نفت " عنان " تماماً وجود أعداء لدى المجني عليه .. أستمر " غيث " في طرح الأسئلة المعتادة محاولاً اكتشاف ثغرة تساعده و لكن جميع إجابات عنان كانت غير مُرضية بالنسبة له حيثُ عدم استدلاله من خلالها على ما يساعده في حل تلك القضية .. انتهى من استجوابها ثم مضت على اقوالها و غادر الكاتب المكتب .
زفر غيث بضيق و تحدث بحيرة :
- يعني ولا في أعداء ولا مشاكل ولا ديون ولا أي حاجه ، و كل الناس شهدت بأخلاقه و قالوا أنه محبوب .. طب اتعمل فيه كدة ليه !! ما انا لازم افهم .. أصل برضه مش بالسهل حد يتقتل ، مش من الباب للطاق يعني
قاطعه حسام :
- يمكن بالغلط .. جايز يكون كان حد تاني المقصود و جت فيه
هز غيث رأسه نافياً و أجاب :
- لا .. هو المقصود ؛ اللي قتل كان عارف بيعمل أيه و امتى و ليه .. عاصم هو اللي مقصود يا حسام
صمتا الاثنان بحيرة شاردان مفكران في ذلك اللغز .. ساد الصمت للحظات قاطعه صوت غيث ناظراً لعنان :
- انا اسف أني بعطلك ، و خالص التعازي ليكي طبعاً
أجابت عنان بحُزن :
- ولا يهمك يا فندم .. متشكره جداً
- تقدري تروحي دلوقتي ، و أي جديد هيحصل هكلمك طبعاً
- شكراً يا فندم .. بعد أذن حضرتك
أخذت " عنان " حقيبتها و جمعت شتات اعصابها و نهضت من مقعدها متوجهة لباب المكتب ثم استأذنت بالخروج .. غادرت المكتب سالكة الممر المواجه له بخطوات بطيئة ، و فور خروجها استأذن حسام هو الأخر من " غيث " أن يُغادره معلناً التزامه بموعدً هاماً .. سمح له غيث ثم ودعه مغادراً المكتب بارتباك ، خرج و سلك الممر بهدوء رامقاً " عنان " بتحديق و فور اختفائها عن انظاره ركض مسرعاً بتهور حتى خرج ورائها ، و قبل أن تشير لتاكسي لاحقها بصوته :
- أنسة عنان
توقفت في تلك اللحظة و توقفت حواسها معها و عقلها أيضاً بينما قلبها لم يتوقف عن الخفقان .. أغمضت عيناها و سحبت نفساً لرئتيها بألم .. في تلك اللحظة أقترب منها ، و لكن ما زالت بينهما مسافة ثم تحدث بصوت خفيض :
- ممكن تسمحي لي بخمس دقايق
زفرت و لم تُجيب ثم خطت خطوات بطيئة مبتعدة عنه في صمت ، و قبل أن يلحق بها دلفت أول تاكسي مر بجانبها بعدما أوقفته راكضة إليه .
قطب حسام حاجبيه و زفر بضيق ثم مال برأسه فوق صدره بحزن مغمضً عيناه و هو يتحدث بداخله : " كيف وضعت نفسي في ذلك الموقف المُحرج .. كان يجب عدم اندفاعي بهذه الطريقة .. لم أكررها ثانية .. " ، صمت لحظات ثم زفر ناطقاً في نفسه مرة أخرى : " و لكن .. ليس بهذه البساطة .. " .. ضرب بقدميه الاسفلت و من ثم غادر المكان موليً شطره نحو مكان عمله .
* * * *
أدركت جيداً معنى الحب في تلك اللحظة عندما شعرت به للمرة الأولى تجاه هذا الوسيم صاحب الجسد الرياضي و الجاذبية الغير عادية و الجدية و الثقة بالنفس التي زينت رجولته .. كانت تحادثه للمرة الثالثة ، ففي كل مرة يكن حديثهما تحت محض الصدفة لا أكثر ؛ المرة الأولى بينهما كانت تسأله بتلقائية عن مبنى في تلك الجامعة لا تستطيع العثور عليه ، و المرة الثانية التقى بها هو فألقى عليها التحية و سألها إن كانت ضالة شيئاً ما ؟ أما هذه المرة فألتقا في الكافتيريا و أيضاً كانت صُدفة و كل منهما يجلس بمفرده ، و عندما نظر بجانبه وجدها تسكن المنضدة المجاورة له .. ابتسم و نهض من مقعده و أقترب منها بجراءته المعتادة و تحدث :
- صباح الخير
نظرت له بعدم استيعاب ثم نطقت بابتسامة :
- أزيك ؟
فلتت منه ضحكة خفيضة على ردها الغير متوقع ، فهى لم تلقي الصباح كما ألقاه ! و كأنها تنتظره يأتى ليفلت لسانها بالحديث دون السيطرة عليه :
- حلوة الصدف دي
أجاب بابتسامه محدقاً بها إعجاباً بتلك البراءة ، فهو بالفعل قادراً على تحديد الفرق بين البراءة و الجراءة :
- ممكن أقعد معاكي ؟ أحسن ما كل واحد فينا كدة قاعد لوحده .
اندفعت بالرد :
- أكيد
ابتسم ثم سحب المقعد المقابل لها و جلس عليه و تحدث : ...
