الساعة الحادية عشر صباحاً .. استيقظت على هزة خفيفة من " أنس " ليوقظها و هو يتحدث باهتمام :
- عنان .. أصحي يا عنان .. في ناس قرايب عاصم من البلد على التليفون و عاوزينك
تحدثت بخمول ممده يدها لتلتقط منه الهاتف :
- على الصبح كدة .. هات طيب
- لا مش على الموبايل .. على تليفون البيت
زفرت بضيق ثم نهضت متجهة نحو الصالة قائلة :
- افتكروا دلوقتي أن ليهم قريب اسمه عاصم و كمان عرفوا خطيبته .. سبحان الله
خرجت إلى الصالة و جلست على الأريكة بجوار المنضدة الساكن فوقها الهاتف المنزلي ثم التقطت سماعة الهاتف و تحدثت :
- ألو .. مين معايا
قالتها بخمول و ما لبثت إلا و أتتها صفعة قوية لتُفيقها و تعيدها إلى الواقع :
- انا مرات عم عاصم .. أزيك يا حبيبتي .. سمعنا أن عاصم أتوفى .. البقية في حياتك .. بس مش عيب بردك لما نسمع الخبر من التلفزيون و الجرايد و خطيبته ما تبلغناش ؟ ده حتى ما كنش ليه غيرك في بلدكوا يا أختي و المفروض انه لما يموت تبلغينا عشان ناخده ندفنه وسط أهله و ناسه ولا حتى في الموت كمان هتاخديه مننا
صُدمت عنان من هذه الصاعقة التي انهالت عليها دون مقدمات و بعد لحظات بدأت في استجماع قوتها لتجيب بهدوء :
- أطمني يا طنط عاصم لسه ما أتدفنش ولا هيتدفن دلوقتي لأنه لسه في المشرحة و الإجراءات لسة ما خلصتش و مدام حضرتك شوفتي في الجرايد و التلفزيون يبقى أكيد عارفة أنها جريمة قتل يعني مش بالسهل يتدفن في وقتها ، و أكيد يا طنط لما يجي يتدفن هبلغكوا تيجوا تستلموه .. بس عندي توضيح بسيط لحضرتك انا ما خدتش عاصم من حد ؛ عاصم عايش في إسكندرية من ساعة ما باباه مات و انتوا من وقتها ما حدش فيكوا عبره ولا سأل عليه و لو كنتوا بتسألوا عليه ولا على خطيبته كنتوا أكيد هتبقوا أول ناس تعرفوا خبر وفاته ، و بعدين انا ولا عندي وقت ولا نفس ولا روح بعد اللي حصل لعاصم أبلغ حد .. انا اللي فيا مكفيني
حاولت تلك المتصلة الرد و لكن لاحقتها عنان بالكلام :
- بإذن الله لما اجراءات الدفن تخلص هتيجوا تستلموه بأمر نيابة عشان يتدفن وسط أهله و ناسه
قالت الكلمات الأخيرة بتهكم ثم أنهت المكالمة سريعاً و أغلقت الهاتف على الفور .. وضعت كفيها على وجهها بيأس فجلس أنس بجوارها و تحدث بقلق :
- خير يا عنان في أيه ؟
نظرت له بضيق متحدثة باستهجان :
- فجأة افتكروا انهم ليهم أبن أخ و أنه لازم يتدفن عندهم و كمان بتقول أني وخداه منهم .. أتهبلوا باين !! مش هما دول برضه اللي راموه هو و أمه من بعد ما أبوه أتوفى
زفر أنس قائلاً :
- ما تزعليش نفسك و كبري دماغك .. كأنك ما سمعتيش حاجة
أجابت باندفاع دون السيطرة على لسانها :
- و انا أحط في دماغي ليه .. انا ولا كنت بحبه ولا يفرق معايا .. ياخدوه و يشبعوا بيه .. انا بس زعلت عليه عشان العشرة و عشان هو بني أدم مش أكتر يعني
نظر لها أنس في تلك اللحظة متعجباً و لم يجيب فتنحنحت هي بعدما أدركت ما قالته ثم واصلت :
- كنت بحبه الحب العادي يعني .. يالا ربنا يرحمه
نهضت محاولة أنهاء الحديث ثم دلفت غرفتها هاتفة و هي تقترب من فراشها :
- انا هنام شوية كمان يا أنس .. تعبانة جداً
أجاب بكلمة واحدة " ماشي " ثم أتجه إلى غرفته في صمت ، و استلقت هي فوق فراشها مرة أخرى .
