* الفصل الخامس والعشرون *

209 35 0
                                    

أتاه صمت جعله يتعجب، فأنزل الهاتف من فوق أذنه ونظر فيه ليكتشف أن الخط أنقطع أو أنغلق بالعمد عندما سمعت صوته.
كادت النار أن تخرج من أذنه، ثم قذف الهاتف فوق المقعد المجاور له، وبدأ في أدارة موتور السيارة، وشرع في السير قائلاً بغيظ:
-يا انا يا انتِ يا عنان
                            * * * *
-أطمن.. شوية وهتفوق من البنج وهنوديها الأوضة
شهق وقتها بارتياح عندما سمع تلك الجملة من الطبيب، ثم تحدث بلهفة وامتنان:
-شكرا يا دكتور.. ربنا يخليك.. الحمد لله.. متشكر اوي
ابتسم الطبيب، ثم أستأذنه وغادر المكان قاصدًا مكتبه.
ظل واقفًا أمام باب غرفة العمليات في قلق وتلهف، وبعد مرور أكثر من ساعة أنفتح الرتاج على مصرعيه لتخرج منه ممرضتان يسحبان الفراش المتحرك الذي تستلقي فوقه في وعيها الغير مكتمل، فنصف من وعيها حاضر والنصف الأخر ما زال المخدر مسيطرًا عليه.
هرول نحوها، وأمسك بيديها، وتحدث وهو يجري مع سرعة الفراش قائلاً بلوعة:
-حمد الله على سلامتك يا روحي.. هتبقى كويس والله
ظل قابضًا على كفها حتى وصل معها إلى الغرفة، وبعدما نقلاها الممرضتان إلى الفراش غادرا الغرفة، وجلس هو بجوارها، ثم قبل جبينها ونظر لها متحدثًا بتنهد:
-رعبتيني عليكِ
ابتسمت بحب فأردف بابتسامة مليئة بالحب:
-لحد النهار ده بس كنت بحبك.. من دلوقتي بقى دمي بيجري هنا
قالها وهو ممسك بيدها، ويشير على شرايينها أسفل راحتها، فانتبهت بعدم فهم، ونظراتها مليئة بالتساؤل، فأبتسم لها واومأ ناطقًا:
-أيوة.. اللي في دماغك صح
                            * * * *
انطلق بسيارته على أقصى سرعة حتى وصل أمام المشفى.. وقف بالسيارة، ثم خرج منها ودخل المشفى على عجل.
توجه إلى قسم "الطب النفسي الحيوي" صاعدًا الدرج بجنون، حتى وصل إلى الطابق القابع به مكتب "عنان".. اتجه إلى المكتب، وطرق الباب عدة طرقات سريعة حتى سمع صوت عنان تسمح له بالدخول، ففتح الباب ودلف إلى المكتب، وقبل أن تتفوه عنان بكلمة أغلق الباب وذهب إليها مسرعًا ليقف أمامها قائلاً بصوت خفيض جعلها ترتجف:
-هتسمعيني ولا لا؟
اومأت بخوف وهي تنهض من مقعدها وتتراجع للخلف، فأقترب منها وقبض بكفيه على كتفيها، ثم هتف بها متسائلاً:
-خايفة من اييه؟
-مش خايفة
قالتها برعشة وتلعثم، فأخفض صوته قائلاً بحنان مفاجئ:
-أفهمي بقى.. مش بأذييكِ.. انا بحبك
                             * * * *
-هتسيبني ليه يا حسام؟ قولت استنيني بعد سنة الامتياز واستنيت.. قولت سنة كمان وبرضه استنيت.. بتتخلى عني ليه دلوقتي!
قالتها بلوعة ودموعها تكسو وجهها، وتلتف حوله على شاطئ البحر وتتعثر من ثقل الرمال وكادت أن تسقط عدة مرات ولكنها تماسكت، وهى تضيف بحرقة:
-انت ازاي واقف بالصمود ده.. رد عليا، كلمني زي ما بكلمك.. هتسيبني ليه يا حسام! انا بحبك حرام عليك
بدأت الدموع تترقرق بعينيه وهو ما زال على ثباته، حتى خرج عن صمته فجأة قائلاً بضيق:
-خلاص يا عنان.. كفاية بقى.. قولت لك اهلي مش موافقين وما اعرفش السبب.. ارحميني بقى
-يعني هتسيبني؟
قالتها بصدمة وهي تترنح في مكانها، فأجابها بقسوة:
-ايوة.. انا واحد ندل
بدأت الدنيا في الدوران من حولها وهي لا تصدق ما تسمعه ولا يستوعبه عقلها حتى فقدت السيطرة على نفسها وأعصابها وسقطت أرضا فاقدة وعيها.
                            * * * *
نظرت له بصدمة ودموعها بدأت تتساقط على وجنتيها، وتحدثت بقهر:
