* الفصل السادس والعشرون *

204 28 0
                                    

-سعيد مين يالاه يا اهبل انت؟ روح اجري شوف لك حاجة مفيدة تعملها، واعمل حسابك أني هعمل لك اللي انت عاوزه وهجوزك.. بس واحدة انا اللي اخترها وأختار اهلها.. على الأقل لما أصرف عليك أبقى راضي
قالها وهو يوليه ظهره ويبتعد عنه، فتحدث حسام ذلك الوقت بصخاب، وكاد أن يتوقف قلبه من شدة الغضب وارتفاع ضغط الدم:
-ومين قالك أصلاً أنك هتصرف عليا؟ انا مش عيل
ضحك دون أن ينظر له، ثم فتح باب غرفته وتوقف أمامه قائلاً:
-ماشي يا كبير
صمت ودلف إلى الغرفة واغلق الباب خلفه وترك حسام في الخارج كاد الانفعال يجعله يهشم رأسه حتى يتخلص من أفكاره، وشعوره بالضعف وقلة الحيلة.
* * * *
-أقسم بالله ده كل اللي حصل
قالها ودموعه تتساقط فوق شعرها، فجفف دموعه وأضاف:
-انا حاولت معاه بعدها كتير بس ما كنش فيه فايدة، واللي خوفني منه أنه هددني بيكي، والله خوفت عليكي لأني عارف أبويا مؤذي
اندست برأسها في صدره بعد سماعها هذه الكلمات، فأزداد بكاءه أثر صوت بكاءها عليه، وهو يواصل:
-اوعى تفكري أني بعدت ونسيتك، انا في الأول حاولت أتأقلم مع الوضع، لكن ما قدرتش.. بعد كده دورت عليكِ كتير أوى بس ما كنتش بقدر أوصل لك.. غيرتي رقم موبايلك وعنوانك.. لحد ما فقدت الأمل، بس لما شوفتك تاني اتأكدت أن القدر عايزنا نتجمع.. والحمد لله أنك ما اتجوزتيش، انا مش هسيبك تاني
رغم ارتياح قلبها في تلك اللحظة واحساسها بالسعادة إلا انها حاولت التماسك أمامه.. انفلتت من بين أحضانه محاربة يديه، ثم تحدثت بثبات مصطنع، اضطرت اصطناعه حتى تبدو أمامه قوية:
-ومين قال لك بقى أني هوافق أرجع لك؟
-انا بقول لك
قالها بتحدي مليء بالشغف رغم رعشته الداخلية، فضحكت عنان متهكمة، ثم ذهبت إلى مقعدها وجلست فوقه، ونظرت لحسام بقسوة قائلة:
-كان زمان
بدى الضعف عليه الذي لم يظهر لأحد طوال عمره إلا لها وهو يقترب منها محاولًا استعطافها بينما رفضت هي بقسوة أحرقت قلبه، ولكنه لم ييأس، فلم ينكشف صندوق أسراره ونقط ضعفه يوما إلا لها، ولم يسمح لغروره مهما كان أن يجعله يفقدها، فكان لديه استعدادًا أن يخلع جميع ستر الكرامة والغرور والكبرياء والقهوة مقابل أن تعود له، فمن يوم غيابها لم يكن هو إلا جسد يسير بلا روح كانسانٌ آليً يتحرك بريموت كونترول دون أي مشاعر إنسانية.
بعد محاولات عديدة منه أن تقبل العودة له، والسماح له بفرصة أخيرة.. نظرت له بتفكير، ثم تحدثت بتعالي:
-هفكر يا حسام
لم ترضيه جملتها، ولكنها فتحت له بابً من الأمل حتى ولو كان صغيرًا جدًا.
* * * *
-معلش يا سيادة اللوا.. حاول تسيب لنا فرصة كمان
أنطلق فيه تلك اللحظة "اللواء" قائلاً بغضب:
-في أية يا غيث، هو كلام من دماغي! بقولك أوامر عليا ولازم تتنفذ.. أيد القضية ضد مجهول بأي تمن.. القضية تتقفل النهار ده يا غيث
-يا فندم..
حاول غيث التفوه ولكن الأخر لم يسمح له، وبتر حديثه قائلاً:
-الصحافة اللي انت خايف منها يا غيث يومين وهتتلهي في حاجة تانية.. أحسن ما تفضل القضية مفتوحة ويفضل الكلام الكتير والأخبار شغالة.. اسمع اللي بقولك عليه، وإلا الأذى هيكون ليك أنت
زفر غيث ولم يجيبه، فأضاف:
-القضية تتأيد النهار ده ضد مجهول، وملف القضية يكون على مكتبي قبل ما اليوم يخلص.. وعاوز الخبر ينتشر، مفهوم؟
-مفهوم يا فندم
قالها غيث باستسلام، فتحدث اللواء في ذلك الوقت بهدوء:
-انا مقدر تعبك يا باشا.. بس كله عشانك.. وانت أكتر واحد فاهم أن أي أوامر عليا لازم تتنفذ
