* الفصل التاسع *

259 39 0
                                    

فُزع أحد سكان المنزل عندما فتح الباب، ورأى الضباط أمامه.. بدأت ترتجف ساقيه، وترتعش يديه وهو يتحدث بذعر:
-خـ خير.. خير يا بيه.. هو هـ هو فيه ايه؟
أجاب غيث بصوته الاجش:
-ده منزل زيدان زهران؟
-أأ أيوة يا بيه.. انا زيدان
قالها بارتباك، فأشار غيث للعساكر ان ينتظروه قرب السيارات، ونظر "لزيدان"، وتحدث:
-طب عاوز اقعد معاك، واخد منك كلمتين
-براحتك يا بيه.. اا اتفضل.. اتفضل
أفسح زيدان الطريق لغيث، فدلف داخل المنزل، ومعه كاتب الاقوال.
جلسا الاثنان فوق أريكه ساكنه يمينا في الصالة، وجلس زيدان فوق مقعد يقع يسار غيث، وشرع غيث بالحديث:
-احنا جاين لك بخصوص ابن اخوك عاصم
-الله يرحمه
قالها بحزن، وواصل غيث:
-اولا البقاء لله
-حياتك الباقية يا بيه
-ثانياً انا محتاج اخد منك كلمتين بخصوص الموضوع ده، وما حبتش استدعيك، وتيجي لإسكندرية مخصوص، وقولت اجيلك بنفسي
قالها غيث وهو يشير لكاتب الاقوال بفتح المحضر، فأجاب زيدان مشدوهًا:
-يا خبر يا بيه.. شرف ليا يا بيه.. تحت امـ...
بتر غيث ثرثرته قائلًا:
-طب نبدأ الأسئلة؟ ممكن؟
-طب تشربوا حاجـ...
قاطعه ثانية:
-شكرًا يا زيدان.. ممكن نبدأ؟
-تحت امرك يا بيه
شرع كاتب المحضر في الكتابة، وتوجه غيث بأول الأسئلة:
-قول لي يا زيدان.. كنت فين يوم الاثنين اللي فات الساعة ٢ صباحًا؟
-٢ بتاعة التلات، ولا الاتنين يعني الاحد؟
اجاب غيث بانفعال:
-بتاعة التلات يعني الاثنين بعد الساعة ١٢.. انت هتستعبط ولا ايه؟؟
-لا يا بيه لا عيشت ولا كنت.. انا اسف يا بيه
-طب انطق كنت فين؟
-كنت نايم يا بيه.. اصل احنا هنا في بلدنا بنام من المغرب، ولو طولنا يعني بيبقى من العشا اصلـ...
بتر غيث ثرثرته مجددًا بانفعال.. ارتجف زيدان بزعر، وصمت:
-انا أسالتي واااضحة.. مش بقولك صاحبني، ومش عايز اعرف بتناموا امتى!
نظر له زيدان بتوتر، ولم يجيب، فأضاف غيث:
-اخر مرة شوفت فيها عاصم كانت امتى؟
                            * * * * 
انتهت "عنان" بعد وقت من المرور على الحالات الخاصة بها، وتوجهت إلى مكتبها.. جلست فوق المقعد الساكن خلف المكتب الخشبي بشرود، وبعد وقت قصير عادت من شرودها وهي تلتقط سماعة الهاتف من جانبها، وتطلب رقم مكتب صديقتها "كندا"، وفور طلبها للرقم أجابت كندا، وتحدثت هي:
-انتِ وراكي حاجة ولا فاضية؟
-لا عادي فاضية.. ليه؟!
قالتها كندا، فزفرت عنان بضيق، وهتفت:
-طب ما تيجي تقعدي معايا.. انا زهقانة جدًا، ومحتارة
-مالك؟
-لما تيجي بقى
-ماشي جيا لك.. اطلبي لنا اتنين قهوة لحد ما اجيلك
انتهت المكالمة، ثم ضغطت عنان على زر الحرارة، وثم أبعدت اصبعها، وطلبت رقم أخر لتطلب القهوة.
                            * * * *
-كفاية قهوة بقى هتدمر نفسك
قالتها وهي تبعد فنجان القهوة من أمامه.. انفعل لأول مرة وهو يجذب من يدها الفنجان، وتحدث بغضب:
-ما بحبش كده.. هاتي القهوة
تركت الفنجان في صدمة، ولم تجيب.. وضع هو الفنجان أمامه، وتحدث بضيق:
-كله إلا القهوة
نظرت له، ولم تجيب، فخفض نبرة صوته محاولًا تهدئة انفعاله، وأضاف:
-مش قصدي أزعق لك
أجابت تلك اللحظة بوجه مُمتقع دون ان تنظر له:
-عادي
-لا مش عادي.. حقك عليا
وضع يده فوق يدها وهو يواصل:
-ما كنش قصدي.. بس عشان مصدع
بدى اللين على ملامح وجهها وهي تنظر له بصمت.. ابتسم هو بحنان، ثم قبض بكفه على كفها وهو يقربه من ثغره لتواجه شفتاه راحتها، ويقبلها بهدوء مليء بالحُب، وينظر لها قائلًا:
-حقك عليا
اجابت محدقة بعينيه بعدما زال الغضب عنها، ولانت مشاعرها تمامًا:
-ما أقدرش ازعل منك يا حبيبي
                            * * * *