* * * *
تجلس بجواره في مجلس مليء بالمذاكرة و الانهماك فيها فأصبحا الأن صديقان مقربان .. لم تشعر وقتها أنها بحاجة للمذاكرة و التركيز بقدر ما كانت تشعر باحتياجها لأحضانه .. يشرح و يفسر لها هو جميع ما يصعب عليها فهمه و يهتم بدروسها ، فهو يخشى عليها و يهتم لأمرها كثيراً ، و لكن طوال جلستهما لم تكن تستوعب هي سوى عيونه ، تارة تنظر لهما و تارة تشرد مفكره فيه و هو بجوارها .. لم تكن تحب وجوده جانبها بتلك الصورة بل هي تتمناه بصورة أخرى بعيدة كل البعد عما يفعله هو الأن .. شردت بالمعنى المفصل للكلمة حتى أن تدلى شعرها القسطلي فوق عيناها اليمنى دون أن تشعر .. لاحظ وقتها هو عدم كونها معه فهتف منادياً عليها بصوت خفيض ، فلم تُجيب .. لم تكن تسمعه من الأساس بل هي غارقة في خيالها معه في عالم أخر .. أقترب بأنامله من وجهها محاولاً إزاحة خصلات شعرها من فوق عيناها عن بعد دون ملامسة وجهها و لكن لم يكن بينهما فارق كبير ليلتقطه دون ملامستها .. سكنت يداه على وجهها عندما مرت عيناهما ببعضهما ، وضعت اطراف اصابعها على ثغرها بخجل ، فأبعد كفه عن وجهها و بحركة لا إرادية أمسك كفها مبعداً اياه من فوق ثغرها .. لم يكن يشعر ذلك الوقت بما يفعله و لكن كل ما يشعر به الأن هو شعوره تجاهها الذي لم يقوي على السيطرة عليه .. قرب كفها من شفتاه ثم قبله بهدوء ، و قبل أن تنهار حواسها و تتشتت أعصابها هتف بما كانت تتمناه طويلاً :
- بحبك
لم تستطع السيطرة على ما تبقى من اعصابها منذ أن وضع يده على وجهها ، ففقدت الوعى على الفور ليحدث ما تمنته أكثر بكثير من تلك الكلمة التي كانت طالما تقرأها في عيناه ، فتستلقى الأن بين احضانه محاولاً هو إفاقتها بزعر و توتر أثر خوفه عليها .
* * * *
الساعة الرابعة عصراً .. انتهت " عنان " من ارتداء ملابسها و تهيأت للخروج .. توجهت إلى باب الشقة فاستوقفها " أنس " قائلاً :
- رايحة فين ؟
التفتت له و هي تجيب :
- رايحة القسم
أقترب منها و هو يهتف :
- ليه
نظرت له بانتقام و تحدثت بتهكم :
- هفقع زومبا
ضحك رغماً عنه و تساءل :
- في مين ؟
أجابت متلهفة و هي تفتح باب الشقة :
- هقولك لما أرجع علشان ما اتأخرش
خرجت مسرعة و أغلقت الباب خلفها مولية شطرها نحو قسم الشرطة .
وصلت القسم ثم طلبت مقابلة العميد " غيث " .. انتظرته بعض الوقت ثم سمح لها العسكري بالدخول .
