* الفصل الثامن عشر *

215 38 0
                                    

اتسعت عينا عنان دهشة عندما سمعت صوته ورأته يقف أمامها، وبداخلها تساؤلات تطرأ على عقلها في سرعة "كيف توصل إلى عنوان عملي؟ كيف استطاع الوصول إليّ؟ ماذا يريد مني! ماذا أفعل؟"، ظلت هكذا للحظات والربكة بدت على وجهها ويديها ترتعشان، ولكنها سرعان جمعت قواتها، وحاولت لملمة شتات اعصابها، ثم طوت الملف الذي كانت تتفحصه، وامسكت به وهي تنهض من مقعدها، وخرجت من خلف المكتب ولم تعر لحسام أي اهتمام، ثم توجهت إلى باب المكتب حيث يقف.. خرجت من الفارق بينه وبين الباب، وبعدما خرجت تحدثت بتهكم وهي متجهة بعيدًا دون أن تنظر له:
-اقفل الباب وراك يا دكتور
اختفت بعيدًا، وحسام ما زال يقف في موضعه والصدمة مسيطرة عليه.. بعد لحظات تنحنح، وضرب بقدمية الأرض بغضب، ثم دلف إلى المكتب بعناد، وأغلق الباب خلفه، وتوجه إلى أحدى المقاعد المقابلة لمكتب عنان، وجلس فوقه.
                            * * * *
يقف "غيث" أمام أحد أبواب شقق تلك البناية التي وصل إليها من دقيقتين.. طرق الباب عدة طرقات حتى فتحت له الباب سيدة، وتحدثت باهتمام:
-السلام عليكم.. خير؟
أجاب غيث بصوته الأجش مما جعل تلك السيدة ترتجف:
-انا العميد غيث.. مباحث جنايات
صمت لحظات، وهي واقفة أمامه في صدمة، ثم أضاف:
-عاوز أقابل دكتور رامز.. مش هو موجود برضه؟
-ايوة، ايوة يا فندم.. موجود ما بينزلش من البيت
قالتها بتلعثم، فتقدم هو خطوات، وهي تشير له بالدخول قائلة:
-اتفضل حضرتك، هبلغه بوجودك.. اتفضل
دلف غيث إلى الشقة، ثم ذهبت هي مسرعة إلى غرفة رامز، وغيث يقف في منتصف الصالة، ويتأمل الشقة، ويجول في كل أركانها بعينيه.
بعد ثواني التفت غيث إلى يمينه عندما أتاه صوت "رامز" من تلك الجهة، وهو خارج من غرفته:
-أهلا بحضرتك.. نورت
-اشكرك.. بس ايه اللي طلعك مادام شكلك تعبان كده، كنت دخلت لك انا
قالها غيث، فأجابه رامز:
-عادي يا فندم، ما فيش حاجة.. اتفضل
اشار له بالجلوس، ثم جلس على المقعد المجاور له بعدما جلس غيث.
بدأ غيث في الحديث عندما شاهد نظرات التساؤل في عيني رامز:
-انا طبعًا عرفت أنك صاحب عاصم المقرب، وكمان بتشتغل معاه في الشركة، فحبيت اجي لحد عندك واخد اقوالك، لأنك اكيد تعرف حاجات عنه مش اي حد يعرفها
اومأ رامز، ثم تحدث بحزن:
-الله يرحمه.. تحت أمرك
-اولا عاوز اعرف كنت فين يوم الحادثة؟
-كنت في البيت حضرتك، لأني تعبان وما بنزلش خالص، وجالي الخبر تاني يوم الحادثة الصبح من ناس اصحابنا في الشركة
صمت لحظات ثم واصل، والدموع بدأت تلمع في عينيه:
-انا لحد دلوقتي مش قادر أصدق اللي حصل، وبقول يا ريتني ما غيبت عنه الايام دي.. على الأقل وقتها كنت هبقى معاه...
قاطعه غيث قائلاً:
-وانت كنت فين الأيام دي؟
تنحنح رامز ثم قال:
-كنت تعبان.. اكتر من اسبوع قبل موت عاصم، كان بيجي لي غيبوبة السكر كل يوم، لأني عندي السكر.. غير القلب، وبرضه مشاكل القلب بتزيد، فاضطريت اخد إجازة، وعاصم هو اللي كان بيشتغل مكاني.. الله يرحمه، حتى ما شوفتهوش قبل ما يموت، يا ريتني ما اخدت اجازة