دلفت "كندا" إلى المكتب بعدما سمحت لها عنان بالدخول فور طرقتها على الباب.. جلست فوق احدى المقعدين المقابلين للمكتب، وعنان تتحدث:
-ايه يا بنتي كل ده.. القهوة قربت تبرد
-معلش جالي تليفون خلصته، وجيت على طول
-مهمة اوي انتِ يعني
-شوفتي ازاي
ضحكا الاثنان، ولكن ضحكة عنان يغمرها الحزن، والزيف.. لاحظت كندا ذلك فصمتت، وتحدثت بهدوء:
-أتكلمِ يا عنان.. مالك؟
سحبت نفسًا عميقًا إلى صدرها، وأخرجته بهدوء، ثم أجابت بحيرة:
-مش عارفة.. انا حزينة على عاصم، وفي نفس الوقت محتارة، ومتلغبطة.. حاسة اني موجوعة.. في حاجة في قلبي غريبة
-اهدي بس، وفهميني من ايه؟
شردت للحظات، ثم هتفت:
-مش عارفة
-ازاي بس؟
-اقولك حاجة يا كندا
اومأت كندا، فنطقت عنان قائلة:
-عارفة الحالة اللي اسمها رنا اللي بتابعها؟
-اكيد
قالتها بتعجب، وعنان تواصل:
-بحسها شبهي اوي.. بحس في عينيها انا
ترمقها كندا بعدم فهم، وهي ما زالت مستمرة في الحديث بشرود:
-بشوف فيها نفسي زمان، و دلوقتي كمان.. ما بعرفش اتعامل معاها باللي درساه، وبالصح في الطب النفسي اللي المفروض يتعمل.. انا بلاقي نفسي بتعامل معاها بمشاعري غصب عني.. بحسها انا، وبحس ان انا اللي محتاجة المشاعر والحنان ده
صمتت لحظات، وزفرت بشرود ناظرة بعيدًا إلى لا شيء، ثم أضافت:
-بس انا مش مكانها.. كان نفسي اكون مكانها.. عايزة اغيب، وما أحسش بحاجة في حياتي
-ومين قالك انها غايبة، او مش حاسة، او مرتاحة؟.. دي تعبانة اكتر مننا، ومش هترتاحي لو كنتي مكانها
قالتها كندا باندفاع، فنظرت لها عنان بصمت، ولم تجيب.. انطلقت كندا مرة أخرى بالحديث قائلة:
-انتي تعرفي رنا عندها أيه؟
نظرت لها بشرود، وهي تجيب بصوت خافت:
-فصام "schizophrenia"
-يا سلام! ولما انتِ عارفة كدة بتعبطي ليه؟! انتِ عايزة يبقى عندك فصام زيها؟
-مش فارقة
-انتي محتاجة دكتور نفسي صح؟
قالتها بتهكم، وصمتت رافعة أحد ساقيها فوق الأخرى.. تحدثت عنان مقطبة وجهها في تلك اللحظة:
-مش للدرجة دي
-ومالك زعلتي ليه؟ مش ده معنى كلامك!
-انا حتى لو هدخل في اي حالة هعرف، وهلحق نفسي يا كندا.. انا بس مشكلتي الحيرة
رمقتها كندا للحظات، ثم تحدث:
-الحيرة.. الحيررة.. افهم بقى ايه موضوع الحيرة ده!.. ومش هطلع من هنا غير وانا فاهمة
نظرت لها عنان بندم، وهي تجيب:
-يا ريتني ما كلمتك
-بقولك ايه.. هتحكي يعني هتحكي
قالتها وهي تمسك بفنجان القهوة، وتنتظر صوت عنان يأتيها حتى بدأت في الحديث:..
                             * * * *
انتهى "غيث" من التحقيق، وبعدما أغلق المحضر، مضى "زيدان" عليه هو، وزوجته، وقبل أن يغادرهما غيث تحدث بتذمر:
-لما استدعيك في اي وقت تكون عندي في وقتها، فاهم؟
اجاب زيدان بذعر:
-طبعًا طبعًا يا بيه.. انا تحت امرك
-لما نشوف.. عشان لو هجيبك بطريقتي، الطريقة هتزعلك
-عيب يا بيه.. وقت ما تطلبني هتلاقيني
-ماشي يا زيدان
صمت غيث، وتوجه إلى الباب، وترك زيدان على الفور خارجًا من المنزل، ومعه الكاتب.. أتجها الاثنان إلى سيارات الشرطة، وزيدان يتحدث من امام باب منزله:
-مع الف سلامة يا بيه.. توصل بالسلامة إن شاء الله.. نورت الدنيا والله
ركبا الاثنان، ومعهما العساكر، ثم انطلقت السيارات على الفور مولية شطرها نحو الإسكندرية.
                            * * * *
تجلس فوق احد المقاعد أمام منضدة وحدها في كافيتريا.. مرت ساعة من الانتظار، وبعدما قررت الذهاب، واخذت حقيبتها لتغادر المكان رأته امامها.. نظرت له بتجهُم، و ضيق، فتحدث هو مُبتسمًا:
-عارف أني اتأخرت عليكِ.. حقك عليا
اشاحت بوجهها بعيدًا، ولم تجيب، وفجأة ..
....

#بسمه_ممدوح

جريمة ضد مجهول حيث تعيش القصص. اكتشف الآن