التقيت عيناهما، وهو في واجهة المكتب وهي خارجة منه.. حاول الاقتراب منها ومحادثتها بعد لحظة من التحديق في بعضهما، ولكنها لم تتيح له تلك الفرصة، وركضت بعيداً عنه ناظرة للأرض بارتباك حتى خرجت من القسم.. تأفف حسام ضارباً الأرض بقدميه، ثم أدار وجهه بعيداً عن طريقها، واستأذن ليقابل العميد "غيث".
دلفت "عنان" تاكسي متوجهة إلى منزله.. جلست محدقة بصورة ما في هاتفها بشرود ولم تعر لطريقها أي أهمية.
* * * *
بجواره هي الأن.. تتشبث بيديه بقوة سانده رأسها فوق كتفه شاردان بالمد و الجزر العاليان المستمران بصورة منتظمة، ودقات قلبهما في ذلك الوقت عالية بنفس الدرجة كادَ أن يتساوى صوتها مع صوت الأمواج كاسرًا هذا الصمت حيث أن الصمت في ذلك الوقت هو الشعور المتبادل بينهما، فليس شرطاً أن يكن الحديث كلاماً.. من الممكن أن يكون شعور بالأمان أو رجفة متبادلة بين يديهما، وإن كان الحديث صامتاً، فلم تصمت المشاعر بينهما أبداً.
هما يفضلان دائماً ذلك الهدوء أمام أمواج البحر حيث يجدان في الصمت شعور مختلف تماماً عن الحديث خاصة في ذلك الوقت من اليوم "وقت الغروب".
تُفضِل هي جدًا اندساس كفها الصغير بين كفيه أو تشبثها بذراعه بينما هو يضع كفه فوق يدها المتشبثة به.. تُحب هذا الاحساس بالأمان والدفء كما يعشق هو احساسها بالضعف امامه، ويعشق أيضاً احساس الاب الذي طالما يشعر به تجاهها، وكذلك احساسه بالمسؤولية معها.. بالفعل هو مغرم بها كثيراً كما تُتيم هي به أيضاً.
* * * *
ترك فنجان القهوة التي كانا يرتشفاها سوياً خلال حديثهما باندفاع عندما صرح الأخر بذلك الخبر الذي جاء حتى يخبره به:
-في جروح بسيطة وخرابيش في رقبته
اندفع "غيث" في الحديث بأهمية:
-هو حصل بينهم مشدات!!
أجاب "حسام" موضحاً:
-لا ما حصلش.. الجروح دي قديمة يا فندم.. مدتها تتراوح من يومين لتلاته
-يعني أية!
قالها بعدم فهم، فأضاف حسام:
-يعني حصل خناقة بينه وبين حد، أو حتى مشاجرة بسيطة قبل الحادثة
شرد غيث بتفكير، ثم وضع يده فوق المكتب شابكًا أصابعه ببعضهما، ونظر لحسام قائلاً باستفهام:
-مش يمكن هو اللي مخربش نفسه، وهو نايم مثلاً!
-لا يا فندم مش منه.. التحليل بيقول انها ما لهاش علاقة بيه.. ده حد كان بيتخانق معاه
-يعني اللي أتخانق معاه هو اللي قتله؟
قالها بتفكير فأجاب حسام:
-احتمال كبير يا فندم
-طب مين!!
-هنعرف لما ناخد من كل اللي شغالين معاه في الشركة، وخطيبته عينات ونحللها ساعتها هنعرف
صمت حسام، ثم عاد غيث بظهره سانداً على ظهر المقعد قائلاً:
-الأول هنجيب خطيبته، ونسألها تاني، ونشوف تعرف حاجة عن موضوع الخناقة ده ولا لا، وبعدين هنأخد الخطوة دي.. أهم حاجة دلوقتي انا لازم اسافر "دمنهور"
قالها غيث بأهمية فهتف حسام متعجباً:
-ليه يا فندم؟
-هروح أستجوب اهل عاصم
-طب ما تستدعيهم يا فندم
نهض غيث، وخطى بعيداً عن المكتب ببطء متحدثاً:
-لا؛ عشان لو حد فيهم وراها لو استدعيتهم في احتمال انه يهرب.. لازم أكبس عليهم عشان كمان ما يكونوش جاهزين للرد، ولو حد فيهم وراها يبان عليه
نظر له حسام باقتناع، ثم تساءل:
-طب وأذن النيابة؟
-الصبح هيكون معايا
صمتا الاثنان متفائلان باقتراب امل حل ذلك اللغز.
انتهت المقابلة بينهما، ثم غادر حسام القسم شارداً تتضخم افكاره المتراكمة التي تتسبب في رفع ضغطه دائمًا.. لا هو يدري لها حلًا أو نهاية أو سببًا من الأساس.
دلف سيارته موليًا شطره نحو منزله في فكر مسيطر على عقله.. حتى وصل، وركن سيارته داخل الجراج الخاص بالبناية التي يسكنها، ثم استقر المصعد متوجهًا للطابق الرابع حيث تقبع شقته.. فتح الباب بهدوء، ثم دلف الشقة غالق الباب خلفه بنفس الطريقة حتى لا يصدر صريرًا، وسار بخطوات بطيئة حتى لا يشعر أحد بقدومه متجهًا إلى غرفة الاستقبال.. دلفها وأغلق الباب خلفه، ثم خلع حذائه، وجاكيته، وجلس فوق الأريكة بإرهاق.. أستلقى فوقها بعد دقائق حتى غط في نوم عميق.
