* الفصل السابع عشر *

225 40 1
                                    

-من أهم الموظفين عندنا، زي عاصم كده
قالها المدير وصمت لحظة، ثم ارتشف رشفة من قهوته، وعاد ليكمل، وغيث منصت له:
-قبل وفاة عاصم بحوالي اسبوع او اكتر شوية تعب جدًا، اصله مريض سكر وقلب.. كان صاحب رامز المقرب، وبعد ما أخد الإجازة عاصم بقى بيشتغل شفتين، شفته وشفت رامز، ورفض ياخد اجرهم، وقال ان اجرهم يضاف على مرتب رامز رغم ان مرتبه مستمر يعني ما انقطعش لأن إجازته مرضية مش بايدية
تنهد وصمت لحظات، ثم واصل بأسى:
-الله يرحمه عاصم، كان جدع وصاحب صاحبه.. شال صاحبه بحق.. والصراحة هما الأتنين ما يتخيروش عن بعض، من وقت ما وصل رامز الخبر وهو حالته في النازل وما بيجيش الشغل وتعبان جدًا ومرمي في سريره، ومش قادر يصدق أن صاحب عمره سابه.. الله يرحمه
صمت بحزن وهو يضع تقريره أمام غيث، ويكمل باقي تقارير الموظفين. 
اخذ غيث جميع التقارير بعدما انتهى المدير من عرضهم عليه، ثم استأذن بالخروج، وبالفعل خرج.
مر على عدد ليس بقليل من الموظفين وتساءل عن "رامز" وكانت الإجابة واحدة، وهي نفس ما قاله المدير عنه، وعن غيابه.
بعدما انتهى خرج من الشركة، واستقر سيارته، ثم وضع الملف الذي به جميع التقارير فوق المقعد المجاور له، وشرع في السير على أقصى سرعة موليًا شطره نحو القسم.
                             * * * *
جلس حسام في إحدى مكاتب أصدقائه في المشرحة، بعدما انتهى من عمل طال لساعات.
طلب قهوته، وشرع في الحديث مع صديقه، ولكن على الفور قطع حديثهما صوت رنين هاتفه، اخرجه من جيب سرواله، واجاب، وقبل أن يتحدث أتاه صوت المتصل:
-ايه يا حسام عشر مرات عشان ترد؟
-معلش والله يا سليم انا في المشرحة، ولسه مخلص دلوقتي
قالها حسام بارهاق، فهتف سليم:
-ولا يهمك يا عم.. المهم بقى أني جبت لك كل اللي انت عايزه
أجاب في تلك اللحظة حسام بلهفه:
-بجد؟ طب قول
-هات ورقة وقلم واكتب معايا طب
نهض حسام على الفور، واقترب من مكتب صديقه، ثم التقط ورقة وقلم، ووضعهما أمامه، وحنى ظهره ليدون ما يقوله سليم، ثم هتف باندفاع:
-قول، سامعك
أجابه سليم:
-بص يا سيدي.. عنوانها (...)، بتشتغل اخصائية نفسية بقسم الطب النفسي الحيوي في مستشفى (...)، ورقم موبايلها (...).
-حلو جدًا كده
قالها حسام بحماسة، فأضاف سليم:
-تمام كده؟ ولا عاوز معلومات اكتر؟
-لا كده تمام، ولو في معلومات اكتر مش عاوزها.. هو ده بس اللي انا محتاجه
انفلتت ضحكة من سليم وهو يقول:
-مش بقولك شكلها سارقة منك حاجة
ضحكا الاثنان، وبعد وقت قليل انتهت المكالمة.
جاءت القهوة كما طلب حسام، وبعدما انتهى من ارتشافها والحديث مع صديقه، نهض وارتدى سترته، وخرج متجهًا إلى منزله.
                             * * * *
جلس غيث فوق مقعده خلف المكتب بإجهاد، بعدما تجرد من سترته، ووضع مفاتيحه، وهاتفه المحمول، وسجائره، والملف الذي يحوي جميع تقارير الموظفين فوق المكتب.
وضع رأسه باسترخاء فوق ظهر مقعده، واغمض جفنيه بهدوء.
بعد دقائق أفتحه، واعتدل في جلسته بحماسة، وفتح الملف الموضوع أمامه فوق المكتب، وشرع في تفقد محتوى التقارير عن كل موظف في الشركة.
بعدما انتهى اخرج أحد التقارير وطوى الملف، وامسك بهذا التقرير وبدأ يقرأه ثانية، وبعد دقائق تحدث في نفسه بعزم:
-هبدأ برامز دة، لازم اروح له البيت وأستجوبه
                            * * * *
-بعد أذنك يا أستاذ انتظر برا عشان تجهز للعمليات
قالتها أحدى الممرضات، وهي تقف داخل الغرفة امام الباب، وتوجه حديثها لمن يجلس بجوار فراش المريضة وتتشبث هي بيديه بقوة.
في تلك اللحظة هتفت هي بخوف:
-لا لا.. ما تسيبنيش.. انا مش عايزة اعمل عملية لا
-ما تخافيش يا حبيبتي.. بس انا لازم اسيبك عشان تلبسي لبس التعقيم
قالها بحنان وهو يربت على كتفها بيديه الأخر، وهي تتشبث بيديه أكثر، وتتحدث برجفة:
-لا.. هموت لو عملت العملية.. انا خايفة اوي
بدأت تلمع عيناه بالدموع، وهو يحاول طمئنتها قائلاً:
-بعد الشر عليكِ.. دي حاجة بسيطة، وهتطلعي من العملية احسن من الأول
