* الفصل الواحد والعشرون *

205 33 2
                                    

-للأسف يا فندم.. سلبي
في هذه اللحظة ضرب غيث المكتب بقبضته بعنف، ثم تحدث بغضب:
-يعني أيه يعني؟ يعني ايه مش فاهم.. انا هتجنن.. مستحيل اللي بيحصل ده
حاول حسام تهدئته، لكنه تلك المرة كان انفعاله أكثر من المرات السابقة بكثير، فبالفعل فقد الأمل وسيطر عليه اليأس.
بعد وقت طال، جلس غيث متنهدًا بضيق، ثم تحدث بخيبة:
-خلاص يا حسام.. هنطلع تصريح دفن، ونبقى نكمل باقي التحاليل بقى براحتنا، رغم اني عارف انها مش هتفيد، بس هعمل اللي عليا وخلاص
تحدث حسام مندفعًا ذلك الوقت:
-ليه يا فندم.. ما يمكن تفيدنا.. خلي عند حضرتك أمل وشوية صبر
نظر له غيث بجمود، ثم قال بهدوء:
-لما نخلص تحليل عينات باقي الموظفين، لو طلعت سلبية، هاخد عينة من عمه ومراته
شجعه حسام محاولاً مده ببعض الحماسة والرغبة في إكمال مسيرته.
                            * * * *
في اليوم التالي، صدر تصريح بدفن "عاصم".. وفور وصول "عنان" هذا الخبر عن طريق العميد "غيث"، أبلغت أقارب عاصم به حتى يأتون لاستلامه ودفنه في مقابر العائلة بدمنهور.
بعد محادثة عنان لهم جاءتهم أيضًا مكالمة من النيابة يستدعوا فيها "زيدان" للمشرحة لاستلام "جثة عاصم".
بالفعل ذهب زيدان إلى الإسكندرية ومعه بعض الرجال، وبعدما استلموا جثة عاصم عادوا إلى دمنهور لدفنه، ولم يسمحوا لعنان بالسفر معهم، رغم أنها حاولت عدة مرات ألا تترك عاصم إلا في قبره، ولكنهم منعوها.
                             * * * *
رغم يأس غيث بعد دفن عاصم قبل أن يعثر على لشيء أو دليل يصل به للقاتل، لكنه لم يستسلم واستمر في طريقه الذي بدأه، وعاود أخذ العينات من مجموعة أشخاص أخرين من الموظفين، وثم مجموعة أخرى بعدهم، واستمر يأخذ العينات من مجموعة تلو الأخرى حتى انتهى من موظفين الشركة، وفي كل مرة النتيجة تكون سلبية مما جعل شعوره بالفشل يزداد ويسيطر عليه.
                             * * * *
في يوم من أول أيام شهر مارس.. عاد "زيدان" إلى منزله في العاشرة صباحًا بعدما انتهى من عمله في الأرض.. جلس فوق الأريكة الموضوعة في الصالة ليلتقط أنفاسه، ولكن سرعان أتاه صوت جرس الهاتف المنزلي.. نهض من مقعده وذهب إلى الهاتف، ثم رفع سماعته ووضعها فوق أذنه متحدثًا، فأتاه صوت المتصل قائلاً بجدية:
-زيدان زهران
-أيوة، مين معايا؟
قالها زيدان بقلق، فأجاب المتصل بصوته الأجش:
-انا العميد غيث.. مباحث جنايات.. بكلمك بخصوص قضية أبن أخوك عاصم
تأفف زيدان في تلك اللحظة، وقاطع غيث هاتفًا بضيق:
-يااادي عاصم
صمت غيث لحظات مستوعبًا طريقة رد زيدان، ثم تحدث بانفعال أرعب زيدان:
-النهار ده تكون عندي في القسم في اسكندرية انت ومراتك، ولو ما جيتش بمزاجك هجيبك انا بمزاجي
تنحنح زيدان، وتحدث بربكة:
-حـ حاضر.. هاجي.. اديني العنوان طيب يا بيه واسم القسم
هتف غيث بعنوان القسم واسمه على الفور، ودون زيدان كلامه بورقة موضوعة فوق المنضدة الموضوع عليها الهاتف، وبعدما انتهى من الكتابة وعد غيث أن يصل إليه بعد ساعات، ثم انهيا المكالمة، فاغلق زيدان الهاتف وذهب إلى غرفته على عجل بعدما أخبر زوجته بما حدث مما جعلها تتوتر، وعلى الفور بدلا الاثنان ملابسهما وخرجا من منزلهما قاصدان الإسكندرية.