تنهد غيث قائلاً:
-تحت أمر حضرتك
انتهى غيث من المكالمة، وأغلق الهاتف.. ثم أتى بملف القضية، وفتحه أمامه وشرع في تفحصه، ثم رفع عينيه منه بعد دقائق، وتحدث بتحدي في نفسه:
-"هريحهم.. بس برضه انا مش هرتاح غير لما أثبت لنفسي أني ما فشلتش".
صمت وهو يطوي الملف، ثم رفع سماعة الهاتف الساكن فوق مكتبه ليطلب رقم مكتب الضابط "ياسر" ليستدعيه للحديث معه وبعدها يقوما بأغلاق القضية وتأييدها "ضد مجهول".
وبالفعل حدث، وفي مساء اليوم وصل ملف القضية إلى مكتب "اللواء" كما أمر، وبدأ ذلك الخبر في الانتشار منذ أن خرج الملف من بين أيدي "غيث" ليصل إلى مكتب "اللواء".
* * * *
وصل حسام إلى منزله متأخرًا عن ميعاده ساعات مما جعل لميس ينتابها القلق وكلما قامت بالاتصال به لم يجيبها حتى وصل.
هرولت إليه عندما سمعت صوت باب الشقة يُفتح، وتحدثت بلهفة:
-حمد الله على سلامتك.. كنت فين كل ده؟ قلقتني
لم يجيبها، وسار بترنح متجهًا نحو الغرفة، فذهبت خلفه قائلة بتوتر:
-مش بترد عليا ليه يا حسام؟
دلف الغرفة في صمت وهو يتجرد من سترته، ثم القاها فوق الفراش، وجلس بجوارها ليخلع حذاءه بتعب.
تساءلت عن صمته، فلم تتلقى منه ردا.. انفجرت في تلك اللحظة قائلة ببغض:
-انت مش بترد عليا ليه؟ انت بتعاملني حلو بمزاجك، وبعدين ترجع تتجاهلني وتعاملني وحش تاني.. انت ايه يا اخي؟ مش بني ادم!
نهض من فراشه في ذلك الوقت بغضب، ورفع كفه ليهوي على وجنتها بغضب مصدرًا صوتًا عاليا جعل عينيها تتسع بصدمة، وتضع كفها فوق وجنتها بألم، وفجأة..
* * * *
انتهت عنان من تبديل ملابسها، ثم خرجت من غرفها لتتناول العشاء مع "أنس"، وبعدما انتهت وعادت أواني العشاء إلى المطبخ، ذهبت إلى غرفتها.
جلست فوق مكتبها بتعب، ثم امسكت بقلمها وبدأت في رسم عشوائي في أوراق موضوعة أمامها بشرود، وعندما عادت من شرودها وجدت قلمها رسم أكثر من قلب محطم مبتعد نصفيه عن بعضهما.
تذكرت ذلك الوقت كل من مرت به من بكاء وألم وحزن، فأغمضت عينيها بوجع، ثم عادت وفتحتها وشرعت في تدوين بعض كلمات الشعر، ودموعها تتساقط دون وعي:
-"بُرهه، بُرهه أعيد بها ما فات.. بُرهه، أترك حالي للسُكات
أتركني أعيدُ احساسي.. لقد غاب ومات
أترك روحي لثواني.. صعب أقوى على البُعاد
سُلبتُ مني ما بداخلي بيديك.. بقلب أبكم وأصم وضرير
جعلتني كالصلصال بين أصابعك.. فأصبح التحكم في ذاتي مستحيل
سلمتُكَ مُفتاح قلبي بإرادتي.. ولا أعلم أنك من يسرق روحي وطاقتي
جعلتني بلا روح وبلا إرادة.. قتلتني بكُل بساطة
وحتي الأن ما زلتُ أحبك.. وانا لا أدري لماذا!
أنهار عند سماع أسمك.. ولا أُدرك ما هذا!
قلبي تعلق بِك وببدايتي معك.. ولكن عقلي يقسمُ أن يخدعك
ما كان الانتقام من صفاتي.. ولكن لابد أخذ عزاء وفاتي
ولا عزاء قبل الثأر.. وأنت من يُردَّ بعنقه العقل
عقلي الذي جُن وحقه.. وقلبي الذي مات وثأره
وروحي التي ذهبت بلا عودة.. وحياتي التي أصبحت فوضى
ونفسي التي غابت ولم أعرفُها.. ودموعي التي عُجزتُ أن أجففها
وانا، وقلبي الذي زرع وما جنى.. وقلبك الذي عليَّ جنا
والسهر والدموع والسكوت.. والفرح الزائف والتظاهر بالصمود
وكل ما ضاع مني فدًا لكَ.. وعمري الذي عُلّقَ بِكَ
سأقتل غرورك وأقتلك.. وآخذ منك ما كان يُسعدك
سأنفرد بذاتي وأتركك.. وأترك للبُعد أهانتك
وأدانتك لي بالألم.. ستدان بها بالندم".
القت القلم أمامها فوق المكتب، ثم طوقت رأسها بيديها، وبعد لحظات نهضت من مقعدها بضيق وفجأة..
.........

#بسمه_ممدوح

جريمة ضد مجهول حيث تعيش القصص. اكتشف الآن