انهمرت تلك اللحظة الدموع فوق وجنتيها، وهي تقول بصوت تتملكه الرعشة:
-ما تقولش بسيطة تاني.. استئصال ورم حاجة بسيطة؟!
                            * * * *
أستلقى حسام فوق فراشه بإرهاق بعدما بدل ملابسه وتناول العشاء.
ظل مُستيقظ بعض الوقت، ولم يكف صراع عقله، حتى ثقُلت جفونهُ وغطَ في النوم.
استيقظ بعد ثمان ساعات.. ارتدى ملابسه التي جعلته مميز اليوم بطريقة مبالغة، ثم جلس ليتناول وجبة الإفطار بمفرده بعدما أحضرها بنفسه قبل أن يرتدي ملابسه، فاليوم لم تظهر زوجته ولم تبت معه في غرفتهما أيضًا، فقد انفردت بذاتها في غرفة أخرى كي لا تراه.
انتهى، ثم عاد إلى غرفته ليقف أمام المرآة ويصلح من هندامه، ثم التقط هاتفه وعلبة سجائره وقداحته، وذهب إلى باب الشقة ليخرج منه ويستقر المصعد، ثم غادر البناية ودلف سيارته الواقفة بالجراج، وشرع في السير قاصدًا المشرحة.
                             * * * *
أزاحت عنان اطباق الطعام سنتيمترات عنها، ثم اعادت ظهرها لتريحه على ظهر المقعد قائلة:
-بقالنا كتير ما اكلناش مع بعض
ابتسمت كندا وهي تضع قطعة من الخبز في فمها، ثم قالت:
-فعلاً.. مبسوطة جدًا النهار ده
لم تتفوه عنان بكلمة أخرى ولكنها ابتسمت، وكندا تكمل تناول الإفطار، وقبل أن تنتهي بلحظات تحدثت:
-كلميهم يجيبوا لنا قهوة ولا شاي ولا أي حاجة بعد الأكل ده
ضحكت عنان وهي ترفع سماعة الهاتف قائلة:
-عنيا يا ستي
طلبت عنان اثنان من العصير الFresh الذي تحبه وتعلم جيدًا أن كندا هي الأخرى تحبه.
انتهت، ثم اعادت سماعة الهاتف إلى موضعها، وبعد دقائق جاء إليهما طلبهما.. جلسا يرتشفان العصير، وهما يتحدثان:
-والدة معاذ جت البارح وما رضيش يقابلها
نظرت لها كندا بانتباه وهي تواصل:
-هعدي عليه كمان شويه.. اما نشوف اخرتها ايه.. امه هتموت عليه
-لا حول ولا قوة إلا بالله
قالتها كندا بحزن، فأجابتها عنان بضيق متحدثة عن تلك الحالة، وبدءا في تبادل الحديث.
بعد وقت قصير، نهضت كندا لتغادر المكتب متوجهة إلى القسم الذي تعمل به.. أخرجت عنان في تلك اللحظة ملف هذه الحالة وشرعت في تفحصه، ثم همت واقفة والتقطت هذا الملف من فوق مكتبها، وخرجت من المكتب قاصدة غرفة "معاذ".
دلفت الغرفة، ثم جلست فوق مقعد بجوار فراشه وهي تتحدث بهدوء:
-عامل ايه النهار ده؟
-كويس
قالها بصوت منخفض وملامح جامدة، فأضافت هي بعتاب:
-زعلانة منك جدًا
نظر لها تلك اللحظة وبدى الاهتمام على ملامحه، فواصلت:
-كده ماما تيجي البارح عشان تشوفك وانت ترفض، وتخليها تمشي زعلانة.. ينفع كده؟ ده جزائها يعني؟
عادت ملامحه إلى الجمود ولم يجيب، فهتفت تلك اللحظة عنان بجدية:
-خد بالك، لو ما ادتنيش فرصة اجيب معاك نتيجة عشان ترجع كويس زي الأول انا هسيبهم يعملوا فيك اللي هما عاوزينه
-يعملوا ايه؟
قالها باندفاع، فابتسمت عنان عندما شعرت بالانتصار، ولكن سريعًا اخفت هذه الابتسامة وهي تتحدث بأكثر جدية:
-هيسفروك عشان تدخل مصحة برا مصر، وهتبقى لوحدك بجد بقى، ولا هتشوف اهلك، ولا حتى حد من بلدك يخاف عليك ويبقى جنبك.. ايه رايك؟
شعرت وقتها عنان بتغير حالته المزاجية بعض الشيء، حيث جعلته يشعر بالقلق وينشغل فكره.. صمتت لحظات ثم عاودت الحديث قائلة:
-تعالى نبقى أصحاب، ايه رايك؟
رمقها لحظات بتفكير، ثم أومأ بالموافقة.. نظرت له هي بحماسة وانشراح، وهتفت بمرح:
-يبقى اتفقنا
                             * * * *
خرج حسام من المشرحة بعد ساعات قليلة من عمله.. دلف سيارته على عجل، نظر في المرآة المعلقة أمامه وبدأ يضبط من طوق قميصه، ويتأكد من أناقة مظهره، ثم وضع مفتاح السيارة في موضعه وأدار المحرك، وسار بسرعة عالية موليًا شطره نحو أحد المستشفيات.
وصل، ثم صعد إلى أحد الأقسام، وبعدما تساءل عن أحد أطباء هذا القسم، ذهب إلى مكتب ما كما وصف له طريقه.
توقف لحظات يلتقط أنفاسه ويهدأ من ربكته، ثم طرق الباب.. أتاه صوت من الداخل يسمح له بالدخول:
-أتفضل
تنحنح ثم فتح الباب، ودلف خطوة داخل المكتب، وتحدث بهدوء:
-ممكن استشارة نفسية يا دكتورة عنان؟
......

#بسمه_ممدوح

جريمة ضد مجهول حيث تعيش القصص. اكتشف الآن