* * * *
عادت " عنان " إلى منزلها .. دلفت غرفتها ثم بدلت ملابسها و جلست فوق فراشها شاردة ، تنهال على وجهها الدموع دون وعى و عقلها ذاهب في عالم أخر .. لم تستوعب حتى الأن أنها فقدت مخطوبها و لم تستوعب أيضاً أن بتلك البساطة من الممكن أن ينفتح باب أنغلق منذ أمد بعيد .. استلقت على الفراش و أمسكت بهاتفها المحمول و يداها ترتجف و دموعها لم تتوقف بعد ، ثم طلبت رقم شقيقها ، و فور أجابته عليها صرخت بصوت ملتاع و هي تعلن عما لا يقبله عقلها خافية ما لا يقبله قلبها الذي كان سبباً أساسياً في تلك الدموع التي لا تتوقف :
- عاصم ماات يا أنس
* * * *
في المشفى التابعة للداخلية يجلس " حسام " فوق أريكة في مكتبه و يشعل سيجارته و هو شارداً .. يقطع شروده مكالمة هاتفيه تأتي من هاتف المكتب ، وضع السيجارة فوق المطفأة الموضوعة أمامه و نهض بترنح متجهاً لمكتبه الخشبي .. جلس على المقعد الخاص به خلف المكتب ثم رفع سماعة الهاتف و تحدث بعدما سمع صوت المتصل :
- دكتور حسام
- أيوة
- عاوزين حضرتك في المشرحة
زفر حسام و أجاب بضيق :
- ليه !
- عاوزين نستشير حضرتك في حاجة بخصوص القتيل بتاع الجراج ده
نهض في تلك اللحظة و تحدث بلهفة :
- بتاع الجراج ؟ عاصم ! انا جاي حالاً
أغلق الهاتف و ارتدى جاكيته ثم التقط هاتفه المحمول من فوق المنضدة المقابلة للأريكة و أخذ سيجارته و غرسها في المطفأة كي تنطفئ ، و غادر المكتب على الفور .
دلف سيارته الواقفة أمام المشفى و أتجه إلى المشرحة .
* * * *
جاء مشروبهم الذي أتفقا عليه و طلباه بعدما انها تعارفهما ، و عرف كل منهما جميع المعلومات الرئيسية في حياة الأخر و سيرته الذاتية و هوايته ، و شرع هو في الحديث في بعض المواضيع كنوع من البحث عن شيء يقال في هذه المرة الأولى التي تجمعهما .
انتها من حديثهما فاستأذنها بأن تنتظره قليلاً و سوف يعود :
- مش هتأخر عليكِ
أجابت هي بارتباك ممزوج بشك أنه سوف يذهب و لم يعود :
- ليه ؟ هتروح فين !
ابتسم و أجاب بنظرة ذات مغزى :
- ما تقلقيش .. هجيب فطار و أجي على طول
ارتبكت و أرتجف كفيها عندما تأكدت من فهمه قلقها تجاهه ، فأومأت بصمت و لم تجيب .. نهض هو على الفور واضعاً يده على المنضدة و لكنها سكنت فوق يديها دون قصد .. لحظة صمت و ارتباك داخلي مرت فيها عينيه بعينيها و تجمدا أمام بعضهما مع خفقات عالية لقلبهما .. مرت تلك اللحظة كساعات ثم نظرت هي للأسفل باستيحاء فسحب كفه من فوق كفها بهدوء كاد أن يعتصره في تلك السحبة ثم تنحنح و ركض بعيداً تاركها وحدها بين تلك الربكة و الخجل و ضربات قلبها العالية التي كادت أن تسمعُها .
* * * *
فتحت جفنيها بثُقل لتجده راقداً بجانبها .. امسكت يده بحُب و قبلتها و تحدثت بإرهاق :
- يا حبيبي يا أنس .. أنت قاعد جنبي كل ده ما نمتش
نظر لها بلهفة و تحدث بحنان :
- يا روح أنس انا جنبك لحد أخر يوم في عمرى .. اللي خلاني سيبت شغلي و جيت من محافظة لمحافظة علشان ما تبقيش لوحدك ما يخلينيش اقعد جنبك !! انا اهم حاجة عندي بس اشوفك كويسة
ابتسمت و هي تنهض لتعتدل في فراشها جالسة و تهتف :
- انا كويسة طول ما أنت جنبي
- يا رب على طول بخير .. بس ما تعيطيش تاني أبداً يا عنان .. قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا
شردت بعيونها بعيد و هي تجيب بحزن و حيرة :
- و نعم بالله
أجالت حولها ثم واصلت بتساؤل :
- هي الساعة كام دلوقتي
- الساعة ١ الصبح
شهقت باستنكار و ردت :
- انا نمت كل ده ! يا نهار أبيض
ربت على كتفيها و أجاب باحتواء :
- ما فيهاش حاجة يا حبيبتي .. كان لازم ترتاحي .. بصي بقى خاليكِ مكانك و انا هقوم أحضر لقمة ناكلها سووا
رفضت بحزن أن يأتي لها بطعام فحاول معها كثيراً حتى استسلمت و وافقت تحت تأثير إصراره .
هم أنس واقفاً متجهاً للمطبخ تاركاً شقيقته بمفردها في بحر الحزن و الحيرة الذي غرقت فيه .
.........
#بسمه_ممدوح
أنت تقرأ
جريمة ضد مجهول
Misterio / Suspensoالروايه بقلمي ، تابعه لصفحه " روايات بسوم " عبر الفيس بوك .... تحكي الروايه عن نهايه الغيرة و الحقد ، و عدم الرضي بما قسمه الله لنا .. و توضح نهاية كُل شخص يتفنن في عمل الجريمة لأي سبب ما .... الروايه غموض بوليسي ، لغز حول جريمة قتل تبحث فيه شرطة ا...