* الفصل التاسع عشر *

220 41 4
                                    

-لا
نطقها غيث بيأس، فتحدث الضابط بعدم فهم:
-طب ليه؟
-عشان مش هضيع وقت يا "ياسر" انا لسه قدامي ناس كتير جدًا لازم اخد منهم عينات، ورامز انا مش شاكك فيه، كل الشهود في صفه، حتى التقارير في صفه، يبقى اضيع وقت ليه بقى!
-طب هنبدأ من أمتى؟
-من بكرا، عشان لسه هقرأ التقارير تاني، واشوف مين أقرب حد للشك وناخد منه العينة
انتهيا من حديثهما بعد أكثر من نصف ساعة، ثم غادر ياسر مكتب غيث، وذهب إلى مكتبه، وغيث ما زال منهمكًا في تفحص القضية، والتقارير.
                            * * * *
-اطلعوا براا.. انا مش عايزة حد ينضف لي حاجة
هتفت بها عنان بصخاب لسماح وماجدة اللاتان انهمكا في تنظيف مكتبها، بعدما كانت شاردة، وهي جالسة فوق مقعدها وممسكة برأسها التي لا تخلو من تسارع أفكارها، ثم عادت إلى واقعها.
فزعا الاثنان، ثم نظرا لبعضهما بعدم فهم، فصاحت بهم ثانية:
-بقول غووروا، ما بتفهموش!
اخذا الاثنان ادواتهما على الفور، وركضتا خارج المكتب.
انفجرت عنان في البكاء بعدما اغلاقا باب المكتب، ثم وضعت رأسها فوق مكتبها الخشبي بضعف وهي مستمرة في البكاء بصبابة.
                            * * * *
يضع رأسه الأن فوق كفها الذي يضمه بكفيه، وتتساقط دموعه بلوعة، وهو جالس فوق مقعد بجوار الفراش التي تستلقي عليه.
ظل هكذا لدقائق ثم رفع رأسه بهدوء وهو يحدق بها، ويتأمل جميع تفاصيل وجهها، وهي في عالم آخر، وبعد لحظات بدأت تتساقط من ثغره كلمات مبعثره، لا تدل إلا على حرقته عليها وحبه المميت لها:
-قومي.. أوعي تروحي مني.. ما ليش غيرك.. بحبك والله.. أرجوكِ ما تسيبينش
بدءا يرتعشا جفنيها بعد ساعات من خروجها من غرفة العمليات.. لاحظ هو أنها كادت أن تفيق.. ملأت وجهه الابتسامة والفرحة، وتحدث بلهفة وهو يرمقها قائلاً:
-قومي يا حبيبتي.. انا عارف انك بتفوقي وسمعاني.. انا ما ليش غيرك، ومش عايز حد غيرك.. فوقي وخليكِ جنبي
أخذت تفتح جفونها بثقل، ثم تغلقها حيث انها لا تقدر على مقاومة ما تبقى من المخدر في جسدها، ولكنها حاربت لدقائق وهو يراقبها بسعادة حتى فتحت عينيها بعناء، ونظرت له بإعياء، وتحدث هو في هذه اللحظة بابتسامة وهو يضغط على يدها بحب:
-حمد الله على سلامتك
ابتسمت ولكنها لم تقوى على التفوه بأي كلمة، فأضاف هو ناظرًا لسقف الغرفة بامتنان:
-الحمد لله.. احمدك واشكر فضلك يا رب 
نظرت له بحُب، ثم ضعطت بكفها على أصابعه باطمئنان، فربت هو على كتفها، وظل ينظر لها نظرات مليئة بالحنان، ويحادثها من حين لأخر حتى غطت في النوم ثانية.
                           * * * *
وصل حسام إلى منزله.. دلف غرفته وجلس فوق فراشه بخيبة أمل، وظل كما هو بملابسه لدقائق حتى لاحظت زوجته حاله من خارج الغرفة، فذهبت إليه بهدوء، وتحدثت بتلعثم خوفًا من أن يطردها أو يحادثها بطريقة سيئة كالمعتاد:
-مـ مالك يا حسام.. ا انت كويس؟
رفع حسام رأسه ببطء حيث كان مطاطاها، ونظر لها بشرود ولم يجيب.
لم تتحدث هي ثانية ولكنها ظلت واقفة كما هي ترمقه في صمت، حتى تكلم هو بنبرة حزن لم تشعر بها منه من قبل:
-تعبان يا لميس
لم تصدق ما تشاهده أمامها، فتساءلت بقلق:
-مالك يا حسام؟؟
امسكها تلك اللحظة من رسغها وجذبها إليه وهو ينطق قائلاً:
-اقعدي
جلست بجواره، فامسك يدها ووضعها خلف ظهره لتطوقه، واستلقى برأسه فوق كتفها.
لم تصدر لميس أي ردة فعل، فالصدمة مسيطرة عليها، ولكن بعد ثواني عندما شعرت بضعفه بدأت تربت على كتفه بحركة بطيئة، ثم طوقته، وبعد لحظات ضمته إليها أكثر حتى أستلقى في احضانها.
لم يتفوه احدًا منهما، ولكنها استمعت إلى نهنهته، وصوت بكائه، فأغمضت عينيها وهي تضمه إليها أكثر حتى هدأ بعد وقت ليس بقليل.
                           * * * *
-عطشانة
نطقتها بإرهاق وهي تحاول بلع ريقها، فانتبه لها قائلاً باهتمام، وأسى:
-معلش يا حبيبتي.. استحملي شوية
-مش قادرة
قالتها بجهد، فنظر لها بحزن، ثم تحدث بحنان:
-الدكتور لسه ما قالش انك تشربي او تكلي.. استحملي شوية، هو دلوقتي يجي ويقولك ينفع تشربي ولا لا، وبإذن الله هيقولك ينفع
نظرت له بألم ولم تجيب، فاخفض راسه لتقابل شفتيه كفها، ثم قبله بحب، وعاود النظر لها قائلاً باحتواء:
-انا جنبك...
                            * * * *
جففت عنان دموعها، ثم تنهدت والتقطت حقيبتها من جوارها، وهمت واقفة، وأخذت هاتفها المحمول من فوق المكتب، وخرجت من خلفه متجهة إلى باب المكتب.. فتحته بضيق وخرجت، ثم جذبته بانفعال خلفها لتغلقه.
سارت بخطوات بطيئة، وقبل أن تنزل الدرج رأت أحدى العاملات تسير بجوارها في هذا الممر.. لاحظت شرودها والتعب المسيطر عليها، فنظرت لها باستفسار متسائلة:
-حضرتك تعبانة يا دكتورة؟ عاوزة حاجة أعملها لحضرتك؟
نظرت لها عنان بجمود، ثم تحدثت بصوت مرهق:
-كملوا تنضيف المكتب
صمتت ولم تتيح لها الفرصة بالرد، حيث غادرت على الفور ذلك الممر نازلة الدرج بسرعة حتى وصلت لنهايته، وخرجت من المشفى.
                             * * * *
ترك غيث القلم فوق هذه الأوراق الموضوعة أمامه عندما رن الهاتف الساكن بجواره، رفع السماعة ثم تنحنح وتحدث باهتمام بعدما وضعها على اذنه وأتاه صوت المتصل:
-سيادة اللوا.. ازي حضرتك؟
أجابه الأخر وتبادلا السلامات، ثم تحدث اللواء بجدية:
-القضية دي هتخلص امتى يا غيث باشا!
-قريب يا فندم.. خلاص هانت
قالها بربكة، فأضاف الأخر:
-كدة كتير يا غيث.. الصحافة مش لاقية حاجة تعملها غير أنها تتكلم في الموضوع دة
تنحنح غيث بقلق، ثم قال:
-ما تقلقش يا فندم.. يومين أو تلاتة بالكتير ونكون وصلنا للقاتل، اطمن حضرتك
-ماشي يا غيث.. اديني مستني
انتهت المكالمة بينهما بعد ثواني، ثم اعاد غيث سماعة الهاتف إلى موضعها، وأتكئ بساعديه على المكتب بتفكير والضيق غلبه، وفجأة ضرب المكتب بقبضته باحتدام، ثم التقط هاتفه المحمول في الحال، وطلب رقم "حسام" وفور رده عليه تحدث باستشاطة:
-انا لازم الاقي القاتل يا حسام.. من بكرا هناخد العينات، وهناخد عينات من اكتر من واحد، مش واحد بس.. انا خلاص ما ينفعش اصبر اكتر من كده
تحدث حسام بهدوء محاولاً طمأنة غيث رغم عدم قدرته على الحديث من الأساس ولكنه أضطر أن يخفي ضيقه:
-ما تقلقش يا فندم.. لو عاوز تاخد عينات الشركة كلها حتى في يوم واحد انا مع حضرتك وتحت أمرك، بس اهدأ ارجوك
-مش ههدأ يا حسام غير لما الاقيه.. مش ههدأ
-طب هتعمل أيه دلوقتي يا فندم؟ فهمني
زفر غيث بغضب، ثم هتف قائلاً:... 
.......

#بسمه_ممدوح

جريمة ضد مجهول حيث تعيش القصص. اكتشف الآن