                            * * * *
-حبيبي.. موبايلك بيرن
قالتها لميس بحنان وهي تقترب من الفراش الذي يرقد عليه حسام ممسكة بهاتفه المحمول.. انفعل حسام في هذا الوقت قائلاً:
-يوووه.. هاتي وغوري من وشي
صمتت وهي تمد يدها له بالهاتف، وبعدما أخذه منها خرجت من الغرفة، فرد هو على الهاتف، وبعد سلامات تحدث المتصل بأهمية:
-هناخد من عمه ومراته العينات النهار ده.. وده يعتبر أخر أمل بالنسبا لي
تنهد حسام قائلاً:
-إن شاء الله خير يا غيث باشا.. انا شوية وهقوم أروح المستشفى بإذن الله عشان أكون موجود لما يوصلوا
-تمام يا حسام.. اشكرك
تحدثا لدقيقتان إضافية، ثم أغلق حسام الهاتف بعدما انتهت المكالمة، ونهض من رقدته خارجًا من الغرفة.
لحقته لميس بالكلام قبل أن يدلف إلى المرحاض، وهي جالسة فوق الأريكة في أحد أركان الصالة:
-ممكن نتكلم ثواني يا حسام؟
تأفف ثم نظر لها بنفور هاتفًا:
-نعم يا ستي؟
همت واقفة، وتحدثت وهي تقترب منه:
-ليه يا حسام؟ بتعمل كده ليه! مش اتفقنا ندي فرصة لبعض.. ليه مش بتتغير!
زفر بضيق وهو يجيب بانفعال:
-لا انتِ فهمتي غلط الظاهر.. انا قولت مش هضايقك تاني، بس مش معنى كده أن كل شوية ألاقيكي بتقولي حبيبي وتتعاملي معاملة غريبة كده، على أساس تحسسيني بالذنب يعني.. انتِ اللي بأيدك هتخليني ارجع معاكي زي زمان
-وليه ده كله يا حسام؟
قالتها بنفاذ صبر فهتف بغضب:
-عشان مش بحبك.. انتهينا.. الحب مش بالعافية اصله
انهى جملته وهو يدير جسده ليدلف إلى المرحاض، ولكنها لحقته ثانية قائلة بضعف:
-بس انا حبيتك
ضحك بسخرية وهو يقول دون أن ينظر لها:
-طبيعي.. عشان ما عندكيش كرامة
انتهى من جملته عندما توقف داخل المرحاض، وقبل أن تتفوه بكلمة أخرى أغلق الباب بوجهها.
ظلت واقفة مكانها بصدمة، ثم بعد لحظات ذهبت مسرعة إلى غرفة النوم ودموعها تتسابق على وجهها.. فتحت خزانة ملابسها، ثم التقطت حقيبة السفر الموضوعة بجوار الخزينة، وأخذت تضع ملابسها بها بطريقة عشوائية يقودها الغضب والقهر.
انتهت عند دخول حسام الغرفة، أغلقت الحقيبة ثم نظرت له وهو يتحدث بتهكم:
-وده من ايه؟
هتفت بانفعال:
-منك
-وهتروحي فين بقى
-في داهية
انفلتت منه ضحكة وهو يجلس فوق الفراش مرتديًا برنس الاستحمام، ويجفف شعره بالمنشفة، ويقول:
-طب ياريت الداهية اللي تاخدك ما ترجعكيش.. بالسلامة
ضربت الأرض بقدمها بغيظ، ثم التقطت عباءة سوداء من فوق الشماعة الموضوعة بجوار باب الغرفة، وارتدتها بعجل، ثم جرت حقيبتها خلفها قائلة باحتدام:
-سيبهالك مخدرة يا حسام
                             * * * *
تتشبث بيده وهو يساندها في مشيها، ويتحدث بحب:
-الحمد لله يا حبيبتي، الجلسات خلصت خلاص ودي اخر مرة تاخدي فيها كيمياوي
نظرت له بإعياء قائلة بصوت متعب:
-الحمد لله.. يا رب بس ما اتعبش تاني
-مش هتتعبي طبعًا.. ربنا اراد شفاكي، الحمد لله
ابتسمت بإرهاق حتى خرجا من المشفى، فطوقها من خصرها لتقع بين أحضانه خوفًا من أن يختل توازنها إذا تركها، ثم فتح باب سيارته المجاور لمقعده، وساعدها حتى استقرت فوق المقعد، ثم اغلق الباب، وذهب إلى الباب الأخر ليدلف السيارة.
