة ده، اه انا كنت منتحرة زيك، وانا هنا من وقت طويل، طويل جداً، بس ده باختياري، انا اللي قررت افضل هنا"
شاورت براسي ناحية الباب وانا بسألها: "ايه اللي برا؟، ايه اللي بيحصل؟"
سندت ضهرها علي الحيطة وهي بتتنفس بعمق وبتقولي: "مش هقدر اوصفلك المكان، بس هو مش شبه اي حاجة ممكن تتخيلها، انت هتخرج من الاوضة وهتشوف ال..المكان ده..و.."
سكتت شوية وهي بتكمل بألم: "لازم تشوف بنفسك عشان تفهم"

سألتها بخوف: "لأي درجة المكان ده سئ، يعني الناس المتحورين دول بيؤذوا بعض ويموتوا بعض؟"
هزت راسها وهي بتقول: "الموضوع مش بالبساطة دي، انت محتاج سنين طويلة عشان تفهم المكان ده كويس، سنين انت متملكهاش، دلوقتي لازم تاخد قرار، تفضل او تأكل الخنزير، انا سمعت ان النار أسوأ من هنا، المتحورين والمنتحرين هنا في المزرعة السوداء بيقولوا ويغتصبوا ويذبحوا بعض، السؤال الحقيقي هيكون انت هتقدر تنجو اد ايه قبل ما حد او حاجة تموتك؟"
سألتها بتردد: "افهم من كده انك اخترتي تفضلي هنا؟، طب ليه محاولتيش تأكلي الخنزير؟، انا اصلاً مش فاهم معني الكلمة، بس لو الموضوع فيه فرصة ولو ضئيلة إننا نرجع تاني وناخد فرصة تانية، مش تختار أبداً اني افضل هنا!"
ابتسمت بحزن شديد وهي بتقول: "ليه؟، ليه اخترت افضل هنا؟، الموضوع بسيط في الحقيقة، انا جبانة، انا كنت جبانة وانا عايشة وبقيت أجبن لما مُت، لمّا عرضوا عليا الاختيارات اخترت اني افضل هنا، مش عارفة لو رجعت إيه بيستناني، انا اخترت اختياري بدافع الخوف"
سألتها: "يعني ايه الخنزير؟، ولو اخترت أوكله هيعمل فيا ايه؟"
بصتلي والحزن بيملي عينيها: "انا اسفه، بس انت لازم تكتشف ده لوحدك، بس خليني أحذرك، فكَّر كويس اوي قبل ما تاخد قرارك، ساعات مواجهة خوفك بتبقي أحسن من الاستسلام للخوف وساعات العكس، من فضلك كُن شجاع"
خرجت من الباب كنت بصرخ فيها بخوف: "أعمل ايه؟"
وقفت مكانها وبصتلي ثواني من غير ما تلف وشها وهي بتهمس: "أكل الخنزير"
واختفت.