* الفصل الثامن والعشرون *

197 31 0
                                    

سمع صوت لأغنية يأتي من غرفة المكتب، وعندما أقترب أكثر من الباب أتاه صوت عنان تردد معها:
-"وعدتك ألا أحبك، ثم أمام القرار الكبير جبنت.. وعدتك ألا أعود، وعدت، وألا أموت أشتياقا وموت.. وعدت بأشياء أكبر مني، فماذا بنفسي فعلت؟!".
فتح الباب على الفور، ودلف المكتب متحدثًا بهيام دون أن يمنحها أي فرصه للكلام:
-"لقد كنت أكذب من شدة الصدق".
أبتسمت عنان ببهجة رغما عنها، وأكملت وهي تنظر بحدقتيه، وهو يغلق الباب وينظر لها:
-"وعدتك ألا أكون أسيرة ضعفي، وكنت، وألا أقول لعينيك شعرًا، وقولت".
أقترب حسام منها وهو يحدق بها، ثم توقف أمام المكتب وأنحنى بظهره، وأستند براحتيه عليه وهو ينظر بعينيها قائلاً بخفوت:
-ارحمي الغلبانة اللي مبهدلها معايا بسببك.. شوية أعاملها حلو وأقول أحاول أنساكي، وفجأة أرجع أوحش من الأول عشان ما بقدرش.. وشوية أقوللها كلام حلو وأتخيلك أنتِ مكانها، وأول ما أفوق من اللي انا فيه يركبني ستين عفريت والاقيني مش طايق أبص في وشها، وأضربها.. طب قولي لي انتِ يرضيكي كده؟
أبتسمت وعينيها بدأت تلمعان وهي تبادله النظرات، ثم قالت بدلال:
-عايز ايه يعني؟
ضغط بأسنانه في تلك اللحظة على شفته السفلى، ثم تفوه بغرام:
-أتجوزك
تنحنحت وهى ترتب الأشياء أمامها بتوتر، ثم عاودت النظر له قائلة بعدما أبتلعت ريقها:
-وانا موافقة
تهلل وجه حسام بالسعادة، فأضافت عنان:
-بس على شرط
زفر بقلق، ثم تساءل عن شرطها، فأجابت:
-مراتك تفضل على ذمتك.. ما تشيلنيش ذنبها، وهي لو عايزة تطلق تبقى هي اللي تطلب الطلاق
نظر لها حسام بتعجب، فاردفت بجدية:
-ده شرطي الوحيد ومش هتنازل عنه
* * * *
أتى الساعي بالقهوة "لغيث" كما طلب، وغادر المكتب على الفور.
جلس "غيث" يرتشفها بشرود وتفكير، ثم بعد دقائق تفوه قائلاً لنفسه:
-"مش هسيب القضية دي، وهبدأ تاني من نقطة الصفر لحد ما أوصل".
صمت لحظات، ثم رفع سماعة الهاتف، وبعدما طلب رقم مكتب الضابط "ياسر" أتاه صوته مجيبا، فأمره غيث على الفور أن يأتي إلى مكتبه في غضون دقائق، ثم أغلق الهاتف، وجلس يكمل أرتشاف قهوته في أنتظار "ياسر".
طرق باب المكتب بعد دقائق فسمح غيث له بالدخول.
فتح الباب ودلف المكتب، ثم أغلق الباب قائلاً بأهمية وأحترام:
-تحت أمرك يا فندم.. خير؟
-أقعد يا ياسر
قالها غيث وهو يشير له بالجلوس على المقعد المقابل لمكتبه الخشبي.
جلس ياسر، ونظر لغيث منتظرًا أن يتحدث، ويخبره عما يريد.. تنحنح غيث في تلك اللحظة، ثم تكلم بجدية:
-بص يا ياسر، انا هبدأ تحقيق في القضية دي من جديد بشكل سري لحد ما أوصل لأي دليل نقدر نفتح بيه التحقيق رسمي تاني، وعايزك معايا
أبتلع ياسر ريقه، ثم دعك في جبينه وقال:
-ما عنديش مشكلة يا فندم.. بس هو لسة في حاجة تاني هندور عليها؟ ما أحنا ما قدرناش نوصل لأي دليل
-هنقدر يا ياسر، هنبدأ من الأول وناخد مسار تاني للتحقيقات، وأكيد هنوصل
قالها غيث بأنفعال، فتحدث ياسر بتوتر:
-خلاص يا فندم.. انا مع حضرتك
تنهد غيث، ثم عاد بظهره للخلف قائلاً:
-تمام.. روح شوف شغلك دلوقتي، وانا هخلص شوية شغل ورايا، وبعد كده هروح انا وانت وكاتب الأقوال "لرامز" صاحب "عاصم".. الخيط عنده يا ياسر.. هو صاحبه وأكيد يعرف أسرار كتير، ولازم النهار ده نعرف منه أي حاجة تفيدنا
نهض ياسر من مقعده متحدثًا:
-أكيد يا فندم.. حاضر
-تمام يا ياسر.. روح انت دلوقتي
اومـأ ياسر، ثم أتجه نحو باب المكتب، وقبل أن يفتحه أستوقفه صوت غيث هاتفًا:
-التحقيقات دي سرية يا ياسر.. ما حدش يعرف بيها حاجة
التف ياسر برأسه لتقابل عينيه حدقتي غيث قائلاً:
-طبعا يا فندم.. ما تقلقش
اومأ غيث برضا، ففتح ياسر الباب، ثم نظر لغيث ثانية مستأذنًا بالخروج، وبالفعل سمح له غيث، وخرج ثم أغلق الباب خلفه، وذهب إلى مكتبه.