أستيقظ بعد وقت قليل على صوت زوجته توقظه بصوت خافت:
-حسام.. انت نايم كده ليه يا حسام
أجابها بتثاؤب مفتحًا نصف جفنيه:
-تعبان يا لميس
-ومن أمتى بتنام هنا يعني؟ وليه لما جيت ما عرفتنيش أنك جيت
قالتها بلوم و تعجب، فأجابها بقسوة:
-ما لكيش دعوة، ثم أنتي من امتى أصلًا بيفرق معاكي اجي امتى ولا انام فين!
-طول عمري يا حسام
قفز من رقدته بغضب متحدثًا:
-بقولك ايه ما تقرفينيش، وما تمثليش الاهتمام عشان مش لايق عليكي.. روحي حضري الاكل احسن لك واحسن لي
نظرت للأرض بحزن وضعف قائلة:
-الأكل متحضر يا حسام.. انا كنت جايه اصحيك عشان كدة.. انا شوفتك وانت داخل من اول ما جيت، وما رديتش اجي اتكلم، وقولت اسيبك على راحتك
انتهت من حديثها، ثم غادرت الغرفة في صمت.
زفر هو، وعاد مستلقيًا فوق الأريكة، ثم التقط جاكيته من المقعد المجاور له، وتفقده حتى عثر على علبة سجائره.. اخرج منها سيجارة وأشعلها، ثم سحب بضع أنفاساً منها بضيق، وتحدث بسخطٍ:
-كانت جوازه سودة.. أقسم بالله ما انا واكل
* * * *
يرمقها ببهجة وحب، وتجري هي الأن أمامه فوق تلك الرمال الغارسة.. راسمة بها قلبًا كبيرًا يحمل حرفه، ثم تنظر إليه بسعادة، وتتحدث رافعة صوتها حتى يصل له من بين أصوات تلك الأمواج العالية:
-شوفت القلب حلو ازاي، ورسمت فيه حرفك
أجابها بابتسامه.. لم تسمع صوته بوضوح، بينما تفهم جيداً لغة عينيه، وحركة شفتيه حيث كانت تعرفه أكثر من ذاته، وتفهمه في جميع أحواله:
-حلو أوي يا حبيبتي
قفزت عالياً بسعادة، وبراءة كالأطفال قائلة ببهجة:
-بحبك اووي
قهقه على شكلها الطفولي، ثم نهض من جلسته مقتربًا منها.. ضحكت ببراءة عندما رأته يقترب واضعة كفيها فوق عينيها بسعادة، ثم باعدتهما ناظرة له ومكررة:
-بحبك
وقف أمامها مبتسمًا.. قرب يديه من جسدها، ثم وضعهما فوق خصرها بهدوء وقال بجنون:
-تعالي نرقص سلو
أجابت باندهاش:
-هنا؟ ازاي! طب والناس؟
-ما فيش ناس، والجو شتا، وما فيش حد غيرنا اهو
هتفت ضاحكة بحب:
-انت مجنون
-بيكي
طوق خصرها بيديه ثم رفعها، فاندفعت هي بالكلام:
-مش قولت هنرقص سلو؟
-لا هلف بيكي
ضحكت بمرح، ثم انطلق هو في الدوران حول نفسه حاملًا أياها.. وتتشبث هي في عنقه، وتنظر للسماء بسعادة، ثم يهتف لها هو بهيام:
-بموت فيكي
* * * *
انتهى حسام من سيجارته، ثم دهسها في المطفأة الذي يضعها بجانبه، وأعادها إلى المنضدة.. التقط الريموت كونترول، وشرع في تشغيل التليفزيون، وثم تدوير القنوات بحيرة ليجد شيئاً يشاهده.
بتر انهماكه صوت جرس هاتفه المحمول.. ترك الريموت، والتقط الهاتف من جانبه ناظراً على اسم المتصل، ثم رد على الفور:
-أيه يا ابني كنت فين؟
أجاب المتصل:
-الموبايل كان فاصل شحن، وكنت برا البيت من امبارح، ولسه راجع النهار ده.. بفتح لقيت ميسد كول كتير منك قلقت بصراحة.. خير؟
أخذ حسام نفساً طويلاً قبل أن يجيب، ثم أجاب بتنهيده مغمضً عينيه:
-لقيتها يا معتز
........
#بسمه_ممدوح
أنت تقرأ
جريمة ضد مجهول
Детектив / Триллерالروايه بقلمي ، تابعه لصفحه " روايات بسوم " عبر الفيس بوك .... تحكي الروايه عن نهايه الغيرة و الحقد ، و عدم الرضي بما قسمه الله لنا .. و توضح نهاية كُل شخص يتفنن في عمل الجريمة لأي سبب ما .... الروايه غموض بوليسي ، لغز حول جريمة قتل تبحث فيه شرطة ا...