صمت بحزن، ثم طأطأ رأسه، وغيث يهتف بتساؤل:
-طب في تقارير عن حالتك؟
-طبعًا
قالها رامز باندفاع، ثم ارتفع صوته مناديًا على زوجته، وعندما جاءت إليه أمرها أن تأتي له بالتقارير الخاصة بمرضه، وبالفعل أتت بهم، وأخذهم منها غيث ليطالعهم.
بعد دقائق انتهى غيث، فترك التقارير بجواره، وتحدث بارتياح بعض الشيء:
-الف سلامة عليك
-الله يسلم حضرتك
هتف في تلك اللحظة غيث بجدية:
-طب ما تعرفش مين كان بيكرهه، او في بينهم مشاكل، او غيرة مثلاً؟
حرك رامز رأسه نافيًا، وهو يجيب:
-ما فيش حاجة من دي.. عاصم محبوب
زفر غيث، ثم تساءل ثانية:
-طب انت مش بتشك في حد؟
-لا للأسف
قالها بهدوء، فضغط غيث بأسنانه على بعضها، ثم تفوه بضيق:
-طب مين في الشركة كان مكروه مثلاً، ويكون هو المقصود، وجت في عاصم غلط؟
قالها بتفكير، فأجابه رامز ببلاهة:
-مش عارف
هم في تلك اللحظة "غيث" من مقعده واقفًا، وهو يتحدث بيأس:
-خلاص يا رامز شكرًا.. لو أحتاجتك في حاجة تاني هبقى أجي لك
-طب مش هتشرب حاجة؟
قالها رامز بهدوء، فأجاب غيث:
-لا، متشكر
حاول رامز النهوض، ولكن لاحقه على الفور صوت غيث قائلاً:
-خليك انت مستريح.. انا عارف طريقي.. بعد أذنك
لم يجيبه رامز، وعاد إلى مقعده، وتوجه غيث إلى باب الشقة، فتحه وخرج منه على الفور، ثم أغلقه خلفه، وغادر البناية، ثم استقر سيارته وشرع في السير قاصدًا القسم.
                            * * * *
انتهت عنان من متابعة أحد حالتها، وعادت إلى مكتبها.
فتحت باب المكتب، فشاهدت حسام يجلس أمام مكتبها.. صمتت لحظات بصدمة وتفكير، ثم اشاحت بوجهها خارج المكتب، وتنهدت، وعلى الفور ارتفع صوتها بانفعال:
-ياااا ماااجدة.. يااا سمااح
كررتها أكثر من مره، حتى وصلوا إليها راكضتين، واحداهم تحدثت بلهفة، وعدم فهم:
-نعم يا دكتورة عنان.. خير؟
ارتفع صوت عنان أكثر قائلة:
-احنا في مستشفى امراض نفسية مش بطري، المكان لازم يكون نضيف عشان نفسية المريض ونفسيتنا قبليه
-ليه بس يا دكتورة؟ ايه اللي مش نضيف لسمح الله!
قالتها الاخرى بتعجب، فأجابت عنان مشيرة داخل الغرفة:
-مكتبي مش نضيف، انا عاوزه المكتب يتنضف دلوقتي حالا، وتشيلوا أي زبالة فيه، ويترش بالمياه والمعطر، انا قرفااانة
قالتها عنان بانفعال وربكة، ورعشة واضحة في يديها، وعينيها التقت بعيني حسام وهي تنطق اخر كلماتها فازداد توترها.
نظرت سماح لماجدة بتعجب، والاخرى تبادلها نفس النظرات، ثم تحدثت احداهم بطاعة:
-تحت امرك يا دكتورة.. ثواني وهنجيب ادواتنا وهنخلي لحضرتك المكتب بيلمع
لم تجيبها عنان، وقبل أن يغادرا الاثنان المكان، نهض حسام من مقعده بضيق لما فهمه، ثم غادر المكتب في الحال، ورغم احتكاكه بكتفها لم ينظر لها او يحادثها، وعلى الفور غادر المشفى، ودلف سيارته بشرود، وتوجه إلى منزله.
                            * * * *
-قريت التقارير بنفسي
قال غيث تلك الجملة موجهًا إياها نحو أحد الضباط الجالس فوق المقعد المقابل لمكتبه، فرد الأخر بتفكير:
-يعني طلع فعلاً مريض؟
-سكر وقلب
-طب هناخد عينة منه؟
تنهد غيث في تلك اللحظة ثم أجاب:...
.......

#بسمه_ممدوح

جريمة ضد مجهول حيث تعيش القصص. اكتشف الآن