وصلا إلى أحد الفنادق.. تركها داخل السيارة بمفردها بعدما أخذ بطاقة رقمها القومي، ودلف الفندق وحجز جناح باسمها، ثم خرج متجهًا إلى السيارة، فتح باب المقعد الجالسة عليه، وامسك بيدها وبعدما اخرجها من السيارة تحدثت بجهد وعدم فهم:
-طب فهمني، احنا رايحين فين؟
-الفترة اللي فاتت كنت مقعدك في المستشفى لحد ما تخلصي كل جلسات الكيماوي، والحمد لله خلصتي.. اليومين دول بقى لحد ما تبقى كويسة ما ينفعش اسيبك تقعدي في البيت لوحدك.. هتقعدي هنا في الفندق، عشان تبقى مرتاحه ويبقى في خدمة وناس حواليكِ واقدر اطمن عليكِ من وقت للتاني، وعلى الاقل ابقى مطمن ان في حد جنبك
نظرت له بامتنان قائلة:
-بس انا بقيت كويسة
-طبعًا يا حبيبتي.. بس لحد ما تشدي حيلك هما يومين، وكده ولا كده ما فيش حد عندك في البيت يعني ما حدش هيعرف حاجة ويفتح لك تحقيق.. اطمني
-انا مش عارفة اقولك ايه!
ابتسم وهو يقبل جبينها، ثم امسك كفها وقبله، وقال بحب:
-ما تقوليش اي حاجة.. اسمعي بس كلامي عشان ابقى مطمن عليكِ
اومأت برضا، فاصطحابها إلى داخل الفندق، وبعدما أخذتها احدى العاملات بالفندق، وتأكد انها ستظل معها حتى تدخلها الغرفة، غادر الفندق، ودلف سيارته موليًا شطره نحو منزله.
تركتها تلك السيدة فوق الفراش، ثم اطمئنت على حالها، وغادرت الغرفة تاركة أياها بمفردها.
استلقت فوق الفراش بهدوء وصدرها يعلو ويهبط بلهث حتى هدأت بعض الشيء بعد دقائق، فالتفت بوجهها إلى اليسار باسترخاء.. لفت نظرها تلك اللحظة شيء موضوع فوق الكومود.. اتكأت براحتيها على الفراش حتى نهضت واعتدلت في جلستها، والتقطت تلك الشيء.
كانت علبة صغيرة الحجم من القطيفة حمراء.. فتحتها بهدوء وترقب لتجد خاتم من الذهب رائع الشكل والتفصيل ويبدو انه باهظ الثمن.. اخرجته من العلبة وارتدته في بنصرها الأيمن وهي تنظر له وتتأمله ببهجة وإعجاب، ثم التفت ثانية إلى الكومود لتأخذ هاتفها المحمول لتجري مكالمة، ولكن قبل أن تلتقطه لاحظت شيئًا أخر من الواضح انه كان تحت هذه العلبة.. التقطته وهي تبحث عن شيء عليه من الأخر فلم تجد.
كان مظروفًا أبيض اللون فارغ من الخارج، خالي من الكلمات، بينما هناك بداخله ورقه ظاهرة بوضوح.
فتحته، ثم أخرجت الورقة، وفردتها أمامها لتقرأها.
اخذت تجول بعينيها في الورقة سريعًا، ثم شرعت في القراءة بصوت مسموع بعض الشيء:...
......

#بسمه_ممدوح

جريمة ضد مجهول حيث تعيش القصص. اكتشف الآن