دلفت المكتب و أغلقت الباب خلفها ثم اتجهت إلى المقعد المقابل لمكتب " غيث " متحدثة :
- أسفة يا فندم لو بعطلك .. بس مش هاخد من وقت حضرتك كتير
- براحتك يا أنسة عنان .. اتفضلي
قالها " غيث " و هو يشير لها بالجلوس و يُغرس سيجارته في المطفأة ، و يعود بظهره للخلف .. جلست عنان و وضعت حقيبتها فوق المنضدة امامها ثم تحدثت :
- انا شاكة في حد و جاية أخلص ضميري و أبلغ
أنتبه غيث في تلك اللحظة و هتف باهتمام :
- مين ؟
- عمه و مراته
- عم مين ؟
- عم عاصم
نظر لها غيث بتفكير فأضافت هي :
- لما بابا عاصم الله يرحمه توفى عمه أستولى على حقه خصوصاً أن كان في أراضي عندهم في البلد و بيوت كتير مشتركة بين أبو عاصم و عمه ، فعمه اخد كل حاجة و أتخلى عنه هو و مامته الله يرحمها ؛ علشان كدة جم على إسكندرية .. بس وقتها كان في حاجات عاصم ورثها من باباه زي فلوس كانت في البنك عمه ما كنش ليه فيها حاجة و عربية و محلات ، و هما باعوا العربية و المحلات و حطوا فلوسهم على الفلوس اللي في البنك لما جم إسكندرية
- و أنتي عرفتي منين الكلام ده ؟
قالها غيث باستفسار ، فأجابت عنان بثقة :
- عاصم هو اللي قالي ، و كان حاكي لي على كل حاجة
توقفت عنان عن الحديث و غيث منغمر في تفكيره .. ساد الصمت لثواني ثم قطع الصمت صوت غيث :
- يعني بتتهميهم بأية ؟
- مش بتهمهم يا فندم .. انا بقول لحضرتك كل حاجه علشان تبقى عارف .. يمكن يكون ليهم يد فيها ؛ أصل عاصم ما لهوش وريث غيرهم يعني لو مات كل فلوسه دي هما هياخدوها
نظر لها غيث بتفكير و هو يجيب :
- والدة عاصم اتوفت أمتى ؟
- من شهرين يا فندم ، و علشان كدة انا و عاصم أجلنا جوازنا شوية
قالتها عنان بحُزن ثم صمتت و غيث شارداً يُفكر بإمعان في حل ذلك اللغز ، ثم تحدث بعد دقيقة بجدية :
- تعرفي عنوان عمه ده بالتفصيل ؟
أجابت عنان باندفاع :
- أعرفه يا فندم ، بس ..
صمتت لحظة ثم واصلت :
- مش عارفة مكان البيت او رقمه .. أعرف المنطقة و في أنهي بلـ..
قاطعها غيث :
- تعرفي اساميهم أهم حاجة ؟
- أيوة يا فندم
- خلاص كدة تمام اوي
صمت غيث و التقط من فوق مكتبه قلم و أوراق و مد يده لعنان بهما و هو يتحدث :
- اكتبي الاسامي هنا و خصوصاً اسم عمه بالكامل لو تعرفيه ، و اكتبي العنوان
التقطت عنان منه القلم و الأوراق و اومأت بالموافقة ثم بدأت في كتابة ما طلبه منها .
* * * *
انتهى " حسام " من عمله ثم غادر المشرحة و توجه إلى المشفى و بعدما انتهى من أمور هامة بها تركها و خرج متجهاً إلى قسم الشرطة قاصداً مقابلة العميد " غيث " .
وصل إلى القسم بعد وقت قليل .. دلفه متجهاً إلى مكتب غيث في عجل و أهمية و فجأة ..
......
#بسمه_ممدوح
أنت تقرأ
جريمة ضد مجهول
Mistério / Suspenseالروايه بقلمي ، تابعه لصفحه " روايات بسوم " عبر الفيس بوك .... تحكي الروايه عن نهايه الغيرة و الحقد ، و عدم الرضي بما قسمه الله لنا .. و توضح نهاية كُل شخص يتفنن في عمل الجريمة لأي سبب ما .... الروايه غموض بوليسي ، لغز حول جريمة قتل تبحث فيه شرطة ا...