-بتحبني؟ وكان فين الحب ده لما سيبتني! كان فين لما وقعت منك وأغمى عليا وودتني المستشفى وسيبتني لوحدي ومشيت
بدأ قلبه يرتعش، وتنهداته تخرج بحرقة وهي تضيف ودموعها تزداد:
-كان فين حبك لما خلفت وعدك معايا؟ كان فين الحب لما ضيعت من عمري ٨ سنين معاك وفي الأخر غدرت بيا.. رد علياا كان فين؟.. احنا في ٢٠١٨ عارف انت كده بقالك كام سنة سايبني؟ ٥ سنين يا حسام!
صرخت في أخر كلماتها بلوعة، فسقطت دموعه هو الأخر، ثم جذبها إلى احضانه بدون مقدمات وبقوة جعلتها تستسلم له، وهو يتحدث بضعف:
-كنت ضعيف، وكنت خايف أجرحك.. خوفي أني أوجعك خلاني أبقى عيل معاكي واظلمك.. ابوس ايدك سامحيني
نظرت له بلوم وهي بين أحضانه والدموع تلمع على وجهها بغزارة، ثم تحدثت بوجع:
-وجع ايه اكتر من الوجع اللي سببته لي؟ اسامحك ازاي بعد ما عرفت انك اتجوزت وبقيت لواحدة تانية غيري؟ فَهِمني
ضمها إليه أكثر قائلاً بألم:
-انا حياتي جحيم، وما عنديش أي مشكلة انك تروحي لها وتساليها وهي تقولك بنفسها انا بعمل معاها ايه، وكله بسبب حبي ليكِ، وابويا هو السبب الله يسامحه
نظرت له ثانيةً بعدم فهم، فواصل:
-انا خوفت زمان أجرحك.. بس دلوقتي انا مستعد اعمل أي حاجة لمجرد انك تسامحيني وترجعي لي
لم تتفهم مقصده وشاهد هو التساؤل في عينيها، فأضاف:
-ابويا ما رضاش يخليني اتجوزك بسبب مرضك، وانك عايشه لوحدك
اتسعت عينيها بصدمة، فأبتلع ريقه وأردف:..
                            * * * *
-طب ممكن أفهم ليه؟
قالها حسام بعدم فهم وضيق لوالده الجالس أمامه خلف المكتب، فأجابه الأخر باستهانة:
-هي مش دي برضه البت اللي كان عندها سرطان اللي خلصت فلوسك عليها وعملت لها العملية؟
انتفخت أنف حسام بغضب وأنفجر الشرار من عينيه وهو يضرب على المكتب بكفيه وينهض من مقعده قائلاً بتحدي:
-ما اسمهاش بت، والمرض مش عيب، وما تحاولش تتحداني
قهقه والده، ثم تحدث بتهكم:
-ما تحاولش انت اللي تتحداني.. مش هجوزك واحدة عايشه لوحدها وابوها مسافر وسايبها، والله اعلم بتعمل ايه وهي عايشه في شقة لوحدها كده! ومش هجوزك واحدة برضه مريضة ومش بعيد عيالك يورثوا مرضها منها
صاح حسام هاتفًا بغضب:
-عنان أشرف من الشرف.. ما تتكلمش عنها كده، والمرض مش بأيد حد، وهي ما بقيتش مريضة خلاص.. أتقي الله بقى
اشعل في تلك اللحظة سيجارته بهدوء، ثم نفث دخانها في وجهه قائلاً باستخفاف:
-طيب يا حسام يا حبيبي.. روح اتجوزها وشوف مين هيديك مصروفك.. اه وما تنساش تصرف عليها من ال٢٠٠جنيه اللي هتاخدهم من الحكومة وانت لسه متخرج ومش فاهم حاجة كدة
-بس انا ما باخدش ٢٠٠ جنيه
قالها باستشاطة، فتحدث الأخر بهدوء:
-ما اختلفناش اوي يعني.. المهم انا موافق.. اتجوزها وشيل مسؤولية نفسك.. بس ده كوم ورد فعلي هيكون كوم تاني.. ما تبقاش تزعل بس وخصوصًا عليها
ربك كلامه أفكار حسام، وعجز عن الرد، فتركه وغادر الغرفة بعجز وهو يضرب أي شيء يقابله بغضب ليتهشم، ثم دلف إلى غرفته وغلبته الدموع ليسقط أمام الباب بعجز بعدما أغلقه، وأنفجر في البكاء دون وعي.
عاد إليه في اليوم التالي محاولا التماسك والتظاهر بالهدوء، وشرع في محادثته مجددًا قائلاً في نفسه: "من الممكن أن يتفهم عندما يراني هادئًا ولم أتحداه كما فعلت في السابق":
-يا بابا انا أبنك.. بتكسر قلبي ليه؟
لم يجيبه ولكنه يرمقه في صمت، فأضاف حسام:
-انا هكون سعيد معاها
ابتسم بتهكم عند سماعه تلك الجملة، ثم تحدث بازدراء:..
..........

#بسمه_ممدوح

جريمة ضد مجهول حيث تعيش القصص. اكتشف الآن