* * * *
نهض حسام من مقعده بعدما أنتهى من تناول الأفطار مع عنان، ثم أستند براحته فوق المكتب، ونظر لها قائلاً:
-ما تنسيش تعرفي أخوكي أني جاي لكم النهار ده بالليل ها، وياريت والنبي تفهميه على كل حاجة وتاخدي موافقته قبل ما أوصل عشان مش قادر أناهد
ضحكت عنان، ثم قالت بأبتسامة:
-حاضر يا سيدي
-ماشي يا ستي.. همشي انا بقى دلوقتي
قالها وهو يغمز لها بمرح، ثم أمسك كفها من فوق المكتب، وأنحنى ليقبله بحب، ثم غادر المكتب في الحال.
التقطت عنان ملفات المرضى من فوق مكتبها، وعلى الفور نهضت من مقعدها وهي تتمايل وتتراقص بسعادة على أنغام قلبها العالية، ثم خرجت من خلف المكتب وهي تقفز بجنون والأبتسامة لم تفارق ثغرها، حتى وصلت إلى باب المكتب.
وقفت تهندم ملابسها، ثم تنحنحت، وفتحت باب المكتب وخرجت منه متجهة إلى أحد غرف حالاتها لتبدأ بمتابعتهم واحدًا تلو الأخر.
بعد دقائق من حديثها مع الحالة، أتتها أحد الممرضات.
دلفت إلى الغرفة بعدما دقت الباب وسمحت لها عنان بالدخول.
توقفت أمام عنان قائلة:
-في واحد بيقول أنه والد الحالة "معاذ" عند حضرتك، وبيقول أنه عايز يشوفه، وعايز يقعد مع حضرتك
أومأت لها عنان وهي تقول:
-طب خليه يدخل له، وانا هخلص هنا وهروح له على أوضة معاذ
-تمام يا دكتورة
قالتها الممرضة، ثم خرجت من الغرفة وأغلقت الباب، وعاودت عنان الحديث مع الحالة.
* * * *
انتهت عنان بعد نصف ساعة، ثم غادرت غرفة تلك الحالة متجهة إلى غرفة "معاذ".
توقفت أمام باب الغرفة، كادت أن تطرق الباب، ولكن سرعان أستوقفتها جملة نطق بها شخص بالداخل تبعتها كلمات كثيرة تثير الريبة جعلتها تقف خلف الباب وتنصت إليها بفضول:
-انا رجعت الشغل أمبارح خلاص، وهأخد مكانه، والمرتب هيبقى الضعف، والفلوس هتزيد، وهقدر أعمل شغل تاني مع نفسي، وكله عشانك.. انا مستعد أعمل أي حاجة عشان أشوفك كويس، ولو ينفع أعمل أكتر من اللي عملته ميت مرة هعمل، بس تقوم وترجع تاني وسطنا.. انا ما ليش غيرك يا ابني
صمت لحظات، ثم أكمل قائلاً:
-لو ينفع أسفرك برا هعمل كده.. لو في علاج لحالتك بملاين هعمل أي حاجة وهجيبه.. أرجع بقى يا أبني يا حبيبي ما تحرقش قلبي عليك أكتر من كده
صمت ثانية، ومرت دقيقة بعدها سمعت فيها عنان صوت قدمه، وهو يهتف:
-انا همشي يا أبني وهبقى أجي لك تاني، وهتكلم دلوقتي مع الدكتورة يمكن نلاقي لك حل
أتتها صوت خطواته تقترب، فركضت مسرعة بعيدًا قبل أن يفتح الباب ويراها تقف خلفه.
وقفت تختبئ في أخر الممر حتى خرج من الغرفة، ولكن عندما شاهدت وجهه وقفت في صدمة، وغر فاهها بعدم أستيعاب، وبدأت يديها في الأرتعاش حتى مرت من جانبها أحدى الممرضات، فجذبتها من رسغها، وعندما توقفت تحدثت عنان بتوتر:
-بقول لك ايه.. خليكي ورا الراجل اللي هناك ده، ولما يوصل عند مكتبي قولي له أني جالي مشوار مهم وأضطريت أمشي
نظرت لها الممرضة بتعجب، ثم تحدثت:
-حاضر يا دكتورة.. بعد أذنك
تركتها الممرضة وسارت خلفه بخطوات بطيئة حتى وصل إلى مكتب "عنان".
توقفت أمامه الممرضة، ثم تحدثت بهدوء:
-حضرتك عاوز الدكتورة؟
التفت لها، ثم أجاب:
-اه.. عاوز أتكلم معاها
-بس الدكتورة لسه ماشية.. جالها مشوار مهم وأضطرت تمشي
تأفف في تلك اللحظة قائلاً:
-كنت عاوزها في حاجة مهمة.. خلاص بقى هاجي لها وقت تاني.. شكرًا
-العفو يا أستاذ
تركها وغادر المبني على الفور، فنظرت هي لعنان وأشارت لها بمعنى "فعلت"، ثم ذهبت لتواصل عملها.
سارت عنان مسرعة نحو مكتبها، فتحت الباب ودلفت إليه، ثم تجردت من السترة الطبية ووضعتها فوق أحد المقاعد، والتقطت حقيبتها وهاتفها المحمول من فوق مكتبها بعدما وضعت عليه الملفات، وغادرت المكتب في الحال، ثم المبنى والمشفى، ودلفت أول تاكسي قابلها على الطريق، متوجهة به نحو قسم الشرطة.
.........

#بسمه_ممدوح

جريمة ضد مجهول حيث تعيش القصص. اكتشف الآن