* الفصل السابع *

270 36 0
                                    

يرقد "رامز" في فراشه.. أفتح جفنيه على صوت طرقات باب الغرفة، ثم فتحت زوجته الباب، ودلفت الغرفة متحدثة:
-صباح الخير يا رامز.. صحيت؟
أشار لها "بنعم" في صمت.. اقتربت هي منه، ثم جلست بجواره فوق مقدمة الفراش، وأضافت:
-طب مش هتقوم بقى يا أخويا تنزل شغلك؟
أجاب في تلك اللحظة بصوت منفعل:
-لا مش هروح
-الشغل محتاج لك دلوقتي يا رامز
قالتها وهى تربت على كتفه بحنان، وتضيف:
-انت داخل في أسبوعين ما بتروحش الشغل
أزاح يدها بعيدًا عنه بعنف قائلًا:
-أنتِ مالك؟ هو حد اشتكا لك!
نظرت للأسفل بحزن، وصمتت لثواني، ثم تحدثت بشفقة قائلة:
-انا عارفة يا حبيبي أنك زعلان على عاصم، وانه مأثر فيك.. بس الحي أبقى من الميت برضه، وانت خلاص خفيت، وبقيت كويس.. انزل بقى علشاني، وعلشان ابنك.. احنا محتاجين لشغلك، وللفلوس دى
أشاح بعيداً عنها، ثم أجاب بتجهم:
-المرتب ماشي زي ما هو.. ممكن بقى تتفضلي تطلعي برا، وما تسمعنيش صوتك الجميل ده تاني
نظرت له باستهجان، ثم نهضت من جواره راكضة خارج الغرفة دون تعليق.
                            * * * *
انهى "حسام" مكالمته بعد وقت ليس بقليل، ثم ترك هاتفه فوق الأريكة، ونهض خارجًا من غرفة الاستقبال متجهًا إلى غرفة نومه.. دلف إليها، ثم أضاء مصباح الغرفة، وشرع في تبديل ملابسه، وقبل أن ينتزع قميصه سمع صوت "لميس" يأتي من خلفه، تتحدث بعتاب:
-بتعمل معايا كدة ليه يا حسام!
تأفف قبل أن يُدير وجهه لها ليقابلها، ويتحدث بسخط:
-اللي هو ايه اللي بعمله معاكي؟
-معاملتك معايا يا حسام
في تلك اللحظة أقترب منها، وأمسكها بعنف من ذراعها الأيمن، وهو يتحدث بصوتٍ خافت مليء بالغضب:
-قوليلي يا لميس كده انا اتجوزتك ازاي؟
عبست وهي تجيب بذعر:
-عارفة، عارفة.. خلاص والنبي اوعى ايدك
-انا عايز اعرف بس
قالها وهي ترتجف من قوة نهره لها بعنف، فأجابت بتجهم:
-عارفة انك متجوزني غصب عنك، وان باباك فرضني عليك
-طب كويس.. من امتى بقى من يوم ما اتجوزنا وانا معاملتي معاكي غير كده!
نظرت له بحزن، ولم تجيب فأضاف هو:
-قوليلي من امتى؟ عمري اهتميت بيكي ولا حصل مني غير كدة!
-بس كنت بتدخل على اوضتك لما بتيجي، وساعات كنت بتحن وتكلمني قبل ما تيجي، وتسألني عاوزة حاجة ولا لا، وكنت بتتكلم حتى لو بقرف بس بتتكلم
نظر لها بسخط، ثم هتف باستهجان:
-ما بتفهميش.. شخصية باردة
-انا يا حسام!
قالتها بضعف، وصدمة، فأجاب:
-آه أنتِ، وانتِ عارفة اني ما كنتش عاوزك من البداية
-انا كمان يا حسام ما كنتش عايزاك
قالتها باندفاع، فزجر بوجهها بقوة فقدتها اعصابها ناطقًا:
-اومااااال وافقتي علياااا لييه
أجابت باكية وهي تحمي بكفيها وجهها بذعر:
-كنت شيفاك فرصة كويسة ليا، وكنت حاسة انك هتسعدني
قذفها بعنف فوق الفراش وهو يصيح بها:
-غبية.. غبية، وما بتفهميش.. بكرهك ما بحبكيييش، وطول عمري مغصوب عليكي
تركها في ذهول تبكي بصمت، وغادر الغرفة متوجهًا لغرفة الاستقبال.. دلفها ليلتقط جاكيته من فوق المقعد، وعلبة سجائره، وهاتفه، ثم ركض مسرعًا خارجها، وخارج الشقة أيضًا.
دلف إلى المصعد بعدما وضع هاتفه وعلبة سجائره في أحدى جيوب سرواله، ووقف بالمصعد ناظرًا لأحد مَرَايَاه وهو يربط أزرار قميصه حتى أنتهى مع هبوط المصعد.. ركض منه متجهًا لرتاج البناية خارجًا منه أيضًا.
هبط إلى الجراج، ثم استقر سيارته واضعًا جاكيته فوق المقعد المجاور له، واتجه خارجًا من الجراج، مبتعدًا عنه، وعن منطقة سكنة.. ظل يسير دون أن يدري إلى أين يذهب، وبعد وقت اخرج هاتفه من جيبه وطلب رقم صديقه.. وضع الهاتف فوق أذنيه مستمعًا لرنين الاتصال حتى أتاه صوت صديقه:
-أيه يا حسام
-معتز
قالها حسام بلوعة، فأجاب معتز بقلق:
-مالك؟
-لو ما وصلتلهاش هموت يا معتز
                           * * * * 
يطوق جسدها الضئيل بيديه، وتلتقي هي بين أحضانه واضعه راسها فوق صدره، مغمضة جفنيها، مستمعة لحديثه، فكان صوته يمثل لها دائمًا نغمًا موسيقيًا، او كروانً، او شيء لم يتكرر ثانيةً في هذه الحياة:
-انتِ اجمل حاجة في حياتي.. حياتي من غيرك كانت وحشة اوى.. انتِ قدرتي تِغيري حاجات كتير اوى فيا، وأولها انى اعرف احب.. عرفتي أزاي تخليني اعرف اتعلق بحد، واحبه بجد
صمت، وسحب نفسًا طويلًا لرئتيه، وتنهد بحب ثم أضاف:
-انا هتجوزك، ومش هتجوز غيرك
لم تجيب، ولكنها تبتسم بحُب، وسعادة، وتمد يدها في هدوء لتضعها فوق يديه التي تطوقها، وتمسك بها بقوة كطفلة تائهة وأخيرًا عثرت على والدها، فتتشبث به وكأنها المرة الأولى والأخيرة التي تراه فيها.. كانت تشعر حقًا بذلك الأمان الذي لم تشعر به إلا معه.
                            * * * *
أفصح الصبح في اليوم التالي، فاستيقظت "عنان".. كانت الساعة تقترب من السادسة صباحًا.. نهضت من فراشها بخمول متجهة إلى الحمام، وبعدما انتهت من غسل وجهها، وأسنانها توضأت، ثم عادت إلى غرفتها.
شرعت في تأدية فريضة الفجر، وثم أدت الضحى، وبعدما انتهت توجهت إلى المطبخ، وشرعت في تحضير الإفطار.. قطع انهماكها صوت أنس يأتي من خلفها:
-ايه اللي مصحيكي بدري كده
ادارت وجهها له، واجابته:
-رايحة الشغل
-شغل ايه! مش وقته خالص
تركت عنان ما كانت تفعله، والتفت بجسدها لتقابله، وتهتف:
-ومش وقته ليه؟ الشغل ما لهوش اي علاقة بموت، او بحزن، او باي حاجه.. انا هنزل الشغل يا أنس
-بس انا خايف عليكي
قالها بحنان وهو يقترب منها، فأغمضت جفنيها بضيق، وثم فتحتهما ونظرت له، وتحدثت:
-ما تخافش يا أنس.. بس انا لازم اروح الشغل.. كفاية الايام اللي ما روحتهاش دي بقى
انتهت من حديثها، ثم استدارت ثانية لتُكمل تحضير الافطار، فاستدار أنس ليخرج من المطبخ قائلًا:
-براحتك.. انا هروح انام بقى
-مش هتفطر معايا؟
قالتها وهي ما تزال على موضعها، فأجاب بعدما خرج من المطبخ:
-لا.. هنام
صمت، واتجه إلى غرفته.. دلفها، واستلقى فوق فراشه بتفكير، ثم اغمض عيناه محاولًا الاستسلام للنوم.
انتهت عنان من تحضير الافطار، ثم جلست تأكل بمفردها شاردة، ولم تشعر بمذاق أي شيء لا الطعام نفسه، ولا أي شيء أخر.
                            * * * *
-هاتي أيدك
قالها ببهجة وهو يقرب يده من يدها ويمسك بها بحنان.. ضحكت هي بحب، وهتفت بخجل:
-ما انت مسكتها خلاص اهو
-لا ما انا مؤدب برضه، وكان لازم استأذن
ضحكا الاثنان، وتحدثت هي بحُب:
-تعرف اني ما بحبش اصحى بدري اوي كده.. بس بكون فرحانه جدا وانا نازله عشان اشوفك، وبيبقى عندي استعداد اصحى بدري عن كده كمان
ابتسم بشغف وهو يحدق بحدقتيها، ثم اضافت هي ببراءة:
-مع اني بكون عارفة اننا هننزل الكلية بدري، وأن ما فيش وقت غير للنوم بس، برضه بفضل اعد في الساعات عشان اشوفك.. انا بحبـ...
-بحبك أوي
قالها هو بينما اكملتها هي في نفس الصوت، فضحكا الاثنان بحب، ومرح، ورفع كفها أمامه وقرب شفتيه منه وهو يحدق بعينيها بحُب، ويطبع قبلة على كفها بهدوء، ورومانسية تحبها هي كثيرًا، وثم اكملا طريقهما متجهان إلى الجامعة.
......

#بسمه_ممدوح

جريمة ضد مجهول حيث تعيش القصص. اكتشف الآن